مقالات فى فنون إدارة الحياةمقالات الوعى › النَّاجونَ . ماذا فعلوا ؟! الجزء الثالث

النَّاجونَ . ماذا فعلوا ؟! الجزء الثالث

النَّاجونَ .. ماذا فعلوا ؟! الجزء الثالث

ذكرنا فى الجزأين السابقين من قصة الناجين عن كيفية نجاتهم من الغرق، وقلنا إنهم – وبالرغم من فشلهم المتكرر – يعاودون القيام بعد كل عثرة، وعندما تحاصرهم الظروف الصعبة ينتصرون عليها بحسن الظن في الله.

واليوم نتحدث عمَّا فعل الناجون عندما جُرِحوا بشدة .. تعالوا نحكِ لكم عن صبرهم وكيف أنهم ضَمَّدوا جراحَهم بقوة التسامح والحب .. استمِروا معنا في القراءة وستعرفون بقية قصتهم.


الناجون .. ماذا فعلوا ؟!

جُرِحوا بشدة .. فصبروا، وضمَّدوا جراحَهم بالتسامح والحب

الجراح كثيرة والناس كلَّ يوم ما بين جارحٍ ومجروح. ويتفاوت الناس في التعامل مع هذه الجراح على قدرِ قوتهم النفسية وتدينهم .. فهناك من لديهم "استجابات هادئة" وهم من يركزون على "الفعل" فيتحملون جراحهم رغم قسوتها ويتجاوزنها بالصبر ويضمدوها بخُلُقِ التغافل والتسامح والحب .. وهناك من لديهم "استجابات انفعالية" إذ ينشغلون "بردود أفعالهم" فقط تجاه الجرح، مُركِّزين كل اهتمامهم على الخوف والجزع على أنفسهم. متحيزين لآلامهم "لكرامتهم"، ويضخِّمون من معاناتهم ... تارةً بالكلام الكثير عن جروحهم؛ وتارةً أخرى بتذكُّرها مرارًا في كل وقتٍ دون كلل أو ملل. وهم معذورون فيما يشعرون به، لكنهم يحصدون بذلك الحصةَ الأكبر من الوجع والحزن.


والناس أربعةُ أقسام عند الابتلاء بالجرح:

الأول: يصبرون على جروحهم حتى تندمل، ويستعينون بخُلُقِ التغافل والتسامح؛ والرفق والإحسان لخلق الله حتى تَشفَى جراحهم تمامًا، وهؤلاء خير الأقسام.

والثاني: من لا يصبرون على جروحهم، ولا يتسامحون؛ ولا يرحمون غيرهم؛ بل قد يجرحونهم كما جُرحوا، تجد فيهم قسوة و جزع، وهؤلاء شرُّ الأقسام.

والثالث:من يصبرون على جراحهم، لكنهم لا يتسامحون ولا يرحمون غيرهم، فيهم صبرٌ مع قسوة.

والرابع: من فيهم رحمة وتسامح، لكن لا يصبرون على جراحهم، فيهم رحمة بجزع.

لكن الناجين – الناجين بحق– هم القسم الأول مِن الناس، مَن يصبرون ويتسامحون. مَن فيهم رفقٌ وتسامح مع تجلدٍ وسكينة. إنهم متسامحون محبون لأنفسهم ولمَن حولهم؛ راضون عن خالقهم، متيقنون من عدله وحكمته تعالى، وهم يعلمون دون شكٍ أنّ باستطاعتهم تضميد جراحهم وشفاءها بدواءِ الصبر والتسامح والحب.


فماذا يفعل الصبرُّ بنا؟ .. وبماذا يفيدنا الحب والتسامح فى تضميد جراحنا؟

تعالى معى بدايةً نعرف .. ماذا يفعل الصبر بنا؟

من يعش الحياة يعلم أنها امتحان طويل لا يتم تجاوزه إلا بالصبر والتحمل. أما الجزع والشعور المستمر بالإهانة والضعف .. سيُمكِّنا الجروح من أن تؤلمك أكثر! وتُدمى قلبك أكثر! وتضيع بهجة حياتك. والصبر ثلاثة أنواع: صبرٌ على طاعة الله، وصبرٌ عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله. والصبر بجميع أنواعه يجده معظم البشر أمرًا شاقًّا وصعبًا، ولكن دعني أسألك .. أوليس التمسك بالألم والاستياء والتعاسة أمرًا أصعب؟!


فما فائدةُ الصبر؟

يمنحك التجلدَ والقوة فبدلاً من الشكوى والتسليم بنفاذ خياراتك .. والشعور بالضعف وقلة الحيلة! يعطيك القدرة على البحث عن حلولٍ وخياراتٍ جديدة .. مما يُشعرك بالقوة والسيطرة.

يمنحك الهدوء والطمأنينة فبدلاً من الجزع والتسرع، والقيام بخطوات متهوِّرة أوغير مدروسة! يجعلك تأخذ بالأسباب الصحيحة وتتوكل على الله وتنتظر النتائج فى هدوءٍ واطمئنان!

يمنحك راحةَ البال فبدلاً من الحزن وتعب القلب وضيق الصدر وانشغال البال، يمنحك الهدوء .. وطمأنينة القلب .. وانشراح الصدر وراحة البال.

يمنحك النصر على الشامتين والأعداء فبدلاً من شماته الحاقدين والحاسدين والأعداء في حالك، تستطيع رد كيدهم في نحورهم، وتنتصر عليهم بصبرك!

يمنحك رضا الله تعالى عنك فبدلاً من الاعتراض على قَدَر الله، ومعاناة مشاعر السُّخط والشعور بالضعف والإهانة وقسوة التجربة، يرضى المؤمن بالقدر خيره وشره لثقته بعدل وحكمة الله ورحمته تعالى، فيخفف عنه ويعينه الله على تجاوز محنته ويحظى برضاه جلَّ وعلا، وما حالك إذا رضى عنك الكريم؟!

إن حياتنا عبارة عن خيارين - خيارين فقط - لا ثالث لهما، خيار أن نعيش سعداء .. متفائلين، أو خيار أن نعيش تعساء .. يائسين، خيار السعادة .. وخيار التعاسة، فقل لي ماذا ستختار؟! .. الصبر والتحمل لتكون من الناجين أم الجزع والوجع لتنضم للغرقى؟! ... فلا خيار آخر.


فهل أنت من الناجين؟

دعنا نذكرك الآن بوعد الله للمؤمنين فى القرآن الكريم سورة الزمر(الآية 10) حيث يقول جلَّ وعلا:

" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"

صدق الله العظيم

 

وبماذا يفيدنا .. الحبُّ والتسامح في تضميد جراحنا؟

ألا ترى معي أن أيادي الحب والتسامح والتعاطف بلمساتها الشافية تستطيع تجبير كافةِ جراحنا، وتمنحنا كذلك بدفئها وحنوِّها محيطًا صالحًا للحياة وللعمل وتحقيق الذات؟ حتى أننا نستطيع أن نشفق ونحنو على من ظلمنا وجرَحنا في أزماته. فمنذ بدءِ الخليقة حثت – تباعًا – كلُّ الشرائع السماوية على التسامح والحب، فهما أبواب لدخولِ الخير والعطاء إلى عالمنا، وهما سبيلنا الوحيد للنجاة في عالم تُغرِقُه الصراعات والتنافس.


فهل أنت من هؤلاء الناجين؟!

روَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إنَّ الرفق َلا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانَه»


حاول الآن أن يكونَ فكرك معي محايدًا .. ليمكنك الرد على هذه التساؤلات بشفافية تامة. أليس من العدل إذا أردنا الحب ... أن نمنحه نحن أولاً؟ أوليس من الحكمة إذا أردنا أن يتسامح معنا الناس ... أن نتسامح معهم نحن بدايةً؟.

والحقيقةُ التى يجب أن نفتح أعينَنا لندركَها بوضوح .. أنَّه على قدرِ ما نعطي نأخذ. فكلما زاد عطاؤك من الحب والتسامح .. ازداد ما تتلقى من نفس ما منحت. فكما تزرع تحصد، مصداقاً لقوله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).

وأكاد اسمعك الآن تقول: أحسنتُ لفلان فأساءَ إليَّ ولم آخذ مكافِئًا لإحساني. وأقول لك: إنك لم تنتبه لإحسانه إليك؛ عندما تعامل معك أفضل من الآخرين؛ بأن قدم إليك أقلَّ شرِّه .. وهذا "إحسانُه إليك".


فوائدُ الحبِّ والتسامح:

يساعدنا في تقليل المخاوف: فكلما كان المجتمع متسامحًا ومتعاطفًا ومتحابًا زادت الروابط الإجتماعية قوةً وازداد دفء العلاقات، وتلاشت بدورها مشاعر الغضب والقلق والمخاوف. ونتيجة لهذا التفاعل الصحيّ يحافظ الفرد على علاقاته القائمة، ويكسب بسهولة العلاقات الجديدة الطيبة؛ مما يشعره بالطمأنينة والأمان.

التمتع بجسد قوي وصحة جيدة: التسامح يعزز من قوة جهاز مناعتك، ويقوي قلبك، ويخلصك من أدران المشاعر السلبية من كراهية وغضب وعدوانية والتي تستنزف طاقتك، وقوتك الجسدية والذهنية. كما يقلل من الشعور بالإجهاد والتوتر والضغط النفسي.

يشجع على التغير والنمو: فكلما شعرنا بالحب والدعم ممن حولنا؛ شجعنا ذلك على التغير للأفضل، كما زاد ذلك من نمونا .. لزيادة قدرتنا على استخدام كافة طاقاتنا بحرية وثقة.

يمنحك السلام الداخلي والسعادة:ذلك لشعورك بالاتزان النفسيّ، و بقدرتك على السيطرة على حياتك تحت أشد الظروف، وبقدرتك الكبيرة على السيطرة على انفعالاتك وجعلها في صالحك ... مهما واجهت من مواقف ظالمة ومهما عاملت من شخصيات صعبة؛ مما يمنحك السلام الداخلي والسكينة ويُعبِّد لك طريق سعادتك.

- كسب مغفرة الله تعالى ومحبته:قال جل وعلا في سورة النور: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌالآية 22 سورة النور. وقال تعالى في سورة المائدة:"فاعف عَنْهُمْ واصفح إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين"آية13

والغريب أنني قد أجد البعض بعد كل ما سردت لهم عن قصة الناجين .. قد ظلوا يتساءلون: ماذا سنستفيد من هذه القصة المليئة بفوائد الصبر والحب والتسامح؟! فقل لنا أيها المجروح: ماذا استفدت من الجزع والحزن والوجع؟! أو ماذا استفدت من الاستياء والغضب؟! أو عِدّ لنا فائدة واحدة من فوائد الشعور بالإهانة والجرح!

الناجون .. أناسٌ أقوياء نفسيًّا وجسديًّا وروحيًّا .. لذا فهم متفائلون .. صابرون .. يمتلئون حبًّا وسماحةً لأنفسهم ولعالمهم .. لا يضرهم مَن خذلهم ... ولا يخونون مَن خانهم .. ويعفون عَمَّن ظلمهم .. ويعطون مَن حرمهم .. ويصِلُون مَن قطعهم .. ويحسنون لمَن أساء إليهم. ونتيجة لذلك تشفى جراحهم سريعًا بل ويصبحون أقوى بكثير من السابق. وهم من الفائزين بحب الله جل وعلا، وحب الناس والسمعة الطيبة فى الدنيا، وبمغفرة الله تعالى ورضاه عنهم في الآخرة. فما لك لا تنضم إليهم اليوم .. لتكون من الناجين؟!


فهلا أنضممت الآن إلى الناجين؟!

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا"


التعليقات على النَّاجونَ . ماذا فعلوا ؟! الجزء الثالث

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
48217

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري