الخجل .. كل ما تريد معرفته عن الخجل. (الجزء الأول) إعداد: أماني سعد
تشعر بألم بداخلك؟!.. هذا الألم لازمك لسنين طويلة ولا تستطيع الفكاك منه، وتتساءل داخليًّا في نفسك بإلحاحٍ شديد "لماذا أنا خجول؟!" لماذا أنا؟!، إنني لا أستطيع فعل شيء - أى شيء - دون أن أحسب له ألف حساب وأدرس تأثيره على نفسي وعلى من حولي..
- لا أستطيع حضور المناسبات الاجتماعية أو الحفلات.
- لا أستطيع الانضمام لأي حوار أُسري أو مهني.
- لا أستطيع القيام بنشاطات مع أصدقائي وأعتذر مرارًا وتكرارًا.
- أهرب من كل المواقف مهما كانت بسيطة – فقط- لأنها تحتاج مني تجاوبًا عاديًّا.
- أشعر كذلك أن كل ما أقوله للناس غير مقنع وغبي.
- أريد بشدة أن أكون غير مرئي!.
إن الحياة أصبحت بالنسبة لي تعذيب مستمر "فلماذا أنا خجول؟" - لماذا أنا؟!-.
تقول الدراسات إن بعض الأشخاص يولدون مع مزاج يميل إلى الخجل، وإن نسبة هؤلاء لا تتعدي ما بين 15– 20 % فقط من الأشخاص الخجولين، أما باقي الخجولين فإنهم ضحية الوحدة النفسية وأساليب المعاملة الوالدية إذ أنهم في بداية تنشئتهم في الطفولة وخاصة في السنين الأولى من العمر، والتي تتشكل شخصية الطفل فيها يُحاطون ببيئة أسرية غير مستقرة وغير مريحة لنموهم النفسي السوي، هذه البيئة قد تكون تمتاز بالشدة في المعاملة مع الطفل أو أيضاً بالتدليل الزائد والذي يربي الطفل علي الاعتمادية وعدم تحمل مسئولية نفسه، لذا فلا داعي لأن نستغرب مصاحبة الخجل لسلوك الطفل طوال سنين حياته وحتى يكبر، فما بني على أساس غير سليم كان دعائم قوية لسلوك الخجل؛ إذ أنه شكَّل لدي الطفل عادةً مستمرة مع الأيام.
فما هي أسباب الخجل من وجهة نظر الأشخاص الخجولين "على من يلقون باللوم؟".
أشارت الدراسات إلي أنه عند استعراض إجابات الأشخاص الخجولين عن أسباب خجلهم وجد أن:
- نسبة ضئيلة من الخجولين فقط يعتقدون أن خجلهم كان وراثياً ولا حيلة لهم في ذلك، أو أنهم تعلموا خجلهم من الوالدين حيث أن سلوك والديهم "الأم أو الأب أو الأثنين معًا" كان يتصف بالخجل أيضًا.
- حوالي نصف الخجولين تقريبًا يعتقدون أن خجلهم له علاقة بعوامل مرتبطة بالأسرة كالافتقار إلى المساندة والدعم الأسري أو المبالغة في الدعم والحماية، وغياب الوالدين بشكل مستمر، وكثرة تغيير مكان السكن وتفضيل الإخوة بعضهم عن بعض، أو عدم تلقينهم المهارات الاجتماعية اللازمة للتكيف مع مجتمعهم بنجاح.
- بينما يعتقد حوالي ثلث الخجولين أن خجلهم نتيجة بيئتهم غير المستقرة، والضغوط الحياتية والتي سببت لهم العديد من المصاعب النفسية كمثال: "التقدير المتدني للذات، والانغماس في مراقبة الذات بشكل مبالغ فيه، والخشية الشديدة من ترك انطباعات سلبية أمام الناس"، كذلك سببت لهم العديد من المصاعب الاجتماعية مثل: "الافتقار إلى المهارات الاجتماعية، والشعور بالنبذ من قِبَل أقرانهم، والتصاق صفة الخجل بهم، وتفضيلهم الوحدة والإنطوائية على الإندماج في المجتمع".
فما هو تعريف الخجل؟
ـ الخجل الشديد ? بحسب رأي خبراء الصحة ? هو أحد أنواع القلق الاجتماعي الذي يُصاب به الأشخاص ذوو الحساسية الشديدة تجاه أنفسهم، إذ يهتمون ويركزون على مدى تأثيرهم على الآخرين، كذلك يهتمون جدًا بنظرة الآخرين لهم، مما يشعرهم بالنقص والارتباك عند حضور الآخرين أو عند التعامل مع الآخرين، وذلك يؤدي لتعرضهم لمشاعر متنوعة تتراوح بين القلق والتوتر البسيط، إلى مشاعر رعب وهلع واضحة يتم تصنيفها في علم النفس ضمن إطار أمراض القلق والتوتر.
ويؤدي الخجل الشديد إلي شعور الفرد بالوحدة والانعزال عن المجتمع، إذ يفقد الشخص الخجول القدرة على التعاون مع الآخرين ويجد صعوبةً شديدة في تفهمهم أو الإلمام بمشاعرهم لتركيزه المبالغ على نفسه الداخلية والاهتمام بمشاعره الخاصة، فيرفض التكيف مع المجتمع وقد تتطور حالته النفسيه للأسوأ مع الأيام ويقع في شراك الاكتئاب.
أى أن الشخص المصاب بالخجل الشديد يعاني من أربعة مشاكل نفسية وهي كالتالي:
- انتباه زائد للذات
- انشغال مفرط بالذات
- تقويم سلبي للذات
- الوحدة النفسية (وذلك لانفصاله عن مجتمعه كأشخاص وموضوعات في إطار مجاله النفسي.
والكثير منا من يخلط بين سلوك الخجل السلبي والخجل الإيجابي "الحياء"، فكيف نفرق بينهما؟
يقول واحد من أشهر خبراء علم النفس ورواد البحث في الخجل البروفيسور "فيليب زيمباردو - Philip Zimbardo" من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية: (إن الخجل الإيجابي هو الخجل الذي يكون مناسبًا للموقف؛ لذا فهو يعتبر ميزة وصفة إيجابية للشخص الذي يسلك هذا السلوك، إذ أنه يعكس لديه قيم الأدب والتهذيب والخلق الكريم؛ إضافة لمواصفات الذوق والكياسة والتواضع واللطف)، وبالتأكيد جميع هذه المواصفات تعتبر إيجابية ومن يتحلى بها يعتبر شخصًا مؤدبًا وخلوقًا، وهذا ما يطلق عليه في ديننا الحنيف اسم "الحياء"، وهو شُعبة من شُعَب الإيمان.
أما الخجل السلبي بحسب رأي البروفيسور "فيليب زيمباردو - Philip Zimbardo":(فهو الخلل الذي يحدث في السلوك الاجتماعي للفرد؛ ذلك لأنه خجل غير مبرر، وله العديد من العواقب النفسية السيئة على الفرد من ضمنها تدهور الصحة النفسية).
وفي عام 1975 نشر البروفيسور "فيليب" دراسة مسحية تناولت عدة كليات أمريكية تبين بواسطتها أن %40 من أصل 800 طالب وطالبة ? تم استبيانهم ? يُعدّون أنفسهم خجولين. كذلك كشفت الدراسة أن الخجولين مشغولون على نحو مبالغ به بأنفسهم، وأنهم يعيشون محاصرين بهمّين، همّ كونهم غير مرئيين من قبل الآخرين وبالتالي لا أهمية لوجودهم، وهمّ كونهم مرئيين ولكن بلا قيمة يعلقها أحد عليهم. وإن معظم الخجل خفي وقلة منه ظاهرة. وقد أطلقت هذه الدراسة سيلاً من البحوث في مجال الخجل ولازالت مستمرة حتي الآن.
ولكن كيف تعرف أنك مصاب بالخجل؟
قبل أن تقرأ معنا أعراض الخجل ? لتعرف هل أنت مصاب بها أم لا ? عليك أن تعلم أولاً أنه ليس هنالك من أعراض دائمة ومستمرة وثابتة لسلوك الخجل، فأعراض الخجل تظهر فقط عند تعرض الشخص الخجول لموقف ضاغط وغير مألوف لديه كمثال:مقابلة الغرباء أو التعرف على أشخاصٍ جُدد، أو إقحام الشخص الخجول في مشروع لا يعلم عنه شيئًا، أو مطالبته بتصرفٍ سريع تجاه موضوع ليس لديه خبرة أو مرجعية فيه، أو مطالبته بالحديث بشكل مفاجئ دون تحضير .. والأمثلة كثير.
فإذا كان لديك أحد هذه الأعراض .. فأعلم أنك مصابٌ بالخجل، وهذه الأعراض تتمثل في الآتي:
1- أعراض جسدية وتشمل:
)رطوبة وعرق زائد في اليدين والكفين – مشاكل وآلام في المعدة - زيادة النبض – دقات قلب قوية - جفاف الفم والحلق – الارتجاف والأرتعاش اللاإرادي - ارتفاع جزئي في درجة الحرارة - احمرار الوجه والأذنين).
-2أعراض سلوكية وتشمل:
(عدم القدرة على النظر في وجه المتحدث والنظر لأى شيءٍ آخر دون محدثه – قلة الكلام والحديث بحضور الغرباء – عدم القدرة على التكلم أو الحديث في المناسبات الاجتماعية والشعور بالضيق والإحراج الشديد عند طلب ذلك منه – عدم القدرة على أداء أية مهام فردية أو اجتماعية مع الآخرين – تجنب لقاء الغرباء والأشخاص غير معروفين له – مشاعر ضيق شديدة عندما يقع عليه الاختيار للبدء بالحديث أو التقديم لأى أمر).
3- أعراض انفعالية داخلية (مشاعر نفسية داخلية) وتشمل :
(الشعور بالنقص والإرتباك – الخوف من المجهول – الشعور بالإحراج والضيق – الوعي الزائد بالنفس والتركيز عليها داخليًّا – فقدان الأمان والسلام الداخلي مع النفس).
ولقد قرأت كثيراً في الخجل، وفي رأيي ومن خلال تحليلي وجدتُ الآتي:
- أن الخجل سلوك دفاعي لإزاحة ضغطٍ نفسي عن الفرد ناتج عن خبرة سابقة وأليمة، ولا يريد تكرارها ثانيةً في حياته كمثال: "الجروح والإساءات التي كان يتعرض لها الفرد في صِغَره والتي جعلته يرى نفسه بشكلٍ سلبي وقبيح، بل ويكره نفسه)، لذا فهو يدافع عن نفسه بكل قوة حتي لا يضطر لمعايشة هذه الصورة السلبية عن نفسه أو المشاعر المؤلمة التي كان يشعر بها في سابق خبراته.
وفي رأيي لتغيير نظرة الفرد السلبية تلك عن نفسه وذاته، عليه فقط تفريغ تلك المشاعر المكبوتة بالاتجاه لله والاستعانة بعونه كما كان يفعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بإلالحاح بهذا الدعاء كلما صادفته الصعوبات النفسية والضغوط: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس)، وأن يستمد قوته من الثقة بقوة الله سبحانه ويستمد عزمه من الاستعانة بإرشاده تعالى له، لذا وكلما أقدمت على أمر قل "اللهم أسألك التوفيق في هذا الأمر، حسبي أنت ونعم الوكيل"، حتي أنك إذا حضرت لقاء اجتماعيًّا قل):اللهم وفقني في هذا اللقاء). وقل كذلك: (اللهم أشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) ولا حول ولا قوة إلا بك، فإذا كان هناك عددٌ من المحقِّرين أو المراقبين المنتقدين في هذا الاجتماع فقل: (اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير)، أو قل: (اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) وسمي هؤلاء الأشخاص بعقلك.
- الشخص الخجول غير فاقد للمهارات الاجتماعية كما يظن أكثرنا، ولكنه شخصٌ خائف من الدخول في اجتماعيات ربما لتجارب قليلة سابقة فاشلة أولمبالغته في المثالية ومحاولته الظهور بأفضل صورة أمام الناس.. وما عليك إلا ملاحظة قصص حياة أكثر المتحدثين البارعين شهرة حول العالم إذ ستعلم من قصصهم أنهم كان يتسمون بالخجل في بداية حياتهم، لذا فهذا ينفي تمامًا فقدان المهارات الاجتماعية لدي الشخص الخجول، فكل ما يريده بدايةً هو (تدريب + تشجيع) على الانخراط في الاجتماعيات؛ وتعليمه ما يجب أن يفعله بشكل مُفصّل، حتي يبتعد عن الارتباك والشعور بنقص المعرفة.
- الوراثة .. هذا الشبح الذي يلاحقنا أينما ذهبنا (فأين المهرب .. هكذا نقول لأنفسنا!) ، فإذا غيرنا الجينات ربما يكون هناك "أملٌ" ربما.. ربما!.
ومن هذا المنطلق الخاطئ نحكم على أنفسنا بأن نعيش الخجل طوال حياتنا وحتي الموت، لذا فقد آثرت أن أنقل لكم نتائج تجارب العلماء العديدة والتي أثبتت صحتها تجريبيًّا، والتي تقول لكم إن (الوراثة) هي شيءٌ قابل لمحو أثره تمامًا من حياتنا، فأنت تستطيع أن تأمر جسدك بما تريد وسوف يتحقق لك في الحال بمجرد تركيزك على تنفيذه، فوجد العلماء أنك تستطيع خفض ضغط دمك بأمر ذهني كذلك تستطيع أن تقلل من ضربات قلبك، كما تستطيع ضبط السكر في دمك، وأثبتت هذه التجارب نجاحًا كبيرًا على الكبار وحتى على الأطفال؛ لذا فأنت تستطيع ? إذا أردت ? اتخاذ قرار بإنهاء سلوك الخجل من حياتك تمامًا والبدء في التمتع بالحياة من جديد، وكل ما يلزمك هو تغيير معتقداتك الخاطئة عن الوراثة؛ لتشرع في بناء حياتك من جديد وفقًا لمعتقدٍ سليم بأنك تستطيع تغيير ما تريد في حياتك إذا اتجهتْ إرادتُك لذلك.
إذا كنت عزيزي القارئ قد تعرفتَ على الخجل من خلال الجزء الأول من هذا المقال وعلمت ما هو الخجل وما هي أسبابه وأعراضه وما إذا كنت من الخجولين أم لا! ، فتعال معنا في الجزء الثاني من المقال لنخبرك كيف تتخلص من هذا السلوك، وما هي التقنيات التي ستتبعها والتي ستساعدك لتطوي صفحة الخجل من حياتك الآن وإلي الأبد بإذن الله تعالى.
تابعونا
وللحديث بقية
أماني سعد - كاتبة فى فنون إدارة الحياة
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة أمانى سعد، لا يمكن نسخ أو نشر هذا المقال فى مواقع أخرى إلا بإذن كتابي من الكاتبة، وغير ذلك يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، والتعويض عن الأضرار.
مراجعة لغوية أستاذ: محمد السخاوي
الكاتب: amanysaad.com
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
جميل جدا جزاك الله خير وجعله الله في ميزان حسناتك.. .................. رد: شكراً لتعليقك ودعائك الجميل كذلك، رفع الله قدرك.
مقال مفصل ودقيق , يمكن أن نقول أنه شامل , ومجهود رائع مقدم منك يا دكتورة . الجزء الثاني حل المشكلة هو لب الموضوع شكرااااا