ما هي التنمية البشرية؟ بقلم: أماني سعد
في أواخر القرن العشرين نشأ وعيٌ تنمويٌّ جديد فبعدما كانت التنمية مُنصبّة على التنمية الاقتصادية توسع هذا المفهوم، وأصبحت التنمية تُعنى "بالإنسان ذاته"، وذلك من حيث تنميته فى جميع جوانب حياته (النفسية، والروحية، والمهنية، والاجتماعية، والمادية، والصحية، والبدنية، والأسرية) بما يضمن منظومة تنمية شاملة ومستدامة للمجتمع .. فالإنسان هو جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعه .. فإذا ضمنَّا تنمية الإنسان بشكل صحيح؛ ضمنَّا كذلك تنمية واسعة وشاملة للمجتمع بأكمله.. فأصبح الإنسان هدف التنمية ووسيلة التنمية أيضًا.
ولقد حاول مفكرو الغرب، ومؤسسات الأمم المتحدة إدخال التنمية للبلدان النامية، وذلك من خلال برامج تنموية لتطوير الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه البلدان فى السبيعينيات والثمانينيات، وفى سنة 1990 باشر البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة عمله، وبدأ بإصدار التقارير السنوية عن التنمية البشرية، والتى احتوت على العديد من التوصيات التى استهدفت تعزيز التنمية البشرية محليًّا وعالميًّا.
لقد جاءت "التنمية البشرية" بمفهومها الحديث فى عالمنا الجديد والمتسارع لتفتح لنا الكثير من الخيارات أو "الفرص Opportunities" للإنسان من حيث: (زيادة التعليم، ودخول أكبر، وبيئة نظيفة، ومزيد من العناية الصحية، والحرية السياسية والثقافية، وحماية الحقوق الإنسانية، وعلاقات أكثر نجاحًا).. فقبل "التنمية البشرية" كان الوعى محدودًا والأحلام صغيرة والأفكار مقيدة بالمعتقدات البالية، والحقوق ضائعة، والاحتياجات الأساسية غير مشبعة) .. وبعد "التنمية البشرية" أصبح الإنسان غير محدود فى أحلامه وطموحاته، واسع الفكر والمعرفة، متمتعًا بكرامته وكافة حقوقه الإنسانية، أمامه مدى غير محدود من الخيارات في حياته .. متقدمًا في كل شيء وبكل ثقة.
ونسمع كثيرًا مصطلح "الدول النامية" و"الدول المتقدمة"، ولا نفهم ما المعايير أو الأسس التى صنفت وفقها بعض الدول بالنامية والبعض الآخر بالمتقدمة .. إن هذه المصطلحات ما هى إلا تعبيرٌ عن "النقص" أو "الوفرة" فى التنمية الاقتصادية والسياسية والإجتماعية لهذه البلدان .. فالمصطلح الخاص "بالدول النامية" يعنى تخلف هذه الدول في هذه النواحي، من حيث عدم توفر الحاجات الأساسية للإنسان من طعامٍ ومسكن وتعليم وخدمات صحية وترفيهية وثقافية، وتفاوت في توزيع الثروة، وضعف تطبيق القوانين، وعدم وجود نظام إدارى سليم، وبنَى تحتية ضعيفة.. أما المصطلح الخاص "بالدول المتقدمة"؛ فيدل على الوفرة فى كافة النواحي السابقة.
وربما يرجع تحكم الدول الأخرى بمصائرنا ومقدراتنا إلى غياب مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة لدينا بكل معنى الكلمة؛ لذا علينا لكى ننهض بأمتنا العربية ونصبح أمثال الشعوب الأخرى: (فنلندا واليابان وسنغافورة وتايوان وكوريا)، هذه الدول التى نقلت نفسها من مصاف الدول الفقيرة والنامية إلى مصاف الدول الغنية و المتقدمة، بعد أن استطاعت تحقيق التنمية البشرية فى أقل من 25 إلى 50 عامًا، علينا أيضًا كدول عربية نامية أن نُدخِل مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعاتنا، فنعنَى بالإنسان من جميع الجوانب ونلبي احتياجاته الحاضرة والمستقبلة، للنهوض بمجتمعاتنا العربية نحو عالم واسع من الخيارات اللامحدودة.
وأعرض لكم تجربة فنلندا والتى استطاعت أن تحقق "التنمية البشرية" من خلال ثلاثة محاور، كما جاء على لسان رئيس الجمهوريّة الفنلنديّة السيد "كويفستو" فى مقاله نشرت له سنة 1992 عن أسرار نجاح بلده فى تحقيق التنمية والتقدم، وذلك من حيث تحولها من دولة فقيرة جدًا فى الخمسينيَّات من القرن الماضي إلى دولة صناعية كبرى في الثمانينيَّات؛ فأشار إلى ثلاثة أسرار لنجاح بلاده فى هذه المرحلة وهى "مستوى عالٍ ورفيع من التربية والتعليم، والالتزام بالديمقراطية منهجًا وسلوكًا، واستخدام التكنولوجيات الحديثة فى العمل والإنتاج).
كذلك أكدت تقارير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة فى توصياتها على ضررورة الأخذ بهذه المحاور الثلاثة (زيادة الديمقراطية - مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية - النهوض بالتعليم) وتفعيلها فى آنٍ واحدٍ، وذلك إذا كنا نرغب فى تحقيق التنمية البشرية الشاملة والمستدامة لكافة الشعوب النامية، والتخلص من قيود الفقر والجهل والتخلف ؛ للوصول للوفرة والغنى والأمان والاستقرار العالمي.. والذى أصبح ضرورة لاستمرار الجنس البشرى (الإنسان).
هل عرفت الآن ما هى "التنمية البشرية"ومدى أهميتها فى حياتك وحياتي بل وحياتنا جميعًا؟!.. إنها بكل تأكيد "الأمل" .. الأمل في رفع جودة ونوعية الحياة التي نعيشها.. والأمل في استقرار وأمن الشعوب، والأمل فى استمرار مسيرة النمو والتطور والرخاء.. وأخيرًا هي الأمل في استمرارك أنت أيها "الإنسان" .. فأنت وسيلة التنمية وهدفها كذلك.
جراثيم التعليم والتي يجب القضاء عليها للنهوض بالتعليم
أماني سعد - كاتبة فى فنون إدارة الحياة
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة أمانى سعد، لا يمكن نسخ أو نشر هذا المقال فى مواقع أخرى إلا بإذن كتابي من الكاتبة، وغير ذلك يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، والتعويض عن الأضرار.
مراجعة لغوية أستاذ: محمد السخاوي
الكاتب: أماني سعد AmanySaad.com
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
شكرا على الطرح المميز.
اهنئكي على هذا المقال الرائع. ..................... رد: شكراً لكلماتك الطيبة. خالص تحياتي