فن كسب الحروب .. مهما كانت!
معارك الحياة كثيرة، ونحن لا نعلم تمامًا ماذا سيجلبه لنا الغد من مواجهاتٍ جديدة فى ساحة الحياة. ولكي ننتصر على ظروفنا الطاحنة و خصومنا البربريين فى هذه الحروب الحياتية الشرسة ... يجب أن نتبع استراتيجيات ذكية وحكيمة؛ ونتسلح بالذخيرة والعتاد؛ لينتهي بنا الأمر فائزين بغنائم المعرفة .. من خبرات وتجارب؛ ودون تكبد الكثير أو القليل من الخسائر.
نعم .. يجب أن نكون متجهزين تمامًا قبل أية معركة بالأسلحة والخطط المرنة؛ للتصدي للأعداء الظاهرين والأعداء الخفيين حتى للمفاجآت.. فإذا ما دقت طبول الحرب صمدنا فى المواجهات؛ وكانت حصوننا منيعة من الاختراق والخيانة؛ وخاصة إذا كانت القوى التى تحاصرنا أو تعادينا .. شديدة البأس والعدوانية؛ أو كان أعداؤنا مهيبين .. وتصعب كسر شوكتهم.
يجب أن تبني العقيدة القتالية على أسسٍ صحيحة، فهل تقاتل من أجل إحقاق الحق وإقامة العدل عبر مساعدة المظلوم ورفع الظلم لوجه الله تعالى وملتزماً بمنهجه؟ أم تقاتل لأجل الانتقام والتشفِّي وإيذاء الآخر أو لسلب الحقوق بدون وجه حق؟.
قال عمر المختار (أسد الصحراء وشيخ المجاهدين الليبين):
"حينما يقاتل المرء لكي يغتصب و ينهب، قد يتوقف عن القتال اذا امتلأت جعبته، أو أُنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه الى النهاية".
وقد يبدو لبعض المسلمين ما أقول غير صحيح .. إذ يرون كل يوم الكفار ينتصرون والمسلمين ينهزمون؛ وهذه رؤية قاصرة .. إذ أنهم جهلوا استدراج الله جل وعلا للكافرين؛ ليأخذهم فى قمة قوتهم ومجدهم؛ فلا يدفع عنهم عقاب الله مال ولا سؤدد ولا علم ولا عمل. وجهلوا كذلك أن لا تمكين للمسلمين إلا بعد الإبتلاء والصبر على أقدار الله. وفى قصة سيدنا موسى عليه السلام وصبره على أذي فرعون مصر وطغيانه - وكيف أن الله تعالى نصر نبيه والمؤمنين بالرغم من جبروته وقوته - لعبرة لمن يعتبر. وهذه سنة الله الثابتة فى كونه لن تجد لها تبديلاً ولن تجد لها تحويلاً مهما اختلفت الأزمان والعصور.
فكلما كنت عارفًا بعدوك كان انتصارك عليه سهلاً، وهناك نوعان من الأعداء: العدو الكريم، والعدو اللئيم. وكلاهما يمكنك الانتصار عليه، ولكن بطريقتين مختلفتين تمامًا. فهناك استراتيجية الانتصار بالشدة والحزم والاستغناء، وهناك استراتيجية الانتصار بالتغافل والرفق والإحسان.
"إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا؛ ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل".
ستجد في العدو اللئيم علامات وطباع تدل على سوء خلقه ولؤم نفسه منها: (لايألَف ولايؤلَف، ويظهر خلاف ما يبطن، و"يخادع ويغدر"، يقول مالا يفعل، يكره اتباع منهج الله تعالى من أمر ونهي، وهو عدوٌّ للحق وتابعٌ لهوى نفسه بالباطل، "يشترون الضلال بالهدى"، يتكاسل فى الطاعات، وأداء العبادات ولا يذكرون الله، شحيحٌ على الخير "بخيلٌ فى نفع المسلمين أو نفع مجتمعه"، ولا يؤمن بمساعدة أيٍّ كان إلا نفسه، ينكر الجميل والمعروف، "بل ويؤذي من يحسن إليه"، وتجده كذلك شديدٌ في الخصومة "بإظهار كل أسرار عدوِّه ورميه بما ليس فيه"، يكره الانفاق فى مرضاة الله وسبيله، يسعى لإرضاء الناس، ولا يطلب إرضاء رب الناس، يترك ما أوجب الله عليه بالرغم من قدرته عليه، يفرق بين المسلمين بالفتن والنميمة، وإذا دُعي للتوبة والاستغفار أبى "إما لجهله ورفضه الحق؛ وإما لإحتقراه وإزدائه لمن ينصحه"، يحلف بالله كذبًا، ولا يؤمنون باليوم الآخر، همه الدنيا، إذا أُعطِيَ منها رضي وإذا مُنع سخط، ولا يقصد رضا الله تعالى ولا يطلب جنته.
يجب دراسة عدوك والتعرف على نقاط ضعفه قبل قتاله؛ حتى تستغل هذه النقاط فى محاربة عدوك والانتصار عليه. ولكن ليست أية نقاط ضعف! بل عليك معرفة نقطة أو نقاط الضعف الأهم فى الخصم، والتى تستطيع عبرها أن تقصم ظهر عدوك وتكسب الحرب.
4- أرعب عدوك قبل لقائه
نعم .. أرعب عدوك قبل أن تواجهه ليسهل القضاء عليه. فلا شك أن الحرب النفسية هى مكمن الانتصار فى جميع الحروب. فابعث له بالأخبار عن مدى قوة أسلحتك وعدتك، وعن شراسة جندك وبسالتهم فى القتال، واجعل من الصعب التنبؤ بتحركاتك، وكن متغيرًا في كل مرة فى المواجهات، وتظاهر أمام عدوك بالقوة والثقة، حتى وأن كنت لا تشعر بذلك. فبتمثيلها تحرز النتائج الإيجابية فى صالحك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحرب خدعة).
لا تهاجم عدوك وأنت ضعيف، أو قبل أن تُعد عدتك وفريق الهجوم، وتكون مستعدًا ومتجهزًا تمامًا للحرب. فالذين يخسرون حروبهم .. هم الذين يهاجمون اعداءهم قبل أن يعدوا عدتهم ويكونوا أقوياء، أو هم الذين يهاجمون وحدهم بظنهم الخاطئ أن شجاعتهم تكفيهم. فلا تهاجم وأنت وحيد بدون فريق الهجوم ومجموعة الدعم، التي بإمكانها مساعدتك بقوة في القضاء على عدوك .. وكما يقولون: الكثرة تغلب الشجاعة. فالفيل الوحيد على رغم من ضخامته؛ لا يتجرأ أن يمشي فى طريق الأسود وحده؛ ناهيك عن مهاجمتهم.
كل البشر لديهم ثغرات في حصون دفعاتهم قد تجعلهم أهدافًا سهلة .. بخاصة تلك المشاعر الجامحة التي يعنيهم السيطرة عليها .. مما قد يودي بهم إلى الهلاك؛ كعاطفة أو حاجة لم تُلبَّى؛ كمثال: (عاطفة الغيرة - عاطفة الطمع - عاطفة الحزن)، والحاجات: (كالحاجة للشعور بالأمن - الحاجة للحب – الحاجة للشعور بالتقدير والاحترام).
قال أنيس منصور ذات مرة – وهو كاتب مصري كبير:
"إن عدد النساء اللاتي يقتلهن الحزن أكثر من عدد الرجال الذين تقتلهم الحرب".
لذا يجب أن لا يعرف عدوك هذه الثغرات فى دفعاتك، وليس فقط بأن تخفي مشاعرك ولا تظهرها على السطح، وإنما أيضًا بإن تحكم سيطرتك عليها فى الداخل بضبط النفس، والتركيز فحسب على هدفك فى كسب الحرب. فعدم الإنصياع لمشاعرك تحرم عدوك الفرصة للنفاذ لحصنك واختراقك، كما تجعلك تُحكم السيطرة على جميع أدواتك عند القتال. فلا تخرج عن خطة المعركة ولا تكشف خططك للعدو قبل الآوان.
قد يكون من الصعوبة الانتصار على عدوٍّ ما .. لقوة عدته وجاهزيته؛ أو لأسباب أخرى كثيرة. لذا يجب أن ترقص بذكاء مع عدوك؛ فبدل الاشتباك المحاط بالأخطار وإرتفاع التكلفة، يمكنك قطع الإمدادات عنه، و تجريده من كافة أسلحته وإضعافه، فتهزمه سريعًا ودون الاضطرار لمواجهته على الإطلاق.
زد من الضغوط عليه بقطع الإمدادات والسلاح؛ والتى قد تكون: (سلب الدعم المعنوي المتمثل في مجموعة دعم يتعزز بها؛ بأن تستميلهم لصفك فيصبح وحيدًا منعزلاً؛ أو تفرق بينهم بإثارة الشكوك والمخاوف فيتركوا مساندته، أو لا تمده بالمال الذي يقدره على التجهيز لحربك، واقطع عنه الأخبار والمعلومات التى قد يستغلها للقضاء عليك، كما من الضرورة أن لا تعلمه بخططك ولاتجعلها ظاهرة له .. بل اجعلها متغيرة ومرنة وغامضة وكثيرة الاختلاف .. كاللغز المحير).
لا تقابل الضرر بمثله، فأنت إن فعلت ذلك وانتقمت لنفسك، فقد يتفاقم الشر ويتضاعف الضرر، اجعل هدفك الفوز لا الانتقام .. عند اللقاء فى ساحة المعركة، فالانتقام يغمي عينيك ويعميها، إنما الرغبة فى إحقاق الحق ومساعدة نفسك والآخرين .. تنير عينيك وطريقك معًا.
