لا تضربوا إماءَ الله

لا تضربوا إماءَ الله

في هذا العصر الموسوم بالتقدم والتحضر، لازالت المرأة يُعتدى عليها بالضرب، وتُسلب أبسط حقوقها في غفلةٍ من المجتمع والقانون! .. ويقولون شرع الله، ومنذ الرسالة المحمدية وحتى اليوم لم يتغير شيء من شرع الله، لكن ما تغير حقًّا هو تطبيقُنا لشرع الله.

والشرع عند المتشددين في الدين والدنيا يعطيهم حق ضرب المرأة، ونسوا أن الضرب لم يُشرَّع إلا للضرورة، وبمسَوِّغٍ شرعي وليس على الإطلاق، وكذلك لم يُشَرَّع إلا بشروط، فليس هو الخيار الأول لتأديب المرأة الناشز التي أبت طاعة زوجها، بل يسبق ذلك العظة بالمعروف، ثم الهجر فى المضاجع، ثم تأتي الوسيلة الاخيرة بعد عدم جدوى كل الوسائل الأخرى لرجوع المرأة لطاعة زوجها ألا وهو الضرب غير الموجع.

وقد أُمِر الزوج في الإسلام بإحسان عشرة زوجته فقال عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). فالله تعالى أمر الرجال بمعاشرة النساء بالمعروف؛ وعدم تطبيق هذا الأمر مخالفة لشرع الله لا تطبيقًا له. وقد قال السعدي في تفسيره:على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.

وعندما أباح الإسلام ضرب المرأة؛ كانت هذه الإباحة مقيدة بشروط. ولعلك تعجب كل العجب من هذا الضرب الذي من شروطه: ألا يكسر عظمًا؛ ولا يُسيل دمًا؛ ولا يُغير لون الجلد، ولا يكون على الوجه أو الأماكن المخوفة، ولا يُشين جارحة؛ كاللكزة ونحوها. وهو الضرب بالسواك أو بشيءٍ خفيف كطرف الثوب، فليس المقصود منه الإيلام أو التعذيب، إنما هو فقط تعبير عن حالة من عدم الرضا والعتاب لعدم قيام الزوجة بواجباتها.

كما يجب أن يكون هذا الضرب مبرره شرعيًّا وهو (نشوز الزوجة) وليس رغبة عدائية فى قهر المرأة وإذلالها وإيذائها، مما يُعد تعديًّا على حقوقها؛ ويدخل بمقترفه فى دائرة الظلم - الذي هو ظلمات يوم القيامة - فيكون عصيانًا لله الذي حرَّم على جميع خلقه الظلم والتعدي. فقد قال تعالى فى سورة المائدة: ? وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ?.

أى أن الضرب شُرِّع للضرورة وبشروطه، وهو ليس للزوجة السوية العاقلة، بل للمرأة الناشز عن طاعة زوجها، وهو ليس كذلك بغرض الإيذاء أو الإيلام الجسدي أو العقوبة، إنما الغرض منه "التنبيه لوجود تقصير" أى الإصلاح. كما يجب ان يكون له مبرره الشرعي بالحق وإلا صار ظلمًا وإثمًا يعاقب عليه مقترفه. قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).

والمخجلُ حقًّا عندما يعتدي كثيرٌ من الأزواج على زوجاتهم متنكرين تمامًا لفضلهن الذي كان يغمرهم عمرًا كاملاً .. متناسين كدحهن معهم منذ بدء الزواج لبناء البيت وتربية الأولاد والسهر على راحتهم، وبذلهن أيضًا كل ما استطعن لمساعدتهم على النجاح والتقدم فى الحياة.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ؛ فقد تزوج إحدى عشرة زوجة – رضي الله عنهن جميعًا - ولم يضرب منهن واحدةً قط طوال حياته. فعن حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت:"ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله".

بل وجعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي".

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تضربوا إماء الله) أخرجه أبوداود والنسائي، وصححه الألباني. فلما كثُرتْ شكوى رجال المسلمين من نشوز زوجاتهم بعد قول الرسول .. استؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب النساء؟ فقال: اضربوا. ولن يضرب خيارُكم فأباح وحث على الترك. فيما روى عن ابن نافع عن مالك عن يحيى بن سعيد.

فالضرب فى الأغلب ربما لا يُصلحُ؛ بل قد يزيد الأمور تعقيداً ويُفسد حال الأسرة، إذ تنفر الزوجة من زوجها والذي كان من المفترض أن تشعر بالأمان والحنان فى حمايته ورعايته، فإذ بها تشعر بالخوف منه، وتشعر بالألم النفسيّ والجسديّ فى صحبته.

 

فما هي الأسباب النفسية والمجتمعية وراء ضرب الرجل للمرأة؟

- النظرة المشوَّهه للرجولة فى مجتمعاتنا عند عامة الناس .. التى تميز الرجل لكونه وُلِد ذكرًا! وتعطيه حقوقًا مبالغًا فيها على حساب المرأة .. فتُنتج لنا هذه النظرة "أشباه الرجال" الذين يعتبرون الرجولة عنفًا وبذاءةً وفرضَ نفوذٍ وسيطرة، ويتركون الرجولة الحقّة التى تُشكلها الأخلاق الرفيعة والمروءة والرفق والتعاون وتحمُّل المسئولية. فالرجال الحقيقيون هم من يتحلون بالتقوى ودماثة الخلق؛ وهم الذين يُقدمون الرعاية والاهتمام والحنو لأسرهم؛ وهم كذلك من يحترمون الميثاق الغليظ الذي ابرموه بعقد الزواج، فيَصدُقون في عهودهم الزوجية ويوفون بكافة واجباتهم.

- فهم الدين بشكل خاطئ وتفسيره وفقًا لهوى نفوسهم كما ذكرنا فى المقال أعلاه عندما لا تكون الزوجة ناشزًا؛ ومع ذلك تُضرب دون مسوغٍ شرعي، ويقولون الدين أباح لنا ذلك، والدين براءٌ من فعلهم هذا العدوانيّ واللاإنسانيّ.

- النشأةُ فى بيئة مُسيئة .. فالزوج الذي يضرب زوجته ربما يكون قد نشأ في أسرة يمارس فيها والده نفس هذا السلوك العنيف مع والدته. وبدلاً من أن يتحاشى الابن هذا السلوك الذي أذاه في صغره؛ وحطم معنوياته وجرح قلبه، يعاود تكراره ليؤذي به زوجته وأطفاله في الحاضر. وقد وصفت سورة البقرة آية 170 مثل هذه الحال عندما كان رسول الله يدعو الناس - للدين الحق من ربهم – فيأبوا بقوله تعالى: ?وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ?.

 - كما قد يكون لدى الزوج إحساسٌ بالنقص أو أنه أقلُّ من زوجته .. سواء فى العلم أو المال أو أى شيءٍ آخر؛ فيدفعه هذا الشعور بالنقص لإثبات نفسه عبر قوته الجسدية. عوضًا عن الاتجاه لتحسين ذاته وسماته الشخصية؛ والتمسك بالأخلاق الحسنة التى ترفع مكانته بين جميع الناس؛ بما فيهم زوجته وأولاده.

- خنوع المرأة وتقبلها للغة الضرب فى بعض المواقف مما يشجع الزوج على التمادي، رغم أن الزوجة قد تكون متقبلة للأمر ليس من منطلق ضعفٍ وإنما بدافع المحافظة على أسرتها والشفقة على أطفالها، إلا أن هذا السكوت على اعتداءات الزوج قد يفهمه بشكلٍ خاطئٍ .. كقبول من الزوجة لما يفعله؛ ومن ثما يكرر ضرب زوجته.


وماذا نزرع في بيوتنا عندما نقوم بضرب زوجاتنا؟

- أننا نزرع الشوك .. فتحوي بيوتنا نساءً خائفاتٍ من سوء معاملة وأخلاق أزواجهن، ففي النهار تراهم متوجساتٍ يتمنين فراق أزواجهن للبيت، بل ويحتفلن بخروجهم من المنزل، وفي الليل ينهضن من نومهن للدعاء عليهم.

- إننا نزرع الكراهية وعدم الاحترام فى نفوس أبنائنا .. فنتسبب فى سوء تربيتهم عندما يسمعون العراك وضرب أبيهم لأمهم، أو يرون آثار الضرب عليها فيما بعد فتتحطم قلوبهم، ويفقدون الشعور بالأمان. كما قد تضيع هيبة أمهم فلا يعودون يعيرون لكلامها اهتمامًا.

وأيّةُ تربيةٍ هذه التي يربيَّها هذا الأب لأولاده عبر الإساءة لزوجته ورفيقة مشواره؟! وكيف يتسنى للأطفال بعدما تشوَّهت صورة والدهم ان يتعلموا احترامه و تقديره.

- إننا نزرع النفور الزوجي والتمرد .. فعلى قدر التعاسة التي يزرعها الزوج فى نفس زوجته على قدر ما يحصد من كراهية ونفور زوجي؛ ولربما تصبح الزوجة أكثر تمردًا نتيجة لهذه المعاملة المسيئة.

- إننا نزرع بذور العداء الدموي والخصومة الشديدة .. فقد تتسبب المعارك الزوجية بإحداث عاهات مستديمة تبقى طوال الحياة، أو قد تموت الزوجة خطأً نتيجة للضرب المبرح؛ مما يدمر الأسرة ويشرد الأطفال؛ ويرمي بالزوج وراء قضبان السجن ويحرمه من حريته وأطفاله. وهذه القصة حدثت بالفعل لامراة أعرفُها؛ فمن مشادة كلامية بين أبيها وأمها تطور الوضع ووصل للضرب المبرح من الزوج، فماتت الأم ودخل الأب السجن وشُرِّدَ الأطفال، واشتعلتْ نيران الغضب واشتدتْ الخصومة بين الأطفال وأبيهم إذ لم يسامحوه على ما فعل بأمهم وعلى تدمير أسرتهم.

- إننا نزرع التشوُّهَ النفسيّ والتعاسةَ في نفوس أطفالنا ... فقد أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة أسرية عنيفة تتشوه نفسياتهم، وقد يكررون هذا السلوك العدواني مع أزواجهم وأطفالهم واصدقائهم عندما يكبرون، وبذلك يفقدون أكثر علاقاتهم أهمية بالنسبة لهم، ويعيشون تعساءَ مهزومين.

لذلك توعد الله تعالى في القرآن الرجال الذين يبغون على زوجاتهم، فقال سبحانه في سورة النساء آية 34: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) وقال ابن كثير في تفسير قوله: إن الله كان عليًّا كبيرًا: تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن. اهـ

وهذا رأى شيخ الأزهر الرسمي د. أحمد الطيب فى قضية ضرب المرأة

ونقلت جريدة “صوت الأزهر”عن شيخ الأزهر قوله: "إن العنف ضد المرأة أو إهانتها بأى حال دليل فَهم ناقص أو جهل فاضح أو قلة مروءة.. وهو حرام شرعًا"، إلى جانب دعوته الواضحة لإصدار تشريعات لمنع الضرب مطلقًا، وتأكيده أن "الإسلام لا يقبل بالإيذاء البدنى لأَسْرى الحرب.. فكيف يقبله للزوجات؟".

د. محمد سليم دكتوراة فى علوم القرآن



د. على جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق والرأى الشرعي فى قضية ضرب المرأة




كلمات مفتاحية:ضرب المرأة في القرآن - ضرب المرأة اسلام ويب - ضرب المرأة في الاسلام اسلام ويب - ضرب النساء بالقران - ضرب النساء اسلام ويب - ضرب النساء حديث - ضرب الزوج لزوجته - ضرب الزوج لزوجته اسلام ويب - ضرب الزوجةفي القران - حكم ضرب الزوجة بدون سبب - ضرب الزوجة بدون سبب - اضرار ضرب الزوج لزوجته - الزوج الذي يضرب زوجته ويهينها - عقاب الزوج الذي يضرب زوجته عند الله .

التعليقات على لا تضربوا إماءَ الله (1)

صقرThursday, February 25, 2021

مقال جميل لكن هناك ملحوظة وهي أن الضرب شريك العظة والهجر وليس في المرتبة الثالثة والواو تفيد الإشراك وليس الترتيب. ............................... رد: الترتيب في الآية الكريمة ليس مستفاداً من الواو، وإنما الترتيب مستفاد من النص نفسه، وقرائن خارجة عن اللفظ ومفهومه من الكلام وسياقه فالواو دخلت على أمور مختلفة في الشدّة والضعف مترتبة على أمر مدرج. و الترتيب المستفاد مما دخلت عليه الواو في الآية جاء من الأدنى إلى الأعلى أو من الأضعف وهو الوعظ إلى الأعلى وهو الضرب وأن هذا التدرج في علاج النشوز هو ما ينبغي أن يلتزم به الرجل مع المرأة السويّة التي لم يتأصل التمرّد على الزوج وعصيانه في نفسها. فهذه هى القاعدة. والضرب يا أخي صقر ليس شريك؛ فالإسلام أوجب علينا الإكتفاء بالأدنى من النصح أو العقوبة متى حصل الغرض؛ ولا يجوز عندها الإقدام على الأشق؛ حتى فى الزنى وهو حد من حدود الله ومن كبائر الذنوب التي تستحق العقوبة الشديدة؛ كما فى قصة ماعز الذي زنى وتاب عن ذنبه وأراد أن يكفر عنه؛ فوعظه صديقه هَزَّال أن يعترف بالزنا وأشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك. فأن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ فلا إفراط ولا تفريط. تحياتي أخي الفاضل

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
95933

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري