الإساءة - الجزء الأول

الإساءة بقلم: أماني سعد 

الإساءة مناقشة لاستخـراج "الوعى" الذى ينقلنـا

من "الإساءة" إلى "الرفق"

    كثيرون منا مروا فى حياتهم بنوعٍ واحد على الأقل من أنواع الإساءة، فمنا من عانى التجاهل واللامبالاة، ومنا من عانى الازدراء أو الاحتقار لكلامه أو لشخصه أو لآرائه، ومنَّا من عانى أيضًا من الضرب والاعتداء الجسدى، ومنا من عانى الحبس والطرد من المنزل، ومنا من عانى الظلم والقهر، ومنا من عانى قسوة الصمت.


    والإساءة هى كل ما يقوم به شخص باستخدام قوته الجسدية أو المعنوية بالاعتداء به على الآخر بشكل متعمد وغير مشروع، وذلك من خلال الإتيان بفعلٍ أو حركة أو كلمة أو همسة أو إشارة أو صمت، من شأنها أن تُحدث أو تَتسبب فى أذى نفسى أو معنوى أو جسدى أو مادى للطرف الموجه له، وذلك بغرض فرض السلطة أو الهمينة عليه والتحكم فيه ونزع إرادته.


    والإساءة منتشرة فى جميع طبقات المجتمع على إختلاف أعمارهم ودخولهم وثقافتهم، بخلاف ما يظن البعض من أنها منتشرة فقط فى الطبقات الدنيا من المجتمع ولدى ذوي الدخل المتوسط أو المنخفض، فليست المكانة الاجتماعية أو مقدار الضغوط التى يعانى منها الإنسان هى ما تجعله مسيئًا من عدمه، لكنها للأسف الحاجة الداخلية للسلطة؛ والاعتقاد الخاطئ والمريض بأحقيته في السيطرة على شخص آخر قد لا يستطيع حماية نفسه لسبب أو لآخر.

والإساءة هى فعلٌ لابد له من فاعل ومفعول به:

فالفعل هو "الإساءة أو الاعتداء"

والفاعل هو "المسيء أو المعتدى"

والمفعول به هو " المعتدَى عليه أو الضحية"

فإذا انتهى الفاعل عما يفعل غابت الإساءة عن مجتمعاتنا، وإذا رفض المفعول به قبول الإساءة غابت أيضًا الإساءة عنا، فلم يعد هناك مجالٌ للاعتداء فى مجتمعاتنا.

ولماذا يكون فى مجتمعنا ضحايا؟! .. ولماذا لا نوقف المسيئين والمعتدين؟!

 

يقول تعالى فى "سورة البقرة الآية 205":

(وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)

صدق الله العظيم

    جَرِّبْ أن تستمع إلى هذه الكلمات بقلبك "الله لا يحب المعتدين"، الله (القادر المقتدر) لا يحب المعتدين" ... فهل تريد بعدما أصغيت لهذه الآية بقلبك أن تكون من المعتدين ممّن يكرههم الله تعالى؟!. وما الذى تظن أنك تجنيه من فوائد واهية ووهمية تضاهى كراهية الله تعالى لك؟! وهل تحتمل أن يغضبَ عليك ربُّك؟!


ولكن كيف نعرف أننا نتعرض للإساءة؟

    نعرف ذلك إذا كنا فى موقف معين أو خلال علاقة معينة ووجدنا أنفسنا نفقد الاختيار، فلا يكون لنا حق الاعتراض أو التعبير عن الرأى، كما نشعر أننا محاصرون ولا يمكننا الهروب مما فُرض علينا فرضًا دون إرادةٍ منا، والأمثلة كثير نعرضُ منها التالى:

- أن نبدو سعداء ونبتسم للجميع دون أن نكون كذلك لضغطٍ ما علينا.

- أن نتصرف تصرفات معينة وفقًا لتوجيهات شخصٍ آخر مقيِّدةٍ لنا ولحريتنا.

- أن تؤخذ أموالنا دون إذن أو موافقة منا وعلينا أن نكون راضين بذلك.

- أن نقول كلامًا معينًا وفقًا لرغبة أحدٍ ما، ونحن رافضين له بداخلنا وغير مقتنعين به.

- أن نُعطى لطرفٍ آخر اهتمامًا كبيرًا ونحن كارهين له.

- أن نستمع لإهانة موجهة إلينا دون أن نملك حق الرد أو الاعتراض.

- أن يتم استغلالنا بالعمل الكثير واستنزاف طاقاتنا من دون مردودٍ مكافئ لعملنا.

- أن نكون فى مكان ما مفروضٍ علينا ولا نستطيع مغادرته بإرادتنا.

