مقالات فى فنون إدارة الحياةمقالات الوعى › افتح قلبَك لحُبِّ اللهِ تعالَى (1)

افتح قلبَك لحُبِّ اللهِ تعالَى (1)

افتح قلبَك لحُبِّ اللهِ تعالَى (1) بقلم: أماني سعد

نعم.. افتح قلبك لحب الله تعالى؛ فلقد حان الوقت الآن لتعرفَ معنى الحب، لتتذوق حَلاوةَ الحُبّ ، لتتنعم بهذا الدفءِ والإحساس الراقى بالود، فالله ودود معك، وأنت من اليوم لابد أن تقابل هذا الود بخطوةٍ نحو التواصل الجيد مع الله تعالى .

    أليس هو سبحانه من سقاك وأطعمك؟!، أليس هو سبحانه من وقف بجوارك عندما تخلَّى عنك الصديقُ والحبيب؟! ، أليس هو سبحانه من وهبك نعمة الرؤية والتحدُّث والعقل؟! ، أليس هو من أغناك وآواك وهداك إلى صراطه المستقيم!؟.


يقول تعالى فى كتابه الكريم سورة الضحى:

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)

صدق الله العظيم.

    إنه جل جلاله ما قصد خلقك إلا ليُحسنَ لك ؛ ويُنعم عليك، ويعطيك، ويرزقك، ويكرمك، ويقوم بأمرك، ويرفعك، ويفتح عليك أبواب البركة والخير الوفير.. وما حرمَك فى الدنيا من شيءٍ إلا ليعطيك خيرًا منه في الدنيا أو في الآخرة، وما شد على يدك إلا ليُريك طريق الحق والهدايه لتتبعه، وما ضَيَّق عليك إلا ليفرجها لك أكثر من ذي قبل لتشعر بقيمة ما في يديك.


يقول تعالى فى سورة الشرح:

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) صدق الله العظيم


    يقول العارف بالله ابن القيم رحمه الله:

"مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا منها وماذاقوا أحلى مافيها، فقيل له: وما أحلى مافيها؟، قال حب الله عز وجل"


نعم .. افتح قلبك لحب الله تعالى .. فلقد حان الوقت الآن لتعرف معنى الحب، لتذوق حلاوة الحب.

    وتعال معى نقرأ عن لحظات السُّكـرِ في حب الله لعالمنا الجليل دكتور مصطفى محمود من كتابه عظماء الدنيا وعظماء الآخرة.. فهو يقول: (لا أظننى وحدى الذى عشت تلك اللحظات وباشرتُ ذلك الشعور.. ذلك الإحساس المؤنس قد عاشه كل منا حينما بلغ شاطئ البحر، وألقى بكل همومه خلفه، وطرح الدنيا وراءه، وألقى بنظرة شوق عانقت المياه اللازوردية، وغرقت فى لانهائية الأفق، واستسلمت لتلك المعية المبهمة وذلك الحضور الغيبىّ .. ذلك العناق الجميل مع المُطلَق .. فأنا وحدى ولستُ وحدى .. فمن وراء الزرقة اللازوردية؟! ومن خلف همهمة الموج؟! ومن وراء الإطار البديع واللوحة المرسومة بإعجاز؟!.. هناك يدُ الخالق المبدعة لكل هذا.. هناك ذاتُ الرسّام انشقتْ عنها الحُجُب، واستشفها الوجدان، واستشرفتها البصيرة.

    فكأنما يدور الخطاب بين ذات الرب وذات العبد .. وكأنما يقول لى ربى: ليس بينى وبينك بين.. ليس بينى وبينك أنت ...هذا أنا وأينما توليتَ فليس ثمة إلا وجهى، كل شيءٍ لي، فكيف تنازعني ما لي، كل شيءٍ لي وأنا لا شريكَ لي.

    حتى "الأنا" لي وأنت تدعيها لنفسك.. وهى لك نفحةٌ مني أعطيها متى أشاء واستردُها متى أشاء.

    ويستطرد فيقول عن لحظات السُّكـرِ في القرب من الله تعالى: (هى لحظة فريدةٌ من لحظات التجرُّد الكامل يشعر بها أصحابُ القلوب في مجابهة الجمال.. لحظة من لحظات التبري والتخلي عن كل الدعاوى والمآرب والأوطار.. والخضوع لصولةِ الجمال والجلال(.


    كان هذا وصف دكتور مصطفى محمود للحظات القرب من الله تعالى، لعل المدبِرين عن الاتصال والقرب منه سبحانه يعلمون ما ينقصُهم وما يفتقدونه من التمتُّع بأسمى درجاتِ الحب وتذوق حلاوته.

    أوحى الله تعالى لداود: يا داود لو يعلم المدبرون عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابوا شوقاً إليَّ.. يا داود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف محبتي في المقبلين عليَّ؟!.


عزيزى القارئ: ألم يمتلئ قلبُك بعدُ بحبِّ اللهِ تعالى والرغبةِ في ودِّه ووصالِه؟!


    فانظر إلى بداية نشأتك منذ كنت جنينًا في بطن أمك.. من أنبتك وسوَّاك من العدم، وزودك بغذائك وتنفسك وأنت فى رحم أمك؟ من صنع أجهزتك الحيوية وأعضائك؟ من عدَّل وضعك وهيَّأ الجسم لإخراجك؟!

وحين كنتَ وليدًا وظهرتَ للوجود  ..مَنْ أخرجَك للنور؟ ومن قام بأمرك؟ من علَّم أمك إرضاعك وهداك لصدرها لتتغذى؟ من منحك صوتاً ووعيًا لتصرخ وأنت رضيع حتى يعلم أبواك أنك تتألم من شيء أو تطلب شيئًا؟ من أعطاك حواسك الخمس؟ وكان رفيقًا بك فجعل جسدك كثير المرونة؛ حتى إذا وقعت لم تتأذ، من غرس فى قلب والديك الحُبَّ لك والرفقَ بك؟!.

    وفى مرحلة الطفولة وأنت لا زلت غضاً ضعيفا  ..مَن سخّر لك والدين لتلبية جميع احتياجاتك؟ مَن منحك نعمة التعلم والفهم وطور من قدراتك ومهاراتك؟ ومن أنمَى جسدكَ كلما تقدم سنُّك بشكلٍ منظمٍ ودقيق؟!.

    وحين بلغتَ الشباب  ..مَن طوَّر عقلك فأصبح يدرك ويحلل ويستنبط ويربط بين الأمور؟ ومَن هدى والديك لتربيتك وتعليمك؟ ومَن سَنَّ القواعد وبين لك الحلال والحرام ليحفظ لك حيويتك وشبابك ويحميك من الموبقات والزلات وإهدار طاقتك وصحتك النفسية والجسدية فيما لا يفيد؟.

    وبالرغم من رعونة الشباب واجترارك الكثير من الذنوب، مَن منحك الفرصة لمضاعفة حسناتك فجعل الحسنة التى تعملها بعشرة أمثالها ويزيد؟ وجعل السيئة بمثلها ويعفو ويتوب عليك؟!.

    وعند الأربعين  ..رفضَ أيضًا أن يتركك تبتعد عن رحمته؛ فأمرك بالدعاء لنفسك ليحقق لك كل ما ترغب فيه وتسعى إليه، وكان لك ذنوبٌ كثيرة فى شبابك فابتلاك بالمحن ليطهرك ويرفعك ويزكيك، وذهبتَ إليه لتسأله حاجتك، وظننتَ أنك بعيدًا عنه لذنوبك؛ فنزل إليك بجلاله وعزته وقدرته فى السماء الأولى كل ليلة ليسمعك ويلبى نداءك، ويغفر لك ويعفو عنك ويجيب دعائك.. ويقول لك: عبدى إنى قريب.. فأطلب ما تشاء.


    وفى الشيخوخة  ..مَن بعث لك الكثير من الرسائل ليعلمك بأن النهاية أقتربت، ويجب أن تدرك ما فاتك قبل فوات الأوان؟! .. فأشاب شعرك وأرخى جلدك وأضعف جسدك وأحنى ظهرك - أنْ انتبه - فأنت تدنو من النهاية، وأنا أريدك أن تفعل شيئًا أىَّ شيء لأرحمك؛ وأنت تقول كيف يرحمنى بعد كل ما أذنبتُ فى حياتى الماضية؛ فيلطُف بك أيضًا وهو "اللطيف" ويقول لك ولكل من أسرف فى الدنيا فى القرآن الكريم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) "سورة الزمر – الآية 53" ، وهى من أكثر الآيات فرحًا فى القرآن، فهى بشارة لكل المذنبين بالمغفرة والرحمة.

    فماذا تفعل بعد كل هذا؟! أليس هذا وقت التواصل مع خالقك والاعتراف بفضله وطلب وده؟!

ألم تحبه حتى الآن - سبحانه - وترغب فى أنْ تقترب أكثر منه وتتواصل جيدًا معه؟!


    يقول تعالى في الحديث القدسيّ: "عبدي أخرجتُك من العدم إلى الوجود وجعلتُ لك السمع والبصر والعقل .. عبدي أسترك ولا تخشاني، أذكرك وأنت تنساني، أستحي منك وأنت لا تستحي مني، مَن أعظم مني جودًا؟ ومَن ذا الذي يقرع بابي فلم أفتح له؟ ومَن ذا الذي يسألني ولم أعطه؟ أبخيلٌ أنا فيبخلُ عليَّ عبدي؟


    جملة ترددتْ في عقلي :

أبخيلٌ أنا فيبخلُ عليَّ عبدي؟.. أبخيلٌ أنا فيبخلُ عليَّ عبدي؟ 

أبخلَ اللهُ تعالى عليك يومًا بنعمهِ؟.. لتبخل عليه بودّك له واتصالك الجيد معه؟!

   إن تواصُلَك الجيد مع الله تعالى هو مفتاح سعادتك وفلاحك في الدنيا والآخرة، وبدون هذا التواصل تُحرَم الخير.. الكثير من الخير والنجاح فى حياتك.. وما تكليفه لك - سبحانه وتعالى - بالعبادة إلا لتستقيم أمورك، وما تكليفه لك بالذكر والدعاء إلا لييسر لك كل شئونَك ويعطيك ويحسن إليك.     

   فكل ما أعطاك من تكاليف هي في الحقيقة لصالحك ولخيرك، فأنت لست ببالغ نفعَ الله تعالى فتنفعه، ولست ببالغ ضره فتضره، بل أنت المحتاج لربك الذى لا تستطيع الاستغناء عنه، وهو الغنى عنك كل الغنى.. فلماذا تحرم نفسك روعةَ و متعة التواصل مع خالقك العظيم؟!.


يقول الله عز وجل في سورة فاطرالآية 15:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

صدق الله العظيم

    ويقول العارف بالله ابن القيم رحمه الله: " في القلب شغفٌ لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفي القلب وحشة لا يُزيلُها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوفٌ وقلقٌ لا يُذهبُه إلا الفرار إلى الله"


    لذا فروا إلى ربكم.. وأنـَسوا بقربهِ.. وأقبلوا على حبه.. فوالله لا حُبَّ إلا حبه تعالى .. ولا أُنسَ إلا بلقائه سبحانه .. ولا راحة إلى في معيته وحفظه.


يقول الشاعر إبراهيم بريول - رحمه الله:- 

رباه هأنذا خلصتُ مـن الهـوى واستقبـل القلـبُ الخلـيُّ هواكـا 
وتركتُ أُنسـي بالحيـاة ولهوهـا ولقيتُ كلَّ الأُنـس فـي نجواكـا 
ونسيتُ حُبـّي واعتزلـتُ أحبتـي ونسيتُ نفسي خـوفَ أن أنساكـا 
أنا كنـتُ ياربـي أسيـرُ غشـاوة رانتْ على قلبـي فضَـلَّ سناكـا 
واليومَ ياربـي مسحـتُ غِشاوتـي وبـدأتُ بالقلـب البصيـرِ أراكـا 
يا غافـرَ الذنـبِ العظيـمِ وقابـلاً للتـوب قـلـبٌ تائـبٌ ناجـاكـا 
يارب جئتُـك ثاويًـا أبكـي علـى مـا قدمتْـه يـداي لا أتبـاكـى 
أخشى مِن العرضِ الرهيب عليك ياربـي وأخشـى منـك إذ ألقاكـا 
يارب عـدتُ إلـى رحابـك تائبًـا مستسلمـًا مستمسـكًـا بعُـراكـا 
مالي ومـا للأغنيـاءِ وأنـتَ يـاربـي الغنـي ولا يُحَـدُّ غنـاكـا 
مالي ومـا للأقويـاءِ وأنـتَ يـاربي عظيـمُ الشـأن مـا أقواكـا 
إني أويتُ لكلِّ مأوى فـي الحيـاة فمـا رأيـت أعـزَّ مِـن مأواكـا 
وتلمستْ نفسي السبيلَ إلى النجـاةِ فلم تجـد مَنجَـى سـوى مَنجاكـا 
وبحثتُ عن سرِّ السعـادةِ جاهـدًا فوجدتُ هـذا السـرَّ فـي تقواكـا 
فليرضَ عني الناسُ أو فليسخطوا أنا لم أعُد أسعـى لغيـرِ رضاكـا 
أدعـوك ياربـي لتغفـر حوبتـي وتُعينُـنـي  وتمـدنـي  بـهـداكـا 
فاقبلْ دعائي واستجـبْ لرجاوتـي ما خابَ يومًا من دعـا ورجاكا

أماني سعد - كاتبة فى فنون إدارة الحياة

AmanySaad.com

جميع الحقوق محفوظة للكاتبة أمانى سعد، لا يمكن نسخ أو نشر هذا المقال فى مواقع أخرى إلا بإذن كتابي من الكاتبة، وغير ذلك يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، والتعويض عن الأضرار.

مراجعة لغوية أستاذ: محمد السخاوي

الكاتب: أماني سعد AmanySaad.com

د. أماني سعد كاتبة ومؤلفة مصرية، من أوائل الكتاب فى مجال التنمية الذاتية وفن إدرة الحياة، ولها بصمات مميزة من المقالات القيمة والتى نشرت فى العديد من الصحف والمجلات العريقة فى مصر؛ وعلى الشبكات الإخبارية على الإنترنت . لما يزيد عن خمسة عشر عاماً. وكانت أول من قدمت خدماتها الإستشارية للمئات من المهتمين بالتنمية الشخصية. ومنذ عام 2005 وهي تقدم مجهودات كبيرة من خلال الإطلاع والبحث فى مجال التنمية الذاتية وفن إدارة الحياة وقوة العقل الباطن لنشر مقالات وكتب ذات تأثير كبير؛ بهدف حث الأشخاص على تحقيق النجاحات فى كافة مناحي الحياة؛ دون الإخلال بمبادئهم فى الحياة. وهي صاحبة مبادرة العيش بالوعي والأمل.
التعليقات على افتح قلبَك لحُبِّ اللهِ تعالَى (1) (1)

ابو ريانTuesday, March 19, 2013

كلام رائع وجميل ولكي التوفيق والسداد

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
70268

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري