أسرار كونية ستغير حياتك .... قانون الحظ الحسن (2)
علمنا في الجزء الأول من المقال أن الحظ الحسن له قانون كوني؛ لكنه قد لا يفعل فى وقتا ما وفى مكان ما لحكمة لا يعلمها إلا الله؛ لأن من يوجد القوانين يستطيع أيضاً أن يعطلها أو يغيرها لحكمة لا يعلمها إلا الخالق العليم الخبير. فما هو قانون الحظ الحسن؛ وما الذي يريده منك الله تعالى لتحظى بالحظوظ الطيبة! تعال معى لنزيل الغموض ونكتشف أسرار الحظوظ الطيبة.
فماذا تفعل لتحوز الحظ الحسن؟
ولعلك مستعدا الآن لتطبق فى الواقع العملى قانون الحظ الحسن ...
فما الذى يريده منا الله تعالى، ليكون حظنا حسنًا دائمًا وعاقبتنا فى كل الأمور محمودة؟
يريد الله منك: الأخذ بالأسباب الصحيحة
من حُسن العمل وحُسن التوكل على الله مع التقوى
ولتطبق القانون عليك بدايةً حُسْن العمل أن تفعل وتأخذ بالأسباب الصحيحة والمتاحة؛ ؛ فإذا تطلب العمل القيام بسبعة أسباب؛ وأنت لا تقدر إلا على أن تأتي بأربعة فقط؛ وقد قمت بها وفعلت ما عليك؛ فهذا يكفى عند الله تعالى. على أن تعلم أن هذه الأسباب خاضعة لقدرة الله جل وعلا؛ أما أنت فلا تملك القدرة على الفعل؛ فأنت غير ضامن لبقاء حياتك حتى تفعل؛ ولا أنت ضامنٌ لحياة من سيحقق لك ما تريد؛ ولست بضامنٍ أيضًا الظروف من انشغال أو مرض أو تعب أو حادث أو تغير قوانين قد تمنعك عن تحقيق ما تريد، فأنت لا تستطيع القيام بشيء فى كون الله دون معونته؛ فعناصر الفعل خارج يدك وخارج نطاق سيطرتك؛ لا يملكها إلا الله دائم القوة والقدرة؛ وهو الوحيد المتفرد بالقدرة على الفعل الذى لا يستطيع أحدٌ من عباده أن يمنع أقداره.
وتفهم أنه لكى يساعدك الله جل وعلا بعنايته وتوفيقه؛ يجب عليك بدايةً أن تساعد نفسك وتقوم بكافة الأسباب المتاحة لك؛ وتتحمل مسئولية السعى لتحقيق ماتريد، فهو سبحانه لن يغير أى شيء في حياتك؛ حتى تقوم أنت بدايةً بالفعل؛ وتتولى تسيير سفينتك بنفسك عبر أخذك بأسباب النجاح مع إخلاص نيتك لوجهه تعالى وهذا ما يجعلك تستحق عون الله تعالى وتوفيقه، فلا يستوى عند الله من يعمل ومن لا يعمل؛ ومن يصحو باكرًا باحثًا عن رزقه ومن ينام طوال يومه، ومن يدعو الله كل يوم لينال فضله؛ ومن يستكبر عن دعائه ويسخط على حكمه، ومن يسعى فى كل اتجاه ويثابر ليحقق أهدافه؛ ومن ليس له سعى أو أهداف يلاحقها؛ وينتظر بحمق أن تمطر السماء ما يريد.
ثم يأتي دور حُسْن التوكل على الله ومعرفة أن كل ما بذلتَ من أسباب لا تأتي بنتائج إلا من خلال قدرة رب الأسباب "إرادة المسبب"؛ فتترك أسبابك كلها ولا تعتمد عليها؛ بل تتوكل على قدرته سبحانه فى كونه لإنفاذ ما تريد. فلا تفعل مثل قارون عندما قال: إنما أوتيته على علم عندي؛ فألّه الأسباب وعبَدَها وظنها كل شيء؛ فخسف الله به وبماله الأرض فما قدر على حماية النعمة وما قدر على إبقاء حياته!
والآن تعال نتكلم عن التقوى بما فيها من حُسن فى المعاملات وحُسن فى العبادات؛ ففي العبادات بعضنا يترك الصلاة ولا يلبي داعى الله عند سماع الآذان وينتظر بالرغم من ذلك إجابة دعائه! وبعضنا الآخر يشتكى النحس وعدم التوفيق فى أموره، وهو يبخل بالزكاة وينقص من حق الفقراء؛ ثم يسأل الله الزيادة فى الخيرات؛ فكيف قد يتقبل ذلك!
وبعضنا ينسى التقوى ويخالف ضميره فى المعاملات ويرفض الحق بل ويحاربه أحيانًا ثم يتساءل: لماذا أعاني الحظ السيئ! نقول له إن رزق الله وتوفيقه لا يؤخذ بعصيانه واتباع هوى النفس وتبرير الأخطاء ومجانبة الحق؛ فترى أخًا لا يُعطي أخواته البنات حقوقهن فى ميراث أبيهم ويتعجب من حظه النحس فى معظم أموره! وترى والدًا لا يصرف على فلذات أكباده بعد طلاقه من أمهم نكاية بزوجته السابقة ويشتكي من قلة حظه! وعاملاً يأخذ الرشاوي كل يوم من المتعاملين فى مؤسسته ويُدخل معدته وبيته حرامًا ويلوم حظه العاثر فى الحياة! ومنا من يتدخل فيما لا يعنيه ويوقع بالنميمة الناس فى بعضها البعض ثم يستوحش حظوظه التعسة! وآخرين يظلمون الناس بأقوالهم وأفعالهم الخبيثة ويخدعونهم ويستغلونهم ثم يستغربون بعد ذلك حظوظهم النكدة!
أماني سعد – كتاب بداية جديدة
"لا تحتاج لدرجة علمية لتعلم ... أنه كلما ساء خلقك، ساءت حظوظك، وازداد شقاؤك".
ولماذا أحيانًا لا يساعدك الله تعالى فى تخطى ظروفك الصعبة؟! ذلك أنه سبحانه يريدك قويًّا .. يريد أن يشتد عودك لتواجه كل الصعاب والمخاوف بثبات وفعالية؛ فلا تستكين ولا تضعف ولا تهرب كلما واجهتك عقبة.
ولعلك لاحظت فى القرآن سورة يوسف آية "22" عندما تكلم الله تعالى عن سيدنا يوسف - عليه السلام- عندما بلغ منتهى قوته وأصبح مستعدًا لتمكين الله له قال سبحانه يصف ما أصبح عليه
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ? وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
وقد كان قبلاً سيدنا يوسف ? عليه السلام ? ضعيفًا فتآمر أخوته على قتله؛ وبيع رقيقًا بثمنٍ بخس دراهم معدودة؛ وأوقعت به امرأة العزيز؛ وحبس سنين فى السجن بالرغم من براءته؛ وكان ذلك استجابة من الله لدعوته؛ عندما سأله أن يصرف عنه كيد نساء البلاط لعدم قدرته على التعامل مع كيدهن.
فهل كان يصلح مع هذا الضعف الإنساني أن يهبه الله الملك ويجعله أمينًا على مفاتح كنوز الأرض؛ إلا بعد اشتداد قوته واستحكام عقله ليقدر على مواجهة إخوته وحمل أمانة النبوة والحكم ؟!
ولعلك لاحظت أيضًا عندما تكلم الله عن سيدنا موسى ? عليه السلام ? عندما بلغ منتهى قوته وأصبح مستعدا لتمكين الله له قال تعالى عنه في سورة القصص آية "14"
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
وقد كان قبلاً يقع فى المخاطر كل حين؛ فوكز رجلاً فقتله من قوم فرعون؛ وكاد أن يقتل رجلاً آخر نصرة لرجلٍ من قومه؛ واجتمع الملأ على قتله؛ وهرب خائفًا من قومه إلى أرض مدين ومكث هناك عشر سنين؛ وأشار إليه فرعون -قبحه اللّه- فى كلامه كما ورد بالقرآن فقال "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين" فوصف سيدنا موسى -عليه السلام- "بمهين" أى ضعيف وليس ذو مال وسطوة وسلطان؛ وفى الوقت نفسه "لاَ يَكَادُ يُبِينُ"أى: لا يكاد يفصح بكلامه للثغته "العقدة" فى لسانه؛ وهذا كذب بالطبع لأنه نبى الله المكرم وكليم الرحمن؛ وفقيه القول لأن الله تعالى استجاب لدعائه عندما قال (واحلل عقدة من لساني يفقه قولى)؛ فاستجاب الله له في ذلك بدليل قوله :"قال قد أوتيت سؤلك ياموسى"(طه : 26).
فهل كان يمكن لسيدنا موسى ? عليه السلام ? مع ضعفه الإنساني هذا؛ أن يواجه فرعون الطاغية ويُبلّغ رسالة ربه؛ ويكون حاكمًا على بنى اسرائيل! إلا بعد اشتداد قوته واستحكام عقله وبلوغه سن النضج والحكمة ؟!
إذًا لا عجب إذا صقل الله شخصيتك بالامتحانات والابتلاءات لأنه يريدك مؤمنًا قويًّا؛ لا تملك فحسب قوة الصبر والتحمل؛ بل وتملك كذلك قوة التفكير الإيجابي مع السعى والعمل مهما قست عليك الظروف؛ وذلك ليكون لك التمكين فى الأرض؛ فلا تمكين إلا بعد ابتلاء؛ ليميز الله تعالى الخبيث من الطيب.
وهو سبحانه لا يتركك كما تظن فى ظروفك الصعبة بل يشملك برعايته وعنايته حتى تصل لقوة الشخصية، ونور الهداية، وحكمة العقل، والفهم الصحيح لكافة الأمور من حولك. وذلك لا يتأتى إلا بالتدريب على الطاعة فيما تحب وفيما تكره وفى اليسر والعسر أيضًا؛ فتأتمر بما أمرك تعالى وتنتهي عما نهاك؛ وتُحسن القول والعمل مهما قست عليك ظروف الحياة ونوائب الدهر؛ وتثبت دائمًا على ما يُرضي الله جل وعلا.
كما أنه سبحانه يدفعك ويعدك لتتجرأ وتستخرج كل قدراتك المدفونة؛وتستخدم كل مواهبك المخزنة، والتى اهملتها أو نسيتها لزمنٍ طويل، ليس لأنه ? فحسب ? يريدك أن تصل لكل ما تريد؛ بل يريدك كذلك أن تصل لأبعد مما تريد” فأنت خليفته فى أرضه“ فقوتك النفسية والإيمانية هى ما تنصر دينك وتعزه فى الأرض. وهو عالم أكثر منك بما تملكه، وهو لا يدفعك إلا لما هو فى طاقتك، فأفهم رسائله جل وعلا - بتركه لك فى المصاعب - واستفد منها، وكن مدركاً لكنوزك واستخرجها؛ وتمتع بها قبل أن يمضى وقتك وتضيع حياتك؛ وأنت بعد لم تكتشف كل ما أنت قادر عليه.
ولتتقى الله حق تقاته ...
من اليوم كُلْ حلالاً وأرفض المال الحرام رفضًا باتًا.
ومن اليوم اترك الخلق للخالق ولا تتدخل فيما لا يعنيك ليحسُن دينك.
ومن اليوم تحلَّ بالأخلاق الحسنة الطيبة وأعمل صالحًا.
ومن اليوم قل خيرًا أو اصمتْ تمامًا ولا تتكلم.
ومن اليوم انوِ خيرًا لوجه الله ولا تفعل شيئًا من أجل السمعة أو المراءاة.
ومن اليوم أمُر بالمعروف وانهَ عن المنكر.
ومن اليوم نقِّ قلبك من كل ما يُغضب ربك ويجعله يعرض عنك.
ومن اليوم اتقِ الله فى كل ما تقول وما تفعل ما استطعت.
وعندما يراك الله تعالى مستعدًا ومقدمًا على مواجهة الحياة بثبات وشجاعة؛ متخذًا للأسباب؛ ومتوكلاً عليه؛ مخلصًا فى نيتك؛ تتقى الله فى عباداتك ومعاملاتك ما أستطعت .. تأكد أنه لن يتركك وسينصرك لا محالة مصداقًا لقوله الحق: (وكان حقًا علينا نصرُ المؤمنين) سورة الروم آية 47.
أما الكفار الذين غرتهم الدنيا فعبدوا الأسباب وآلهوها؛ ظانين خطأً بقدرتها على فعل شيءٍ بذاتها؛ دون الاستعانة بالمسبب الذي يمددهم بأسبابهم؛ لا يُظلَموا فى الدنيا بل يُعطَون على قدر أسبابهم وفقًا للعدل الإلهي؛ يعطيهم الله تعالى على قدر سعيهم وجدهم؛ لكنه سبحانه لا يعطيهم ما يُعطي المؤمنين من رحمات وتوفيق ومعية إلهية وحظوظٍ حسنة.
فتأمل عطاء الله غير المحدود "للمؤمنين به" في قوله تعالى لنبيه سليمان فى القرءان الكريم سورة ص آية "39": (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فأعطاه تعالى مُلكاً يتصرف فيه كيف يشاء ... يمن على من شاء ويمسك عمن يشاء لاحرج عليه فى ذلك ولا حساب.
وتأمل أيضًا وعده لعباده المؤمنين من أهل الصبر فى القرءان الكريم: (إنَّمَا يُوفَّىَ الصابرون أجرهم بغير حساب) وهم الصابرون على أقدار الله فلا يتسخطون؛ والصابرون عن معصية الله فلا يقربوا المعاصي ولا يرتكبوها؛ والصابرون على طاعة الله فيأدونها كما أمرهم؛ يُعطي الله هؤلاء الصابرين ثوابهم بغير حدٍ ولا عدٍ ولا مقدارٍ ولا ميزان؛ فى الدنيا والآخرة؛ لما لقوا وتحملوا من مشاق ومجاهدة للنفس والشهوات فى سبيل نيل مرضاة الله تعالى.
يريد الله منك: الالتزام بالقوانين الإلهية
بإتباعك لشرعه والرضا بقضائه وقدره "فتصبر فى الضراء، وتشكر فى السراء"
ولتلتزم بالقوانين الإلهية عليك إتباع شرع الله كله دون زيادة أو نقصان؛ كما أمرنا تعالى فى القرآن والسنة النبوية المطهرة؛ فنلتزم بأوامره ونجتنب نواهيه سبحانه ونتبع سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم – كلها دون تقصير أو إبتداع. فترى مسلمين أخذوا بالقرءان وتركوا سنة نبيهم متعللين بخطأ النقل؛ ومسلمين آخرين أخذوا بعض الأحكام فى القرءان ورفضوا البعض الآخر متحججين بأنها لا توافق العقل! ويالا العجب إذ تراهم يتسائلون بعد هذا الحمق والكبر بغير الحق: لما حظوظنا دوماً رديئة فى الحياة!
والصبر فى الضراء هو أن لا تتسخط على أقدار الله بل وتعلم يقينًا أنها فى خيرك ومصلحتك مائة بالمائة، وتشكره تعالى على ما منعك مثلما تشكره على ما أعطاك، وتنتظر فرج الله دون شكوى، وأنت مطمئن بقدوم الخير عن قريب.
يقول تعالى فى سورة النور آية :
"إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ "
صدق الله العظيم
(فلا تعود تقول بعد اليوم: "لعله خير" بل تقول: "خير إن شاء الله") لإدراكك بيقين أنه الخير؛ لأن الله جل وعلا لا تأتي أقداره إلا بالخير لعباده المؤمنين. روى مسلم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبةٌ فيقول ما أمره الله عز وجل: "إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها" إلا أخلف الله له خيرًا منها.وكلنا يعلم قصة أم سلمة عندما مات زوجها أبو سلمة فوصاها الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء فقالت: (ومن خيرٌ من أبى سلمة!) إلا أنها دعت بهذا الدعاء طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم تمر عدتها إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها خاطبًا. وهو مالم تكن أم سلمة تحلم به أبدًا.
وسأعطيك مثالاً بسيطًا: تأخرت عن موعد تقديمك لوظيفةٍ ما؛ لظروف خارجة عن إرادتك (حادث وقع فى الطريق أثناء ذهابك لتقديم طلب الوظيفة) فذهبت الوظيفة لغيرك؛ يكون ذلك من أقدارك، وهو بكل تأكيد خيرٌ لك فقط إن لم تتسخط!... أو تغضب، أو تعترض على أقدار الله. فيرسل لك الله تعالى وظيفةً أخرى كنت لا تحلم بها؛ فيقبل طلبك وتوظف. لكنك لو كنت قبلت فى هذه الوظيفة التى فاتتك لما كنت فكرت فى التقدم للوظيفة الأخرى التى كانت حلم حياتك.
دعنى أعطيك مثالاً آخر: حدث لك حادثٌ أدى إلى كسرٍ فى عظام قدمك؛ ذهبت على أثره للمستشفى. من وجهة نظرك قد ترى هذا الأمر شرًا لك؛ لكن أثناء قيامك بالأشعة صادفت طبيبًا (رجل/ امرأة) كان هو الشريك المثالي الذي كنت تحلم بالارتباط به منذ سنين، ونتيجة للكسر الذي إصابك ظل هذا الطبيب يتابعك لفترة عن قرب حتى تعرفت عليه جيدًا وتأكدت أنه الشريك المناسب لك. فهل هذا القدر شرٌ لك أم خير وفير أهداه الله تعالى إليك؟!! فلولا الكسر لطُببت بسرعة دون أن تنتبه لهذا الشريك المثالي؛ ولولا الكسر ما تأكدت من حسن أخلاقه وطيب معاملاته مع الآخرين؛ ولولا الكسر لكنت تزوجت ربما من شريكٍ لا يناسبك إطلاقاً ولعشت حياةً زوجية تعيسة. وهنا الله تعالى لم يعطِك الخير فقط بل دفع عنك الشر أيضًا بأقداره الطيبة؛ فهذا الحادث أو لنقل (القدر الطيب) الذي ظننته فى بادئ الأمر شرًا لك كان حقيقة "الخير".فالخير هو ما زاد نفعُه على ضره؛ والشر هو ما زاد ضرُّه على نفعه؛ ففي هذا المثال حقق الحادث مكسبًا وخيرًا يمتد لآخر العمر؛ وجرحًا يطيب فى أسابيع قليلة؛ فهل كان الحادث خيرًا تحمد الله عليه أم كان خلاف ذلك؟! لتحكم بنفسك.
فالحقيقة الكاملة ليست ما يحدث الآن فى واقعك؛ أو ما تختبره في هذه اللحظة؛ فهذا فقط ما تراه وما تدركه عبر وعيك الحالي وفهمك المحدود؛ إنما الحقيقة الكاملة لا يعلمها إلا الله وحده بعلمه الواسع؛ وهي ما تلمس نتائجها كل حين عبر أقدار الله الخيرة التى يسوقها إليك وحظوظك الطيبة؛ والتى قد يطلعك الله على حكمتها فى الدنيا؛ كما جاء فى قصة الخضر وأصحاب السفينة؛ عندما خرق الخضر السفينة ليعيبها حتى لا يأخذها الملك غصبًا من المساكين العاملين فى البحر، وعلم المساكين حكمة هذا القدر أو لا يطلعك على الحكمة منها حتى تلقاه سبحانه؛ كما جاء فى ذات القصة عندما قتل الخضر الغلام فلم يعلم والداه الصالحان مَن قتله ولماذا قُتل حتى توفاهم الله تعالى.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: «ما ابتلى الله عبدًا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء كفارةً وطهورًا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عزَّ وجلَّ أو يدعو غير الله في كشفه»
وتذكر كذلك شكر الله تعالى فى السراء ... فما بالُ قومٍ ينسون شكر المنعم على نعمه فى السراء؛ ويتعجبون بعد ذلك من ذهاب حظوظهم من هذه النعم! فتراهم ينسبون قدرات الله لذواتهم ? مغترين بأسبابهم ? التى لا يدَ لهم فيها؛ بل هى إرادة المسبب ... الذي يعطيهم باستمرار القدرة على القيام بهذه الأسباب.
والله تعالى قد يُبقى لهؤلاء حظوظهم من هذه النعم من مالٍ وولد وعز وجاه وقوة استدراجًا لهم؛ فتكون نقمة عليهم؛ فيغترون بها حتى يأتيهم الأجل وهم كافرون بالنعمة وجاحدين بفضل الله عليهم.
وقد تظن أن هناك استثناءً وحيدًا يكون القضاء والقدر فيه شرًا للمؤمن وذلك عندما يغضب عليك ربك ...
هذا أيضًا تفكرت فيه لأني قلت فى السابق أن كل الأقدار خيرٌ للمؤمنين لا شر فيها؛ أما عندما يغضب خالقك عليك لفعلٍ أو كبيرة ارتكبتها؛ خصوصًا الذنوب السرية؛ والتى سترك فيها عن الناس وأعطاك الفرصة لتتوب عنها وأمهلك كثيرًا لترجع؛ لكنك لم تفعل ولم تتب بل وأصررت عليها وكررتها مرارًا، نعم قد يسخط عليك ربك تاركك للشياطين لتزيدك كفرًا فوق كفرك؛ لما رآه وأطلع عليه فى قلبك من جحود بآياته ونعمه.
حتى هذا القدر الذى تظن فيه شرا لك إذا رضيت بحكم الله فيه وقضائه واستغفرته تعالى عما اكتسبته من ذنوب وتبت إليه توبةً نصوحة ثم لجأت لكهف الدعاء؛ يرد عنك هذا القَدَر برحمة الغفور الرحيم؛ أو يعوضك الله بفضله وكرمه خيرا مما فقدت. فلا يرد القَدَر إلا الدعاء؛ ولا يُرفع قضاءٌ إلا بالرضا به.
وفي تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: (ورد في الخبر: إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور الدنيا من (التجارة) وغيرها مما لو فعله لكان فيه هلاكه، فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه، وفى رواية أخرى: فيقول للملائكة: اصرفوه عنه؛ فإنه ان يسرته له أدخلته النار" فيصبح كئيباً حزيناً فيظن "وفي نسخة "يتطير بجاره وابن عمه" من سبقني من دهاني، وما هي إلا رحمة رحمه الله بها) هكذا هو في القوت.
وفى النهاية أهديك ثلاثة هدايا لتحظى دومًا بالحظوظ الحسنة فى الدنيا والاخرة
أولهما: الاستغفار استغفر باستمرار عن كل الذنوب والخطايا وفى وقتها؛ فلا تتأخر عن الاستغفار فورًا إذا أذنبت؛ واستغفر استغفارًا خاصًا عن الذنوب التى تعرفها؛ واستغفارًا عامًا عن كل ذنبك ما أسررتَ وما أعلنت.
وسيد الاستغفار هو: عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار أن تقول:} اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت{.
والهدية الثانية: الشكر اشكر الله تعالى عن كل نعمة تأتيك مهما صغُرتْ؛ لتحفظ النعم الموجودة وتجلب النعم المفقودة. ?من قال حين يصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ... لك الحمد و لك الشكر. فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته? المحدث: ابن حجر العسقلاني - الفتوحات الربانية.
أما الهدية الأفضل: الدعاء فلا شيء أكرم عند الله من الدعاء؛ ادعوه فى كل شيء وكن متيقنًا من الإجابة، وهذا هو دعاء التعافي من كل الأقدار والحظوظ غير الطيبة، فاستعن به واثبت على الدعاء به كلما شعرت بعدم التوفيق والحظوظ غير المواتية، وألحقه بصدقة ولو قليلة. فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما يصيب المسلم من هم ولا حزن، فيقول: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمِكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَائِكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي" إلا كان حقًا على الله عز وجل أن يبدل همه فرجًا وحزنه فرحًا، قالوا: يا رسول الله! ألا نتعلمهن؟ قال: حق "وجب" لمن سمعهن أن يتعلمهن. رواه ابن حبان وأحمد في مسنده.
وكل المؤمنين حظوظهم طيبة فى الحياة إذا ثبتوا على منهج الله تعالى القويم؛ وطبقوا معنا قانون الحظ الحسن؛ وسواء علمنا حكمة الله من الأقدار التى يجريها علينا طوال حياتنا أو لم نعلم يجب أن نكون على يقين تام من أن الحق سبحانه لا يسوق عباده المؤمنين إلا للخير فيما يعطيهم من أقدار وفيما يمنعهم أيضا.
وألخص لك الآن قانون الحظ الحسن فى كلمات اعمل بالأسباب؛ توكل على الله؛ اتقِ الله فى كل شيء ما استطعت "عباداتك ومعاملاتك"؛ اشكر النعم جميعًا فى كل وقت؛ اصبر فى الضراء واثبت فى المحن؛ واثبت على منهج الله الصحيح فى كل الأحوال والظروف؛ وأحسن عبادة الله: حافظ على صلواتك المفروضة وزكِّ مالك وأعمل صالحًا تكن من أكبر المحظوظين والسعداء فى الدنيا والاخرة.
أرجو من كل قرائي أن لا يقرأوا فحسب بل يقرأوا ويطبقوا ليحوزوا الحظ الحسن على الدوام ان شاء الله؛ وأسأل الله تعالى أن يعطي كل من يقرأ هذا المقال الحظوظ الطيبة ونيل رضوانه فى الدنيا والآخرة. أتمنى أن أكون قد وفقت فى عرض الموضوع داعية لكم ولى بالثبات دومًا على كل ما يحبه الله ويرضاه.جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
شوباشThursday, March 11, 2021
من اجمل ماقريت ........ رد: شكرا لتعليقك الرقيق
اسماعيل النجارWednesday, January 13, 2021
دكتورة بارك الله فيك، قرأت المقال في جزئيه واستفدت منه كثيرا، ولكني مازلت محتار. معظمنا يفهم وانا منهم ان الحظ الطيب يكون في وفرة المال والعيال وراحة البال، ولكن ما فهمته من خلال قرائتي لمقالك الرائع ان الحظ الحسن - باختصار - يحصل برضا الله عن العبد بأن يكون العبد مطيعا لله في أوامره مجتنبا لنواهيه وبذلك يتحقق الحظ الطيب في الدنيا والآخرة وهذا ما لا يدركه كثير من الناس. فهل انا على صواب ؟ ............................... رد: فى رأيي أن أفضل ما يعطى العبد بعد الإيمان بالله التوفيق، وتوفيق الله لا يعطى للعبد العاصى حتى وان كان عكس ذلك ما يبدو للناس. فأولادك قد يتسببون فى عذابك طوال حياتك إذا كانوا عاقين لك؛ ومالك قد يكون وبالا عليك إذا جعلك من الغافلين. ونعم أنت على صواب فى ما استنتجت فحظك الطيب أن يرضى عنك خالقك العظيم؛ فإذا رضى فقد حزت خير الدنيا وخير الآخرة إذ ستوجه كل أقدارك فى صالحك فتفوز بمعية الله وتوفيقه على الدوام بإذن الله. شرفتنا زيارك أ. اسماعيل