    وفى مجتمعاتنا الشرقية تمارَس الإساءة بشكلٍ عادىّ جدًا؛ وكأنها مهامٌ يومية من مهام الحياة! فلابد من الإساءةِ لنسيطر على مَن حولنا ونجعلهم أتباعًا لنا دون اعتراض، ولابد من الإساءة لنُخفى نواقصنا ونقاط ضعفِنا، ولابد من الإساءة لنثبت رجولتَنا الزائفة ونفرض مصداقيتَنا الواهية، ولا بد من الإساءة لنحصل على أموالِ مَن نسيءُ إليهم بدون وجهِ حق، ولابد من الإساءة إذ أنها من مقتضيات التربية الفاشلة، ولا بد من الإساءةِ تماشيًا مع العادات والتقاليد البالية والجاهلة، ولابد من الإساءة لأننا لم نعد نجد مكانًا للرحمة في قلوبنا .. لذا علينا أن نكون مسيئين لأقصى درجة .. حتى نشعر بالرضا الوهمىّ عن أنفسنا ونطفئ للأبد نورَ عقولنا التى تعقل الصوابَ من الخطأ، وتعقلُ الحَسَن من السيِّئ، وتعقل الحقَ من الباطل.

    لذا أطفئوا أنوار عقولكم .. إذا كنتم فى غير حاجة بعد اليوم للعقول المستنيرة .. وتناسوا دفءَ قلوبكم وإنسانيتكم إذا كنتم ترَون أنه لا حاجة بكم لهذا الدفء وهذه الرحمة والسماحة، أطفئوا جذوة النور والرحمة، أطفئوها وأسيئوا ما استطعتم .. فهذا أسلوبكم إذا كنتم عاصين لربكم؛ ناكرين لنِعَمِه عليكم كافرين بها.

يقول تعالى في (سورة البقرة - آية 152):

"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ"

صدق الله العظيم

    يتودد لكم ربكم بنعمه الكثيرة عليكم من (زوجة طيبة وذرية صالحة ووالدين طيبين)، وأنتم تعصونه بنكران نِعمه عليكم والكفر بها؛ فترى أزواجًا لا يراعون الله فى زوجاتِهم وذلك بالإساءة لهن بالتجريح والإيذاء الجسدي أوالمعنوي، ونسوا أو تناسوا وصية رسولنا الكريم "استوصوا بالنساءِ خيرًا" وهو صلى الله عليه وسلم أيضًا من قال: (خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي) يقصد "زوجاتِه" رضيَ الله عنهن وأرضاهن.

    كذلك البعض من الآباء نسوا تقوى الله تعالى وطالت الإساءة أطفالهم فلذات أكبادهم! ويقولون "تربية"، وأين التربية وهم ينتجون للمجتمع شبابًا خائفًا لا يستطيع أن يُقدِم على أى شيء لضعف ثقتِه في نفسه وفى إمكانياته وقدراته؟! ولم يتقوا الله فى أولادهم؛ فكسروهم "بالإساءة"، ولم يدركوا أن التربية الناجحة تعنى أن تشجع ولدك وتدعمُه وتحفزه لإستغلال كافة قدراته وإمكانياته، لا أن تصيبَه بضعفِ تقدير الذات وتُشعره بأنه فاشل لا يفقه شيئًا فى الحياة.


    وأقول لهؤلاء: توقفوا عما تفعلون. توقف أخى، وتوقفى أختى عن ممارسة نفس الظلم الذى وقع عليكم وأنتم صغار، ولا تجعلوا أولادكم يتعذبون في رعايتكم، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته "وستُسألون".

    فإذا كنتَ عزيزي القارئ من هؤلاء المسئيين، فأرجو أن تقرأ آثارَ الإساءة لتعلم عِظَم ما تفعله الإساءة من أذيَّة تجاه من تدَّعى حبَّهم كما أشارت لها الدراسات النفسية والاجتماعية كي تتجنبها تمامًا.

آثارُ الإساءة على المعتدَى عليه أو الضحية:

    – تتسبب الإساءة في نشأة العقد النفسية والاكتئاب لدى الضحية، والتى بدورها تكون سببًا لإصابة الجسم فيما بعد بالعديد من الأمراض، وشعور النفس بضعفِ القيمة واليأس، وفقد الرغبة في الاندماج مع الحياة أو الحياة نفسها، واستعجال الرحيل عنها.

    لذا.. أيُّها المعتدى، توقفْ من اليوم عن الإساءة، حتى لا يمرض من تحب ويرحل عنك - فتندم- يوم لا ينفعُ الندم.

- زيادة احتمال ممارسة الضحية الإساءة لغيره كما مورس في حقه الإساءة من قبل وانتهاجه لهذا النهج المدمر لذاته ولمجتمعه.

    فتضر ليس فقط من أحببت، ولكن تضر مجتمعك كله بإساءتك تلك، وتذكَّر أنه من سَنَّ فى الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فله وزرُها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين.

- قد يمارس الضحية دورًا انتقاميًّا تجاه أسرته ومجتمعه ردًا للاعتداء الذى وقع عليه؛ فيشيع مشاعر الألم والبغضاء والكراهية بين كل من حوله فتفسد الأسر وينهدم أساس المجتمع.

- فقدان احترام الذات، وضعف الثقة بالنفس للممارس ضده الإساءة، فنبنى مجتمعًا من الفاشلين والضحايا، والذين يرَون أنفسهم غير ذى جدوى أو أهمية، ويالَعظمةِ الإثم الذى نقف به أمام الله تعالى!! إننا نقتل النفس التى حرَّم الله قتلَها إلا بالحق، وهل هناك قتلٌ أشد من قتل النفس وفقد القيمة وازدراء الذات؟!

- الإصابة بالصدمات العقلية، فالضحية قد لا تستوعب كَمَّ الإساءة التى تعانى منه على يد أقرب الناس إليها؛ فتصابُ بالصدمة لعدم التصديق بما يحدث لها على يد من يدَّعون محبتها ورعايتها والإهتمام بأمرها، وعادة الصدمات العقلية تحتاج لسنين فى علاجها؛ وقد يعجز الأطباء عن علاج الصدمات العقلية إذا كانت الصدمة شديدة وعميقة الأثر على نفس المُعتدَى عليه، فيضيع أقرب الناس إليك فى عالم مظلم لا مخرج منه نتيجة إسائتك له.

- قد يلجأ المعتدَى عليه للهروب وترك المنزل للتخلص من المُسيء، فيكون مصيره الوقوع فى براثن المخدرات والجرائم وتضيع حياته ومستقبله.. ويضيع أكثر الناس قربًا منك.

- وفى حالةٍ من اليأس وذهاب الأمل قد يلجأ الضحية للانتحار للتخلص من ألمه ومعاناته، ومن عدم قدرته على التكيف مع الإساءة طوال الوقت .. فهل هذا ما تريد يا من أتخذت الإساءة عادة في معاملتك لمن تحب؟! اتقِ الله فيمن تحب.

أيُّها الأزواج توقفوا عن الإساءة .. هذه آثار ما تفعلوه بقلوبكم ورفقاء عمركم.

أيُّها الأبناء توقفوا عن الإساءة .. هذه آثار معاملتكم الخاطئة لوالديكم

أيُّها الرجال توقفوا عن الإساءة .. هذه آثار قوتكم الزائفة فى ضعف جسد المجتمع

أيُّها المعلمون توقفوا عن الإساءة .. هذه آثار ما تفرزوه من أجيالٍ للمجتمع

توقفوا جميعًا عن "الإساءة" .. توقفوا اليوم

قال الحسن رحمه الله:

"إن المؤمن جمع إحسانًا وخشيةً والمنافـق جمـع إسـاءةً وأمـنًا"


أماني سعد - كاتبة فى فنون إدارة الحياة

www.dramany.net

جميع الحقوق محفوظة للكاتبة أمانى سعد، لا يمكن نسخ أو نشر هذا المقال فى مواقع أخرى إلا بإذن كتابي من الكاتبة، وغير ذلك يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، والتعويض عن الأضرار.

مراجعة لغوية أستاذ: محمد السخاوي

الكاتب: أماني سعد AmanySaad.com

د. أماني سعد كاتبة ومؤلفة مصرية، من أوائل الكتاب فى مجال التنمية الذاتية وفن إدرة الحياة، ولها بصمات مميزة من المقالات القيمة والتى نشرت فى العديد من الصحف والمجلات العريقة فى مصر؛ وعلى الشبكات الإخبارية على الإنترنت . لما يزيد عن خمسة عشر عاماً. وكانت أول من قدمت خدماتها الإستشارية للمئات من المهتمين بالتنمية الشخصية. ومنذ عام 2005 وهي تقدم مجهودات كبيرة من خلال الإطلاع والبحث فى مجال التنمية الذاتية وفن إدارة الحياة وقوة العقل الباطن لنشر مقالات وكتب ذات تأثير كبير؛ بهدف حث الأشخاص على تحقيق النجاحات فى كافة مناحي الحياة؛ دون الإخلال بمبادئهم فى الحياة. وهي صاحبة مبادرة العيش بالوعي والأمل.
التعليقات على الإساءة - الجزء الأول (2)

محمدMonday, February 25, 2013

نعم ..

توقفوا جميعاً عن " الإساءة " .. توقفوا اليوم.

saraSaturday, June 23, 2012

لان انا البنت الوحيدة و عندى أخين تعرضت لمعاملة قاسية فى صغرى من امى واخويا الاكبر منى بسنة و اصبحت انسانة منطوية لكن ان شاء الله اقدر اغير حياتى ,وشكرا لكى يا دكتورة أمانى ............................... رد أماني محمد: أختي الفاضلة سارة هناك دعاء يمنع بإذن الله أى أحد من التعرض أو الإساءة لكِ بأى شكل كان وهو: "اللهم أكفينهم بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير" "واللهم لا مساس" قوليها عند إحساسك أنكِ ستتعرضين لأى إساءة وسوف تلاحظين أن المسئ تراجع عن الإساءة بل عاملك بشكل جيد كذلك. أعجبت جداً بثقتك وإيمانك بنفسك ويكفيكِ ذلك لتنجحي في حياتك بإذن الله. تمنياتي لكِ بحياة تفوق توقعاتك وبفضل وكرم من الله تعالى يكلل مشوارك بكل فلاح. خالص تحياتي

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
10318

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري