المتطرفون .. لماذا ضلوا؟! الجزء الأول
التطرُّف هو مجاوزةُ حدَّ الاعتدال والوسطية، والتشدد والتصلُّب في الرأى والتمرُّد على الثوابت الشرعية والاجتماعية من خلال التعصب لدينٍ أو مذهبٍ أو جماعةٍ أو فكرةٍ أو حزب .. وقد انتشرتْ ظاهرةُ التطرُّف في العالم كله، وصار الأمر خارجًا عن السيطرة ومخيفًا، لم يترك قارةً إلا وأشعل نيران الفِتَن والحروب الأهلية فيها، فلم يسلم منهم قريبٌ أو بعيد على خارطة العالم. كما تراجعت فكرة المواطنة التى تقوم على "التعايش رغم الاختلاف" وهجمت النعرات الطائفية والأيديولجية على كل مكان محدثة بذلك خلخلة في المجتمعات أدت بدورها إلى التطرف العنيف أو"الأرهاب".
الجهل بالعقيدة الصحيحة
بعدت الرسالة المحمدية فكان لابد من تكثيف الجهد لتعليم المسلمين دينهم، إلا أنه وللآسف ما حدث أننا أهملنا ولزمن طويل تعلم وتعليم العقيدة الصحيحة، فلا عادت مدارسنا وجامعاتنا تدرسها، ولا عاد الإعلام والخطاب الديني يقوم بتعليمها. فنشأت أجيالٌ تلو أجيال جاهلة بتلك العقيدة، وبالتالي لم يعد الناسُ يعلمون ما يخالفها ويضادها، فلا عجب إن لم يستطيع هؤلاء المتطرفون تبنّي عقيدة صحيحة .. ولا غرابة في كونهم لا يفرّقون بين الحق والباطل إذ كثيرًا ما يعتقدون الحقَّ باطلاً والباطلَ حقًّا.
لقد زاد اهتمامنا بتعليم أولادنا اللغات الأجنبية على حساب تعلُّم لغتنا العربية وهى لغة القرآن، والتي يُعتبر تعلُّمها وفهمُها من أساسيات الإطلاع على العقيدة الصحيحة .. ففهمُ القرآن يحتاجُ إلى فهم لغته فهمًا سليمًا وإلى إلمامٍ تام بقواعد النحو والصرف في اللغة العربية.
قال تعالى في سورة يوسف "آية 2":
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
ازداد اتباعُ الناس لدعاةِ السوء وأئمة الضلال في هذا العصر، إذ انحسر دور المؤسسات الدينية ذات المصداقية التي تعلم العلم الشرعيّ الصحيح .. فلم يعد العلماء الثقات يقومون بدورهم في نشر العقيدة الصحيحة السمحاء.. وبحثَ الناسُ فلم يجدوا من يملاْ هذا الفراغ إلا أئمة الضلال الذين يعلو صوتهم ويزداد ضجيجهم وصخبهم في الإعلام.
كما ظهرتْ في مجتمعاتنا نتيجة هذا الفراغ الديني هيئاتٌ مشبوهة تحت مسميات كثيرة منها هيئة كبار العلماء المسلمين، والتي تتحفنا دومًا بالفتاوى المشبوهة وتُصدِّر لنا عقيدةً مُهلكة، كما نافست تلك الهيئات؛ الفضائيات المأجورة والمسيسة لتنفيذ المخططات الغربية، وشيوخ الفضائيات الضالين المضلين؛ والإعلاميين والممثلين والخبراء السياسين المرتزقة. ولم يتحرك أحدٌ لردع هؤلاء .. لا دول ولا حكام ولا مؤسساتٌ دولية للحد من استفحال هذا الطاعون. كلٌّ آثر السلامة والصمت ولغة المصالح .. ولم يعلموا أن الطوفان عندما يأتي لا يُفرّق بين أحد ويأخذ الكل في طريقه.
سيطر شيوخ الفضائيات الجُهلاء ذوي الأصوات الناعقة المجلجلةِ على عقول أهالينا .. فأصبح الناس يأخذون دينهم من أئمة الضلال الذين يختلقون شريعةً ما انزل الله بها من سلطان .. شريعةً تُجيزُ الشتم والقذف والسب؛ وتبيحُ دمَ المسلم ومالَه وعرضَه؛ وتفسِّر القرآن على مزاجهم؛ وتقبل ببعض نصوص الحديث الشريف وتنكر البعض الآخر، أو تضرب النصوص بعضها ببعض .. وعن ثوبان رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" أخرجه أحمد والترمذيّ، وصححه.
اتبع المتطرفون أهواءهم وما تشتهيه أنفسهم مما أضر بعقيدتهم وأخرجهم عن جادة الحق. فالاشتباه الذي وقعوا فيه لم يكن أبدًا من جهةِ النصوص، لكن كان من جهةِ من ينظر في النصوص. فقامت هذه الفرقة الضالة بردِّ وإنكار نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، تبعًا لأمزجتهم وأهوائهم، وليس تبعًا للقواعد التي يلتزم بها أئمة الحديث. كما عظّموا العقل فوق قدره حتى جعلوه حكمًا على نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، بل ومقدمًا عليها. فتجاوزا بذلك حد الشطط، كما رفضوا فهم نصوص الكتاب والسنة الصحيحة كما فهمها الصحابة رضي الله عنهم حتى أنهم طعنوا فيهم! فلا يقبلون منهم فهمهم للنصوص الشرعية. وبخاصة الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. فاتباع هؤلاء الهوى .. هوى بهم للانحراف عن العقيدة الصحيحة.
وللحديث بقية تابع المتطرفون .. لماذا ضلوا؟! الجزء الثاني
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!