فعن أبي هريرة أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم، وأبو بكر ساكت، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: ( إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله، وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال: يا أبا بكر! ثلاثٌ كلهن حق: ما من عبد ظُلم بمظلمةٍ فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعزه الله بها ونصره .
9- كن كالشبح يلفك الغموض
أخفِ نواياك وإمكانياتك القتالية وتحركاتك .. لا تجعل نفسك واضحًا لأعدائك، فتصبح هدفًا سهلاً؛ وتُمكِّن عدوك بيسر من توقع حركتك التالية. بل تلحف بالتعقيد والغموض وكن كالشبح - هيأة لا شكل لها - فيصعب فهمك؛ أو التعرف على إمكانياتك أو التنبوء بتحركاتك، وما أنت قادرٌ عليه. تَحَلَّ بالغموض مع الهدوء والثبات الانفعالي والاتزان، وبذلك تشوِّش وتُربك عدوك؛ وتُنهكه في مطاردتك؛ ويعجز كليًّا عن وضع استراتيجيات لهزيمتك.
قال جيري غارسيا الموسيقار الأمريكي والعازف الشهير:
"الأشياء المخفية والغامضة مخيفة، لأنك تجهل ما قد تكون"
الانتصار فى الحروب لا يحصل بدون ثمن، فما ثمن النصر؟! ينتصر المظلوم فى قضيته، ليس فقط بالدفاع عن نفسه بكافة الوسائل والطرق المباحة؛ ولكن أيضًا بالتسلح بالصبر والتقوى، والرضا بقضاء الله وقدره حتى يأتي الفرج؛ فلا يُرفع قدرٌ إلا بالرضا به.
قال تعالى فى سورة النحل "آية 127":
«واصبرْ وما صبرُك إلا باللهِ ولا تحزنْ عليهم ولا تكُ في ضيقٍ ممَّا يَمكُرون»
صدق الله العظيم
ومن روائع قصص الصبر .. صبر الأنبياء عليهم السلام، كقصة صبر سيدنا إبراهيم – عليه السلام – من أجل دعوته لقومه لمعرفة الله جل وعلا، فما كان من قومه إلا أن اشعلوا نارًا عظيمة ورموا به فى النار؛ فلم يجزع ولم يخف ولم يشك بخالقه. إنما تمسك بصبره وإيمانه ويقينه فى الله حتى أنجاه تعالى من النار بآيةٍ كبرى؛ وورد ذلك عن الله تعالى في القرآن الكريم بقوله في سورة الأنبياء "آية 69": «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ». فبالصبر نفوز فى حروبنا وبالتقوى نستحق نصر الله لنا، وبالرضا بقَدَر الله يَرفع الكرب عنا وننتصر فى جميع حروبنا بأمر الله.
قم بأسباب النصر .. ومن أهم هذه الأسباب الدعاء، اسأل الله النصر بالإلحاح فى الدعاء بيقين تام فى عونه وتأييده. ولكي يكون الله معك ويؤيدك بنصره كما تريد يجب أن تكون معه أنت بدايةً كما يريد .. وذلك بالثبات على منهجه وطاعته فيما أمر وفيما نهي. وذلك لتستحق وعد الله تعالى بالنصر، كما جاء فى سورة الروم "أية 47": (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
فمن هم المؤمنون؟ أتي ذكر وصفهم فى القرآن فى سورة النور آية "2-3-4": ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ? صدق الله العظيم.
قال سون تزو (جنرال صيني وخبير عسكري وفيلسوف، ذاع صيته بسبب عبقريته العسكرية التي اشتهر بها):
كلمات مفتاحية: فن الانتصار في الحروب ومعارك الحياة ، الحرب النفسيه الدفاعيه ، تعلم الحرب النفسية ، الحرب النفسية الاستراتيجية ، الحرب فن ، فن الحرب.. فن إدارة المواجهة ، فن الحرب سون تزو ، فنون الحرب ، فن الحروب ، فن ادارة الحروب ، علمتنا فن الحرب.
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
وليد عبد الفتاحSaturday, June 12, 2021
ما هذه الروعة !!!!! اعجبني هذا المقال جدا بالتوفيق دكتوره وننتظر جديدك
soundosSaturday, June 20, 2020
جميل.
محمد السخاويFriday, June 5, 2020
أحسنتِ دكتورة أماني .. استفدت من هذا المقال كثيرًا، خاصة صفات العدو الكريم والعدو اللئيم وعدم تمكين العدو من تعقب أخبارك ومعرفة اسرارك .. فاللهم انصر الحق أينما كان واهزم الظلم أينما كان .. وأخرجنا من هذه الدار الفانية على خير. .............................. رد: شكراً أ. محمد لتعليقك الطيب ... شرفتنا زيارتك. مع خالص تحياتي
الزبيرSaturday, January 4, 2020
كن شجاعا