بدأ العمل على نظرية الجاذبية الحديثة العالم والفلكى الكبير "جاليليو"، وذلك قبل سقوط التفاحة من الشجرة أمام العالم والفيزيائى الشهير "نيوتن". هذا عندما قام "جاليليو" بتجربته الشهيرة من خلال رمى العديد من الكُرات ذات الكُتَل المختلفة من أعلى برج بيزا المائل ليثبت أن سرعة سقوط الأجسام على الأرض لا تتعلق بكتلة الجسم أو "الثقل".
وبعد ذلك بفترة قام "جاليليو" أيضًا بتجربة ثانية تقوم على دحرجة العديد من الكُرات من فوق سطح مائل ليصل إلى نفس النتيجة وهي أن الكُرات تصل إلى نهايتها في نفس الزمن تقريبًا؛ بغض النظر عن كتلتها كما في التجربة الأولى، ليصل إلى اكتشاف مفاده أن سرعة السقوط للأجسام لا تعتمد على الكتلة إنما تعتمد على درجة اختلاف احتكاك الهواء فى الغلاف الجوي للأجسام أثناء سقوطها كما هو الحال أثناء سقوط ريشة طائر أو ورقة من الأعلى.
ثم جاء بعده العالم الفيزيائى والرياضى والكيميائى والفيلسوف الكبير "إسحاق نيوتن" من خلال تأمله فى حدث صغير أثار فى نفسه تساؤلاتٍ عميقة، هذا الحدث هو "سقوط التفاحة أمام نيوتن وهو مسترخٍ ومتأمل تحت الشجرة" فيما يسمى بحالة "ألفا" وهى الحالة التى ينشط فيها العقل الباطن أو العقل اللاواعى، عندها فكر نيوتن قائلاً لنفسه: لماذا تسقط التفاحة دائمًا على الأرض بشكل عمودي؟ لماذا لا تنحرف ذات اليمين أو ذات الشمال أو إلى أعلى، وتتجه دومًا إلى مركز الأرض؟ .. ومن هذا التساؤل التأملي أنبثق قانون الجاذبية أو الثقالة "Gravity" محاولاً نيوتن بذلك القانون تفسير ميل الكتل والأجسام للسقوط نحو الأرض.
وقانون الجذب العام لإسحاق نيوتن يعتبر محاولة لوصف قوى الجاذبية بين الأجسام غير المشحونة، وقد استنبطه نيوتن من خلال العديد من المشاهدات الفلكية مستعينًا بقوانين "يوهانز كيبلر" الفلكى الألمانى الشهير فى حركة الكواكب.
وتتلخص قوانين "كليبر" لحركة الكواكب في ثلاثة قوانين: القانون الأول: (كل كوكب يدور في مدار إهليجي حول الشمس تقع الشمس في إحدى بؤرتيه)، والقانون الثانى: (الخط الواصل بين الكوكب والشمس يمسح مساحات متساوية في أزمنة متساوية وهذا يعني أن سرعة الكواكب تتزايد كلما اقتربت من الشمس)، والقانون الثالث: (مربع زمن دورة الكوكب حول الشمس تتناسب تناسبًا طرديًّا مع مكعب نصف المحور الكبير). وتعتبر هذه القوانين الثلاثة وصفًا لحركة الكواكب حول الشمس وفق المنظور الجديد القائل بمركزية الشمس، والذى أصبحتْ - وفقًا له - الحسابات تطابق الأرصاد الفلكية بدرجة كبيرة، كذلك فسرت فيه الحركات التراجعية للكواكب دون حاجة إلى وجود أفلاك التدوير.
ويقول قانون الجاذبية العام لنيوتن: إن كل جسم يجذب جسمًا آخر في الكون بقوة محمولة على الخط الواصل بين المركزين وشدتها متناسبة طرديًّا مع كتلتيهما وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما .
والصورة القياسية لقانون الجذب العام لنيوتن كالتالى شكل توضيحي (1(:
حيث:
F هي القوة الناتجة عن الجاذبية
G هو ثابت الجذب العام بين الكتل
M1 هي كتلة الجسيم الأول
M2 هي كتلة الجسيم الثاني
r هو البعد بين الجسيمين
ولنيوتن العديد من الإنجازات الأخرى فهو يعتبر مؤسس العلوم البصرية الحديثة(Modern Study of Optics) والتي تفسر حركة الضوء، وعلى الرغم من أن نيوتن درس البصريات في الفترة من العام (1670-1672) وهى فترة قصيرة جدًا إلا أنه قام في هذه الفترة بالتحقق من انكسار الضوء ووضَع نظريته في ذلك وسماها النظرية "الجسيمية" والتي خلُص فيها إلى أن الضوء يتألف من جسيماتٍ تسير في خطوط مستقيمة وتبقى هكذا ما لم تؤثّر في ذلك الحاجز أو المنشور المنقسم عليه الضوء أية قوة أخرى، ويرجع الفضل إليه في إثبات أن الضوء الأبيض هو مزيج من أضواء متعددة وأن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة، وبرهن على ذلك من خلال تجربة عملية بإسقاط ضوء أبيض على منشور زجاجي فانقسم الضوء إلى عدة ألوان عند مروره خلال المنشور، وعمل على تجميع هذه الألوان من جديد من خلال عدسة منشور آخر ليتكون الضوء الأبيض من جديد. وبذلك تمكن نيوتن من اختراع التلسكوب العاكس والذى تغلَّب به على مشكلة الألوان التي تظهر في التلسكوبات المعتمدة على الضوء المنكسر.
شكل توضيحى (2): تجربة نيوتن فى انكسار الضوء
وبالرغم من ظهور نظرية أخرى تقول بأن الضوء يسير فى خطوط موجية فيما تعرف بالنظرية "الموجية" والتى أكتشفها العالم "كريستيان هوغنس" ، إلا أن العلماء الفيزيائيين الذين جاءوا من بعدهم عضدوا كُلاً من النظرية الجسيمية لنيوتن والنظرية الموجية لهوغنس بإثبات أن الضوء يحمل كِلاَ الخاصيتين "الموجية والجُسَيميّة" فأثبتوا أن الضوء موجي الطبيعة وجسيمي الطبيعة وله خصائص الطبيعتين، وبذلك اكتشفت حقيقة الضوء، والذى بدأ هذا الاكتشاف العقل المفكر والساحر لنيوتن وما قام به العلماء بعد ذلك سواء "هوغنس" أو آخرون استند على عمله ونظريته الأولى فى الضوء.
ويرتبط اسم نيوتن بالثورة العلمية، فهو أول من برهن على أن الحركة الأرضية وحركة الأجرام السماوية محكومة بقوانين الطبيعية، وهو من وضع القوانين الأساسية فى الميكانيكا متمثلة فى ثلاثة قوانين والتى تعد أساسَ الميكانيكا الكلاسيكية، وهو من اكتشف مع "لايبنتز" وطوَّرا حساب التكامل والتفاضل فى الكميات متناهية الصغر"infinitesimal"، وهو من وضع قوانين الحركة الكونية الثلاثة والتي لم يُعدّلها أحد من بعده لمدة تزيد عن مائتي سنة.
ولقد اهتم نيوتن بالنواحي أو الظواهر الخفية من العالم، ففى كتاب "Hypothesis of Light" والذى نشر عام 1675 افترض نيوتن وجود الأثير الذى ينقل القوى بين الجسيمات، واستبدل كلمة الأثير بعد ذلك "بالقوى الخفية" معتمداً على أفكار سحر الكيمياء القديمة الخاصة بالتجاذب والتنافر بين الجسيمات، هذه الفكرة السحرية والقائمة على نظرية العمل عن بعد عبر فراغ "Action at a distance"هي التي كان لها من الأثر عليه في تطوير نظريته الخاصة بالجاذبية. ولقد قال عنه "جون ماينارد كينز" ناقداً "نيوتن" في اهتمامه بعلم الكيمياء القديمة: إن "نيوتن" لم يكن الأول في عصر العقل فقد كان آخر السحرة".
وأظن أن السحر هو أن تأتى بشيء خارق للطبيعة بحيث لا يوجد من قوانين أو نظريات أو آليات معروفة تحكمه، لكن سحر عقل نيوتن فسر الكثير من الظواهر والتى عجز العلم عن تفسيرها لسنين طويلة؛ لذلك يعتبر نيوتن من أعظم هذه العقول على مدار تاريخ البشرية، فلقد قام بشرح هذه الظواهر المبهمة ووضع لها النظريات والقوانين العلمية، بحيث أصبح العلم قادرًا على تفسير هذه الظواهر ووضعها فى قوالب مفهومة وجليّة، والتى كانت من قبل دون تفسير ولا تستند على نظرياتٍ أو قوانين.. فليت كل عقل يفكر فى سحر هذا العالم الكبير ويكتشف لنا المزيد من الأسرار كما فعل عقل نيوتن الساحر.
أماني سعد - كاتبة فى فنون إدارة الحياة
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة أمانى سعد، لا يمكن نسخ أو نشر هذا المقال فى مواقع أخرى إلا بإذن كتابي من الكاتبة، وغير ذلك يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، والتعويض عن الأضرار.
مراجعة لغوية أستاذ: محمد السخاوي
مراجعة علمية دكتور: محمد بدوي
الكاتب: أماني سعد AmanySaad.com
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
رائعة المقالة بصراحة ممتازة، تسلم ايديكي وفكرك.
المقال ممتاز وطريق الاسلوب سهله