مقالات فى فنون إدارة الحياةمقالات الوعى › فن التعامل مع الكِبْر والمُتكبرين "الجزء الرابع"

فن التعامل مع الكِبْر والمُتكبرين

سلسلة فن التعامل مع الكِبْر والمتكبرين - أربعة أجزاء "الجزء الرابع"

نتمنى أن نكون قد وُفقنا في الأجزاء السابقة في إعطائكم فكرة شاملة عن موضوع الكبر لتستطيعوا الإلمام بعناصر الموضوع كافة. فإذا كنتَ أنت من تعاني من هذا الأمر أو مَن حولك فاطمئن تمامًا ... فلقد جاءت المساعدة الآن.

ولكي نتعلم في مقالنا "فن التعامل مع الكبر والمتكبرين" لابد أن نجيب على سؤالين هامين لإتقان هذا الفن. السؤال الأول: إذا كنتَ من المتكبرين ماذا ستفعل مع نفسك؟ والسؤال الثاني: إذا كنت تعاني من المتكبرين ماذا ستفعل معهم؟ لنُلِمَّ بهذا الفن كما يجب.

 

فما فن التعامل مع الكبر والمتكبرين؟

إجابة السؤال الأول: إذا كنت من المتكبرين ماذا ستفعل مع نفسك؟

 الخطوة الأولى: اعترفْ بوجود المشكلة وأدرِكْ خطورتها

الاعتراف بالمشكلة يعني إدراك وجودها؛ وما تدرك وجوده تستطيع مواجهته والتعامل معه، والكبر من أخطر المشاكل التى تُمرِض قلب الإنسان وتُقسّيه؛ وتُغضب عليه خالقه جل وعلا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من تعظّم في نفسه أو اختال في مِشْيته؛ لقي اللهَ وهو عليه غضبان«!. والتعاظم في النفس هو الكبر الباطن؛ والاختيال في المشي هو الكبر الظاهر أو "سلوك التكبر"؛ وقد حذرنا في الحديث من كليهما؛ فهما يُهلكان صاحبهما؛ ليس فقط في الدنيا ... بحجبه عن رحمة الله ومعونته؛ بل يهلكانه كذلك في الآخرة ... فيُفرغا مؤونته ويُحبطا جميع عمله الصالح.

 قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : "الهلاك في اثنتين، القنوط والعُجْب". فالإنسان إذا أُعجب بنفسه استعظمها ومدحها فلم يرَ آفاتها وأخطاءها؛ ولم يتهمها بالتقصير؛ ولم تعظم عليه مخالفتها لأمر ربها؛ وتراه لا يقبل نصيحة؛ بل ويصر على أخطائه. كما يَعمى عن ذنوبه؛ فإذا ذُكّر بها استصغرها واستقلها فلم يخف منها؛ وما نسيه من ذنوبه لم يرَ أنه ينبغي أن يتوب منها؛ فيأمن مكر الله وعقابه فتُهلكه ذنوبه وهو يظن أنه ناجٍ. وأنا لا أريدك أن تكون من المعجبين أو الهالكين؛ بل أريدك أن تكون من المتواضعين الناجين ... لذا ابدأ معى فورًا "واصنع النية"بأن تنوى ترك ما أنت عليه؛ وتستعيذ بالله من الكبر والتكبر؛ واستعذ كذلك من شر نفسك؛ ومن نفخ الشيطان؛ مع الإكثار من الدعاء لله دبر كل صلاة بأن يخلّصك من هذا المرض القلبي تمامًا؛ والآن طبق معى بحماس ودقة كافة الخطوات التالية.

 

الخطوة الثانية: عدد ما فقدت لنفسك

وبعد أن اعترفت بوجود المشكلة، ونويت على فعل اللازم للقضاء عليها مع الإستعاذة بالله؛ هات الآن مفكرة صغيرة وعدد لنفسك في سطور ما الذي فقدته جرّاء هذه المشكلة. وسأعطيك مثال:

 - بسبب الكبر فقدت .......زوجي/زوجتي أو المرأة الوحيدة/الرجل الوحيد الذي أحبني حقاً.

- بسبب الكبر فقدت ............... احترام وحب أبنائي وتوترت علاقتي معهم.

- بسبب الكبر فقدت ............. رضى أمي/ أبي عليّ.

- بسبب الكبر فقدت ......... علاقتي مع صديق/ صديقة عمري.

- بسبب الكبر فقدت ............ كثيرًا من الفرص في تطوير نفسي والترقي في وظيفتي.

- بسبب الكبر فقدت .............. معية الله تعالى وتوفيقه لي ورضاه عني.

 واحتفظ دائمًا بهذه المفكرة الصغيرة معك أينما ذهبت، حتى تعلم كم ما فقدت؛ واقرأها كل حين – خاصة - كلما شعرت بالضعف عن المضي قُدُمًا في علاج الكبر؛ لتعود مجددًا وبثبات في تطبيق خطوات العلاج.

فهذه المفكرة الصغيرة بلا شك الوقود الذي سيُغذّي حماسك لاستعادة حياتك وأحبائك. إذ ستذكرك باستمرار بضخامة خسائرك، حتى تحافظ على الموجود؛ وتحاول استرجاع المفقود؛ لتعود إليك من جديد بهجة أيامك وسعادتك.

 

الخطوة الثالثة: ضبط النفس

وبعد الاعتراف بوجود المشكلة؛ وإدراك خطورتها والخسائر التى تكبدتها جراء هذه المشكلة، تأتي الآن الخطوة التالية: وهي ضبط النفس. ولأننا تكبدنا الكثير من الخسائر في السابق فنحن بالتأكيد لا نريد زيادتها وذلك من خلال ضبط النفس والسلوك. لذا من اليوم عاهد نفسك على ألا تقول أو تفعل أي شيء قد يضر أكثر بحياتك أو علاقاتك. قبل أن تنطق فكر فيما ستقول وأعرف تبعات قولك، قبل أن تفعل فكر فيما ستفعل؛ وهل هذا الفعل صحيح أو هل له آثار سلبية عليك أو على من حولك؟.

في البداية قد يبدو ضبط النفس أمرًا غير يسير؛ لكن بعد فترة من التدريب ستأتي الخبرة والمكافآت المجزية حقًّا ... فمن احتقار النفس والآخرين إلى احترام النفس والآخرين، ومن الشعور بالنقص الدائم إلى الشعور بالرضا والوفرة، ومن علاقات محطمة ومنطفئة إلى علاقات مُرضية ومشبعة وطيبة. ألم أقل لك إن المكافآت ستكون مجزية حقًّا نتيجة ضبطك لنفسك!

 

الخطوة الرابعة: التمرن على التواضع والبساطة

والآن وبعد أن أوقفنا نزيف الخسائر، جاء وقت التمرين؛ فمن اليوم وكل يوم درب نفسك على التواضع ليصبح صفة من صفاتك وعادة من عادات حياتك، وكثرة ذكر الله ستعينك على ذلك فاذكر الله كثيرًا في كل وقت؛ وذلك لإغلاق كافة منافذ الشيطان التى يتسلل منها إليك. كما أن الوضوء المستمر سيساعدك على التطهر باستمرار من كافة الأدران التى علقت بنفسك جرّاء معاملاتك اليومية مع البشر.

 وسرُّ الوصول لخُلقِ التواضع هو أن تحترم نفسك وتحترم الآخرين وتقدرهم على ما هم عليه؛ ولتفعل ذلك عليك أن تحترم ذاتك بأن تكون لطيفًا معها وتتقبلها كما هى، وتقدرها رغم اخطائها ونواقصها؛ فلا تجلدها أو تنتقدها وفقًا لمعاييرك الكمالية وغير المنطقية! وتحترم الآخرين برؤية الإيجابيات فيهم والتعرف على نقاط تميزهم وقوتهم الشخصية؛ ولتعلم أن في الكون خلقًا جديرين حقًا بالاحترام والتقدير غير نفسك؛ مما يمكنك من التواضع على الدوام.

 كما لابد أن تنتبه بشدة من الذين أغرقوك في وحل الكبر قبلاً فلا تعود تستمع لكلمات المدح والتعظيم منهم حتى لا تفتنك مجددًا وتبعدك عن الحق والخير والقيم النبيلة وتسلمك لهواك فتنتصر لكل فساد وباطل ورذيلة؛ فالإنسان لكى لا يُخيب أمل الآخرين فيه – الذين عظموه ومدحوه ورفعوه زيادة عن قدره - قد يعصى الله تعالى لكى يحقق لهم أملهم فيه على حساب طاعته لخالقه سبحانه. لذلك انههم دائمًا وبحزم عن مدحك وتعظيمك؛ لكى لا تخسر - بنفخهم فيك - دنياك وأخراك.

 ولأن كل البشر خطاءون؛ فأرجوك لا تتبرأ من أخطائك بعد اللحظة؛ بل تقبّل أن تُخطئ؛ وتحاول ثانية عدم المعاودة لما أخطأت؛ وأن تعتذر بتواضع عمَّا بدر منك من أخطاء؛ وبطريقة لائقة؛ وفي الوقت المناسب؛ وأن تسعى كذلك لإصلاح الأخطاء والتحسُّن ما استطعت.

وانشغل دومًا بعيوب نفسك عن عيوب غيرك يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم: (والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جدًا تجده دائمًا يضخم عيوب الآخرين، لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، ولذا يُكثر نقدَ الناس وذكرَ عيوبهم).

 ومن اليوم لا تقارن نفسك بأحد بل قارن نفسك بنفسك؛ نفسك قبل أن تطورها ونفسك بعدما قمت بتطويرها؛ نعم ركز على تنمية وتطوير نفسك دائمًا؛ لا على أن يُعجب بك الآخرون ويشيدون بذكائك أو بإنجازاتك؛ بل من اللحظة إذا أردت النجاة من شِباك الكِبر فاترك المنافسة النهمة فورًا وركز على التنمية الشخصية؛ كما لابد أن تنمي نفسك روحيًّا أيضًا ... عبر طاعة الله فيما أمر وفيما نهى؛ مع التخلق بخلق التواضع. وسوف نُفرد مقالاً لكيفية التنمية الشخصية فتابعنا لتعرف كيف تقوم بذلك.

 كن حَسِن التصرف ومهذبًا؛ ولينًا في قولك ومراعيًا لمشاعر الآخرين في أقوالك وأفعالك؛ سهل المعشر؛ تُهوِّن الأمور ولا تُعقّدها، تُحكّم العقل لا المشاعر والأهواء؛ تستمع وتُنصت جيدًا؛ لترى الأمور من وجهة نظر الآخرين لا من وجهة نظرك؛ ذلك لتستطيع أن تعذر غيرك وتتقبل أخطاءه وتتجاوز عنه؛ فإذا استطعت أن تفعل ذلك فستجد في المقابل من الآخرين احترامًا وتقديرًا لشخصك لحسن تهذيبك وحسن تصرفك معهم.

فإذا التزمت بهذا الفكر وهذه السلوكيات السليمة؛ فإني أضمن لك - إن شاء الله - أن يتيسر لك التخلُّق بخُلق التواضع بسهولة تامة؛ حتى يصبح عادة في حياتك وصفة من صفاتك الأصيلة.

 

الخطوة الخامسة: الشروع في الإصلاح

وبعد التمرين على التواضع؛ حان الآن وقت الإصلاح. فاسأل نفسك اللحظة ما أهم شيءٍ إذا أصلحته سيدفعك للاستمرار في مشوار علاجك من مرض الكبر؟. أكتب أهم شيء تريد العمل على إصلاحه في ورقة منفصلة في مفكرتك الصغيرة؛ وعدد المهام التى يمكنها مساعدتك على القيام بإصلاح هذا الأمر؛ وابدأ في التنفيذ فورًا. وسأعطيك مثالاً:

 الإصلاح الأول:إصلاح علاقتي مع أمي وأبي

مهمة 1: الاعتذار لأمي وأبي عن كل ما بدر مني سابقًا وطلب رضائهما.

مهمة 2: تنفيذ كافة شروطهما لتصحيح الأوضاع ما دامت في طاعة الله.

مهمة 3: مساعدتهما على قضاء حوائجهما وكل ما يطلبانه.

مهمة 4: الاهتمام بصحتهما والسؤال عنهما دومًا وباستمرار.

مهمة 5: وصل رحمهما وأصدقائهما ما استطعت.

مهمة 6: احترامهما بالكلام والتصرف معهما برفق وإحسان.

 

الإصلاح الثاني:إصلاح نفسي وتطويرها

مهمة 1: التعامل مع كل من حولى برفق ومودة وإحسان.

مهمة 2: تطوير مهاراتي وقدراتي ومعرفة إمكانياتي الحالية وما أريد الوصول إليه.

مهمة 3: تقوية ديني وأخلاقي بسماع الدروس الدينية كل يوم وتطبيقها في حياتي.

مهمة 4: تحديد وكتابة أهدافي وإنجازها وفق جدولٍ زمنيٍّ محدد.

مهمة 5: المشاركة في أنشطة خيرية ومجتمعية تخدم المجتمع والناس.

مهمة 6: جعل القراءة عادة يومية في حياتي وتثقيفًا نفسيًّا باستمرار.

 على أن تبدأ بمهمة واحدة فقط ولا تزيد حتى تكون مستعدًا للمهمة التالية؛ وكأنك طفل كنت تحبو قبلاً والآن تخطو أول خطواتك "فأرجوك لا تستعجل" فالاستعجال يُفقدك الصبر الذي تحتاجه لحل هذه الأمور التى قد تكون صعبة ومعقدة بعض الشيء، فاصبر حتى تجد الوقت المناسب والفرص الملائمة؛ والتى تستطيع وحدها مساعدتك على تحقيق النتائج المرجوة. كما ستفيدك الاستخارة قبل كل مهمة ليوفقك الله فيما فيه خيرك.

وبالتأكيد ستجد في طريق الإصلاح أمواجًا مرتفعة من الصعوبات والمشاق، فعود نفسك على الانحناء للموج لتحظى بجائزة القضاء على المخاطر والنجاة. فقد تجد عند إصلاحك علاقاتك جروحًا عميقة قد تكون أحدثتها بتكبرك في علاقاتك مع أحبائك؛ لذا انحنِ واقبل بشروطهم للإصلاح وأظهر لهم تغيُّرك بالدليل؛ واخبرهم كذلك بمدى حمقك. فالاعتذار سيُفهمهم أنك تغيرت؛ والمحاولات الكثيرة لكسب ودهم من جديد ستلين قلوبهم وتطبب جراحهم المفتوحة منذ زمن. فإذا لم يُجدِ ذلك فيكفيك "شرف التواضع" لتكمل مشوار حياتك؛ وأنت تحترم نفسك ... لأنك حاولت الإصلاح ما استطعت.

أماني سعد – كتاب تأملات

إذا ظننت أنك تستطيع أن تخسر أحباءك وتبتسم... فأرجوك فكر مجدداً! وذلك قبل أن تفارقك ابتساماتك الحقيقية؛ وتعلق بوجهك الابتسامات الزائفة للأبد”.

 

الخطوة السادسة: اتقِ الله في جميع أقوالك وأفعالك

لابد أن تستشعر باستمرار مراقبة الله تعالى لك خاصة أنك الآن تقوم بالإصلاح في كافة الاتجاهات، وتحتاج لتوفيق الله ومعيته. لذا تحلَّ من اللحظة بالتقوى في كل ما تقول وتفعل؛ ليُسدد الله كافة مساعيك وخطواتك. ولا تنظر لماضيك بعد الآن إلا لتستغفر الله عن جميع ذنوبك، أو لتتعلم منه ما يجنبك تكرار الأخطاء؛ ولا تعش حاضرك إلا وأنت تخشى الله في كل أقوالك وأفعالك. حتى النيات يطلع عليها سبحانه؛ فراقب نياتك؛ وتأكد أنه لو اطلع عليها الله فسيرضى عنك وليس غير ذلك. وهناك دعاء جميل التزم به وإن شاء الله تعالى يجيبه لك بكرمه ولطفه. (اللهم آتِ نفسي تقواها؛ وزكها أنت خيرُ مَن زكاها؛ أنت وليُّها ومولاها".

وتذكر دائمًا وعد الله تعالى لعباده المتقين فى القرآن الكريم آية "96" سورة الأنعام

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

صدق الله العظيم

 والآن نأتي لإجابة السؤال الثاني ... 

إجابة السؤال الثاني: إذا كنت تعاني من المتكبرين ماذا ستفعل معهم؟

 إن التكبر يولد عادةً فى البيئة التي يكثُر بها الأشخاص المتكبرون؛ فيأخذ الشخص من وسطه وبيئته نفس السمات الشخصية ويقلدها، أو قد ينشأ أيضًا دون مقدماتٍ نتيجةَ حدثٍ يغير حياة الشخص من النقيض إلى النقيض؛ كأن يكون الإنسان فقيرًا فيتحول فجأة للغني ويصبح لديه كل شيء؛ أو كأن يكون موظفًا صغيرًا فيرتقي فجأةً لمنصبٍ كبير؛ لم يكن ليحلم به يومًا. كما قد يولد الكبر مع صاحبه متأثرًا بالصفات الوراثية لآبائه وأجداده.

لكن على من يقع اللوم فى هذه العلاقات الهاضمة للحقوق وغير المتكافئة؟ هل على المتكبرين "الجناة"! أم عن من سمحوا لهم بالتكبر عليهم من "الضحايا"؟!

 قال حكيمٌ ذاتَ مرةٍ:

لا تسأل الطغاة لماذا طغوا؟! بل اسأل العبيد لماذا ركعوا؟!

وقد تقول لي: حقيقة "أنا ضحية" لا حول لى ولا قوة على الطغاة والمتكبرين؛ نعم هذا صحيح ... وأنا أصدقك وأوافقك الرأى أيضًا؛ لكن هذا قبل أن تقرأ هذا المقال؛ أما بعدما تقرأه وتطبق ما أتى به؛ وتستزيد من الوعى؛ فلابد عندئذٍ أن يختلف فكرك وفعلك تمامًا. فالحقيقة الغائبة عنك - بحق - هي أنك لا تمشي فى طريق المطالبة بحقوقك من الآخرين؛ ليس لأنك ضعيف أو أنك غير قادر على المطالبة بما تريد؛ إنما فقط أنت لا تعرف الطريق أو الوجهة الصحيحة أو الوسيلة الناجحة التى توصلك بسلام لما هو حقٌّ لك؛ وبهذه الخطوات الذكية التى وفرناها هنا فى مقالنا هذا؛ تستطيع الآن بإذن الله معرفة طريقك الصحيح ووجهتك السليمة؛ كما سنمدك كذلك بكافة الوسائل والاستراتيجيات الذكية والفعالة لتصل لحقوقك فى الحياة بكل سهولة ويسر إن شاء الله. فكيف تتعامل مع المتكبرين؟.. فقط اتبع معي هذه الخطوات لتتعلم فن التعامل مع المتكبرين؛ لتعيش بأمانٍ وطمأنينة؛ وتكون حقوقك محفوظة حتى ولو كنت بقربهم.

الخطوة الأولى: الاستعاذة من الكبر وأهله

نعم إذا كان المتكبرون فى وسطك ومجتمعك فلابد من أن تستعيذ بالله وتستجير به من شرهم وآذاهم؛ فكلما قابلتهم قل: "أعوذ بالله من الكبر وأهله"مع تجنبهم بأدب؛ وعدم موافقتهم فى أقوالهم المجانبة للحق؛ أو طاعتهم فيما يطلبون منك من باطل.

فأنت حين ترى باغيًا وظالمًا لنفسه ولغيره؛ فعقلك يدرك أنه يجابه شيئًا فى غير طاقته؛ فليس له من رادعٍ ديني يردعه عن أذيتك، أو مرجعية أخلاقية تصده عن ظلمك؛ فلا هو يعمل حسابًا لبشر؛ ولا هو يخشى قوة الله فوقه.

لذا وحتى لا تخاف نتيجة هذا الإدراك؛ فعليك الالتجاء والتحصن بمن هو أقوى منه وأقدر؛ وبذلك تشعر بموقف قوى تجاهه؛ ويدرك عقلك أنك أنت الأعلى؛ مما يمكنك من ردعه بثقة ورفض سوء أقواله وأفعاله بكل ثبات وحزم. ونتيجة لذلك "الموقف القوى والواثق" يحسب لك المتكبر ألف حساب؛ ويتراجع عن مجابهتك ما أمكنه؛ فتأمن منه أو يطالك أهون شره وآذاه.

الخطوة الثانية: الدعاء لله وطلب النصر عليهم

قد يكون المتكبر أكبر منك فى المركز أو المكانة العلمية أو المجتمعية؛ وهم عادة يكونون كذلك! لأنهم محبون للسلطة والمال والعلم؛ لما يمنحهم ذلك من شعور بالأفضلية والتميز على غيرهم. لذا كلما خفت منهم فلا تطعهم فيما يأمرونك؛ بل اقترب من الله تعالى بإخلاص العبادة له سبحانه والتقوى؛ وادعُه سبحانه واطلب عونه عليهم فى سجودك وأنت متواضعٌ لجلال الله وعظمته؛ فهذا من شأنه تقريبك لمصدر قوتك وإيمانك؛ ويُذكرك بجلاء بأنك تعتصم بمن هو أكبر من المتكبرين جميعًا.

 يأمرك الله تعالى بطلب نصره على الجبارين فى القرآن سورة إبراهيم آية "15" فيقول:

(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)

صدق الله العظيم

 نعم أرفع دعاءك إلى الله جلَّ وعلا وأطلب منه سبحانه النصر على المتكبرين والجبارين؛ وألِح فى الدعاء وأنت ساجد؛ واسأله أن يتكفل سبحانه بمنع أذاهم عنك وينصرك عليهم؛ وكن متيقنًا وواثقًا في نصره تعالى وتأييده لك. وهناك دعاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ التزم به في سجودك لتقهر به كل متكبر جبار. وهو : (اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ).

فإذا أردت أن تحدد الشخص بعينه فقل ما أتى بهذا الحديث من دعاء؛ فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذا تخوَّف أحدكم السلطان فليقل: اللهم رب السماوات السبعِ، ورب العرش العظيم، كن لي جارًا من شر فلان بن فلان يعني الذي يريد، وشر الجن والإنس وأتباعهم، أن يفرط عليَّ أحد منهم، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك).رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/15)؛ وقال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" (94): إسناده حسن.

الخطوة الثالثة: قلص عدد المتكبرين فى محيطك

والقاعدة تقول: كلما قلّصتَ من عدد المتكبرين فى محيطك استطعت أن تتعامل مع المتكبرين الآخرين بشكلٍ أفضل. حيث تقل الضغوط عليك؛ وتحافظ على طاقتك الذهنية والبدنية من الاستنزاف المتواصل؛ ويتسع لك الوقت للتعامل مع المتكبرين الآخرين بفنٍ وذكاء. وهناك تصنيفان يجب أن تسترشد بهما عند تقليص عدد المتكبرين حولك. فهناك متكبر من الأهل والأقارب؛ وهناك متكبر من دائرة المعارف والأصدقاء وزملاء العمل.

 فأما المتكبر من الأهل والأقارب فتسامح معه وأعطه فرصة أخرى للتفاهم معك وتقريب وجهات النظر؛ فقد يكون تكبره بسيطًا؛ تستطيع زعزعته وحمله على التخلص منه؛ بتعاطفك معه واحترام آرائه؛ وإزالة مخاوفه؛ ليشعر من ناحيتك بالطمأنينة والأمان.

فإن لم يستجب بعد إعطائك الفرصة له؛ عامله بالمعروف بأدبٍ ولباقة، لتجبره على احترامك؛ وتضطره لأن يكون لبقًا معك هو أيضًا؛ ذلك أنه لا يريد أن يبدو أقل منك مستوىً أو تهذيبًا؛ حفاظًا على تعاظمه؛ وصورته البراقة أمام الناس.

وكن متأهبًا لصد ضرباته فقد يحاول المتكبر تشويه سمعتك وإحراجك؛ فاستعذ بالله منه واستنصر بالله عليه كما ذكرنا سابقًا؛ وأظهِر لعائلتك وأقاربك حقيقته؛ لكن ليس من خلالك؛ بل من خلال شخصٍ رشيد من العائلة يثقون به ويحترمون كلامه؛ استعن بهذا الشخص وقل له الحقيقة كلها وبالدليل؛ وأطلب مساعدته فى إظهار الحق؛ ثم اتركه هو يتكفل بتوضيح الأمر لباقي العائلة.

ومن اليوم ضع الحدود الواضحة لعلاقاتك مع هؤلاء المتكبرين؛ فلا تتصرف معهم بانفتاح أو أريحية؛ بل كن قليل التفاعل معهم مقتضب الحديث؛ ولا تخبرهم خصوصياتك أو أسرارك أو تشترك معهم فى أى نشاط أو عمل؛ ولأنهم بارعين فى استغلال من حولهم وامتصاص قوتهم وأوقاتهم - فانتبه لهم - ولا تقبل منهم إسناد مهمات لك لا تخصك؛ اعتذر بأدب أو تهرَّب منهم بحجة قوية.

كما لا تسمح لهم بإعطائك الأوامر؛ مرر مباشرة الأمر لغيرك؛ أو قل لهم عندما يتوافر لدي الوقت سأقوم بذلك؛ وتظاهر بانشغالك بأمورٍ أخرى دائمًا؛ حتى يملوا ولا يعودوا يطلبون شيئًا منك أو يوجهون أمراً إليك. فكن يقظاً دومًا فى تعاملك مع المتكبرين حتى لا تعطيهم فرصةً مطلقًا لتخطى الحدود التى وضعتها فى علاقتك معهم؛ تحت أى ظرفٍ كان.

 فأما المتكبر من دائرة المعارف والأصدقاء وزملاء العمل. إذا كانت هذه العلاقات غير هامة لك على المستوى الشخصي أو العملي؛ فيمكنك ببساطة الابتعاد عنهم والتوقف عن مصاحبتهم؛ فلا تشغل نفسك بإقامة الحدود فى علاقتك بهم؛ بل اقطع هذه العلاقات نهائيًّا؛ فهذا أفضل بكثير من استنزاف طاقتك باستمرار دون داعٍ.

 أماني سعد – كتاب بداية جديدة

المستنزفون لطاقتك ... والذين تعدوا خطوط الصبر والاحتمال. إذا كان لا يمكنك أن تتخيل الحياة بعدهم، كيف بمقدورك إذًا أن تتخلى عن عذابك، وتبدأ كتابة صفحة جديدة في حياتك ... لا تحتويهم!

أما إذا كانت إحدى هذه العلاقات هامة لك على أى مستوى؛ فيمكنك وضع الحدود المريحة لكليكما؛ ليعرف كلٌّ منكما ما يسمح به الآخر وما لا يسمح به.

 ولكى تتعامل مع أى متكبر بأمان عليك تتبع الإرشادات التالية:

 كن واثقًا فى نفسك

وقد تقول لى: هذا ما ينقصني! إذًا لن تصمد طويلاً حتى يلتهمك المتكبرون بشراسة! والحل أن تكون واثقًا حتى ولو مثلت ذلك، فكلما بدوت واثقًا فى نفسك ثابتًا ومسيطرًا على مشاعرك؛ في حالة من الأمان والسكينة الداخلية مهما بَدَر من المتكبر تجاهك؛ كلما زاد قلقه وخوفه منك؛ وبالتالي ابتعد عن طريقك؛ بل وهرب منك بعيدًا ما استطاع.

 لذا عندما تقابل المتكبرين اطفئ نيران مشاعرك واستخدم فقط عقلك؛ فلا تأخذ الأمور بمحمل شخصي؛ فالمتكبر قد يكون هذا خُلُقه مع جميع من حوله نتيجة تنشئته في الصغر على نحوٍ غير سليم؛ وقد يكون أيضًا غير متنبه لهذا الخُلق السيّئ فيه؛ فهو لا يقصد بتعامله المتعالى شخصًا معينًا؛ بل هو يتعامل مع الجميع بفوقية واستعلاء؛ لأنه لا يعلم سلوكًا آخر. وبذلك الإدراك ستجعل عقلك يفهم تصرفه بشكل صحيح؛ ويعلم أن هذه طبيعته وليس هجومًا موجهًا نحوك بالذات؛ مما سيبدل مشاعرك تجاهه من الغضب إلى الشفقة عليه؛ ذلك أنه غير قادر على التعامل مع الآخرين إلا بهذا الأسلوب السيئ والمُنفّر. وبذلك الفهم ستستطيع بسهولة التعامل معه باتزان وثباتٍ انفعالي وكما يتطلبه الأمر؛ فتكتفى بالرد الهادئ مع ابتسامة صغيرة.

أما إذا تركت السلطة لمشاعرك وقابلت أسلوبه بانفعالٍ وغضب؛ فستسلمك هذه المشاعر وبسرعة للمتكبرين لتصبح ضحيةً لتلاعبهم وسخريتهم؛ فيفترسونك بلا رحمةٍ أو تأنيب ضمير.

ولاكتساب الثقة أمامهم اشعر بقيمتك الذاتية بأن تتحدث مع نفسك حديثًا داخليًّا إيجابيًّا وبنَّاءً كلما لقيتهم؛ ولا تسمح لهم بإن يُشعروك بالدونية؛ أو أن تشعر أنت بذلك نتيجة ذكرك لما يملكونه ولا تملكه؛ بل اجعل حديثك الداخلى فى صالحك؛ وتذكر فقط مزاياك الفردية؛ والتى قد تكون (أخلاق حسنة وطيبة، أو عائلة محبة ومتوادة أو تاريخ مشرف من الأعمال فى مجالك أو امتلاكك لصداقات طيبة) فليس منا أحد لا يمتلك إحدى هذه المزايا!

واحترس فلا تترك لعقلك أن يجرك إلى القيام بمقارنات بينك وبينه؛ بل تذكّر نِعَمَ اللهِ عليك؛ ورضاك بما آتاك. وأدعُ له ولك بأن يزيد الله نعمه عليكما ولا يفتنكما فيها. وذلك لتنتبه إلى أن ما يملك من نِعمٍ فتنةً له؛ لا ميزة خصه بها الله تعالى؛ وأنك لا تقدر على فتنته تلك؛ وإلا قد كان الله أنعم بها عليك. فاشكره تعالى على ما أعطاك فقدرتَ عليه وكان خيرًا لك؛ واشكره كذلك على ما منعك؛ وأنه قد حجبَ عنك ما هو شرٌ لك ... مما لا تقدر على فتنته. والله تعالى بعباده خبيرٌ بصير.

يقول تعالى في سورة الأنبياء آية "35"

"وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً"

صدق الله العظيم

أما العطاءُ الحقيقي من ربك هو إعانتك على العمل الصالح؛ والحرمان الحقيقي هو حرمانك من العمل الصالح. فعلة وجودك فى الحياة هى أن تعمل صالحًا. يقول تعالى:? رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ? سورة المؤمنون آية "99-100".


لا تبالغ فى التواضع

التواضع صفةٌ حميدة وخلقٌ فضيل؛ لكن المبالغة فى التواضع لدرجة أن يعتاد الآخرون تقديم أنفسهم عليك؛ يعتبر ذلاً ومهانةً وعدم إدراك لقيمتك الذاتية.

واعلم أن المتكبرين يتغذون على "المبالغين فى التواضع"؛ الذين يهضمون حق أنفسهم، ويعزفون عن التقدم لتحمل مسئولياتهم؛ فيبدون غير قادرين أو بدون إمكانيات؛ مما قد يراه المتكبر إقرارًا له بالفضل واعترافًا بتميزه عليهم؛ فيشجعه ذلك على احتقارهم ويرى نفسه فوقهم. ولقد عالجنا هذا الموضوع فى مقال سابق بعنوان: " ثلاثُ طرقٍ فعالةٌ للاحتفاظ الدائم . بتقديرٍ عالٍ للذات" اضغط على العنوان لقراءته.

 ولكى لا تكون غذاء للمتكبرين من اليوم لا تبالغ في التواضع ولا تحترم آراء من لا يحترم آرائك؛ ولا توقّر من لا يوقرك؛ ولا تخدم من لا يخدمك؛ ولا تسعَ لمؤانسة من يتجاهلك. كما لا تدع المتكبرين يستنزفونك ويمتصون طاقتك النفسية والجسدية بتصديقك الساذج لانتقاداتهم؛ أو بشعورك بالدونية تجاههم ... نتيجة الانبهار بهم وبمقتناياتهم أو بما حققوه من نجاحات.

كما لا تقبل كذلك منهم معاملتك بانتقاص أو احتقار؛ حاسبهم على كل ما يقولون ويفعلون تجاهك؛ ولا تفوّت لهم أى شيئًا لا يعجبك؛ حتى يعرفوا حدودهم معك جيدًا ... فلا يتخطونها.

والأفضل لك بالطبع أن تبتعد عنهم وعن محيطهم ما استطعت؛ لترتاح من هذه المعركة الدائرة باستمرار لإحباطك وامتصاص قوتك، فهم لا يشعرون بذواتهم الفارغة ألا عندما يتغذون على انفعالاتك ويهيجون مشاعرك ويحطمون معنوياتك ويجعلونك تحتقر نفسك وعملك وحياتك. فلا تترك لهم الفرصة أبدًا ليتغذوا عليك؛ وتنتفخ ذواتهم كبرًا ... بمبالغتك فى التواضع في غير محله.


  كن هادئًا جدًا

نعم كن هادئًا جدًا في استجاباتك العاطفية وردود أفعالك تجاههم؛ فالهدوء وحده لا يصلح لمجابهة المتكبرين، بل يجب أن تكون هادئًا جدًا لتتحكم فى مشاعرك نحوهم بدرجة 100% ، فالوقود الذي يحرك غرورهم هو "قدرتهم الكبيرة على استفزازك وإثارة انفعالاتك"فلا تفقد السيطرة أبدًا على أعصابك أمامهم مهما حدث؛ فهذا سيشعرهم بالانتصار وبتأثيرهم القوى عليك؛ فيزيدون من تصيدهم لك واستفزازك. وتأمل الحكمة التي تقول: (من أغضبك فقد هزمك).

 لذا كلما فعل المتكبر ما يستفزك؛ لا تتفاعل مع أفعاله فتغضب وتثور؛ بل أشعر بالشفقة تجاهه؛ تفهم أنه يعاني من مشاكل فى حياته غير محلولة؛ فعامله بمنتهى الهدوء والرفق؛ مما قد يخفف بشكلٍ كبيرٍ من أعبائه النفسية؛ فلا يشعر بدوره للحاجة لمضايقتك؛ بل وربما أعاد النظر فيما يفعل؛ وانتبه لوجوب تغيير هذا السلوك غير المحبب.


لا تعطه ما يريد لإظهار تعظمه

رجاءً لا تمدح المتكبر أو تثني عليه مطلقًا؛ وليتك لا تشعره أيضًا بأهميته أو أنه ذو مكانةٍ و مركز وظيفي أو علمي مرموق حتى لو كان كذلك؛ ويفضل ألا تناقشه أو تأخذ رأيه فى أى شيءٍ يزيد شعوره بالأهمية. وكلما قابلت المتكبرين تظاهر بالانشغال وتجاهلهم بتركيزك على أمرٍ آخر؛ ولا تخاطبهم فى الموضوعات التى يبرعون فى الكلام عنها ليظهروا غطرستهم؛ بل غيّر باستمرار الموضوع لشيءٍ لا علاقة لهم به.

فإذا نزع المتكبر للتفاخر أظهر عدم اهتمامك وعدم مبالاتك بما يتفاخر به. ولا تجلس معه وحدك بل كن فى جماعة وابتعد عنه فى المكان؛ كذلك لا تظهر اهتمامك بحديثه مهما كان الأمر يعنيك. واحرص على أن لا يغرك مظهرهم اللامع ومقتنايتهم الغالية فتنبهر بها وتنافسهم؛ فجوهرهم فارغ ومظلم لا يستحق حتى الالتفات إليه، كما أن تجاهلك لمظهرهم المختال لن يتيح لهم نفش ريشهم عليك والتباهي.


 لا تتحدث معه عن الآخرين

المتكبر يريد أن يظهر باستمرار أعلى من غيره؛ ووسيلته فى ذلك الغيبة والوقيعة في الناس؛ وذلك عبر ذكر عيوب الآخرين وفضح نقائصهم؛ ذلك أنه يحتاج الآخرين لرفعه عبر الصعود على حطامهم.

فلا تعطِ المتكبرين الفرصة لتكون ضحيةً لهم أو أن يكون غيرك ضحيتهم عبرَ حديثك معهم وذكرك للآخرين. فقد تقول شيءٍ ما عن شخص بسلامة نية؛ فيستغله المتكبر ببراعة ليُحطم الشخص ويدمر أيضًا علاقتك معه.


قلل الوقت الذي تقضيه معهم

هناك فرقٌ كبيرٌ بين أن أقضى وقتًا بجوارك وأن أقضى وقتًا معك. فأنت فى العمل مثلاً قد تضطر لمجوارة المتكبرين من زملاء العمل؛ لكن ليس بشرط أن تتفاعل معهم. أما أن تقضى وقتك معهم فتشاركهم الأعمال أو الحوارات أو الأنشطة ... فهذا يجب أن يكون مقنن بوقتٍ محدد وفى أضيق الحدود.

فإذا كان هناك عملٌ ما بينكما بمجرد أن تنهيه لا تبقَ وسارع بالذهاب؛ فإذا وجّه لك الحديث رد عليه ثم تظاهر بالتشاغل بعملٍ آخر واترك المكان. فكلما قللت تواجدك معهم فى الأعمال والحوارات والأنشطة ... اعتيد منك ذلك؛ وسلمت من استنزاف وقتك ومشاعرك؛ وتجنبت آذاهم.

وعندما تشرع بتقليل ساعات تواجدك معهم عليك أن تفعل ذلك بهدوء وبالتدريج؛ حتى لا يتم ملاحظة الأمر؛ ولتكن حريصًا على ألا تتيح الفرصة لزيادة هذا الوقت مطلقًا. كما لابد أن تقلل معهم عدد المحادثات التليفونية ومدتها لأدنى حد؛ ولكن أيضًا بالتدريج وبشكلٍ طبيعيٍّ وغير لافتٍ ... حتى يعتاد الأمر.


ذكره بالمنعم وبحقيقة احتياجه لغيره

كل شيءٍ موهوبٌ لنا من الله تعالى وهو وحده القادر على مدنا بالنعم أو أخذها منا أينما شاء ووقتما شاء؛ فلا فضلَ لنا فى جلب النعم كما لا قدرةَ لنا على حفظها إذا أراد الله استردادها منا؛ فإذا تذكرنا هذه الحقيقة علمنا بضعفنا وقلة حيلتنا؛ وتأكد لنا أنه لا يليق بنا التكبر.

ودورك هنا أن تذكّر المتكبر دومًا بهذه الحقيقة بشكلٍ مباشرٍ تارةً؛ وبشكل غير مباشر تارةً أخرى؛ وذلك عبر ذكرك لقصة حقيقية حدثت لإنسان خسر ماله أو ولده أو عمله فى لمحة من الزمن؛ وتبدّل حاله من السعة والسعادة والجاه إلى الضيق والحزن والذل؛ وستجد حولك عددًا وافرًا من هذه القصص.

ولأننا كلنا خُلقنا بإمكانياتٍ وقدراتٍ محدودة كبشر؛ لذا فكلنا مُسخَّرٌ لخدمة الآخر؛ ولإكمال ما ينقص عند أخيه؛ فإن كنتَ طبيبًا مثلا فأنت لا تستطيع أن تستغني عن الكهربائي لتوصيل النور لمنزلك؛ وإلا سيكون منزلك مظلمًا؛ كما أن الكهربائي عندما يمرض لا يستطيع الاستغناء عن خدماتك الطبية وإلا سيشتد عليه المرض. فكلنا محتاجٌ للآخر ومسخرٌ لخدمة الآخر. فكيف لك أن لا تتساوى مع من أنت بحاجة إليه؛ وفى عَوَزٍ لخدماته!


ذكره بقدوتنا فى الحياة

كلما طغى المتكبر وتمادى فى الاستعلاء والاستكبار ذكّره بقدوتنا في الحياة وهو أشرف الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان فى بيته فى خدمة أهله؛ يخصف نعله؛ ويرقع ثوبه؛ ويحلب الشاة لأهله؛ ويمر على الصبيان فيسلم عليهم ويجعلهم يقودونه لحاجاتهم، ويأكل مع الخادم؛ ويجالس المساكين؛ ويقضى حاجةَ الأرملةِ واليتيم؛ ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أقل شيء. وكان صلى الله عليه وسلم طلقَ الوجه؛ متواضعًا فى غير ذلة؛ ليِّن الجانب؛ خافضًا جناحه للمؤمنين رحيمًا بهم.

ولربما قد يقول لك إذا ذكّرته: أنا لست الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقل له: إذا كنت لست الرسول فلماذا إذًا تناقض نفسك فتدعي الكمال وتتصرف بتعاظم؛ وأنت تعترف الآن بنقصِك وعجز قدرتك عن اتباع سنة نبيك. وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - للثلاثة الذين تقالّوا عبادته: مَنْ رغب عن سنتي فليس منى؛ والقصة مشهورة. فهل ترضى أن يقول لك الرسول "أنت لست مني"!


الخطوة الرابعة: الصبر والتقوى مع حسن التوكل

ربما يكون المتكبر صديقك المقرّب أو شريكك فى الحياة أو أقرب الناس إليك؛ وهذا بالطبع وارد، فلكي تنجو من كبره وطغيانه؛ لابد أن تتحلى بالصبر على مكره وآذاه مع الالتزام بالتقوى تجاهه أو تجاه الآخرين الذين يدعمونه. وتأمل قوله تعالى: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ"46 إبراهيم، ثم تأمل هذا الرد القرآني: "وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"120 آل عمران. فحتى إن كان مكرهم وخداعهم تزول منه الجبال؛ فبالصبر والتقوى لن يضرك مكرهم شيئًا؛ فأنت فى حماية ذي الجلال.

فالزوجة التي تتعذب من سوء معاملة زوجها؛ والأولاد الذين يعانون من والدٍ فظٍّ وقاسٍ؛ والموظف الذي يعاني من رئيسٍ طاغٍ وجبار؛ ننصحهم جميعًا لينجوا من هذا الظلم أن يتمسكوا بالصبر والتقوى؛ مع أخذهم بالمتاح لهم من أسباب النجاة؛ وتنفيذهم الخطوات والاستراتيجيات التى ذكرناها سابقًا؛ مع "حسن التوكل" على الله تعالى.

فبالصبر على سوء خلق المتكبرين وأذاهم ننال معية الله ونصرنا عليهم؛ فالله دائمًا مع الصابرين؛ وبالتقوى فى الأفعال والأقوال تجاههم وتجاه من يساندهم؛ يمكننا ذلك من الإعراض عنهم؛ فنملك زمام أنفسنا ويضعف تأثيرهم علينا؛ ويجعل الله لنا مخرجاً من أمرنا؛ ويرزقنا من حيث لا نحتسب وبحسن التوكل نتحمل مسئوليتنا تجاه أنفسنا فنأخذ بالأسباب وتملؤنا الطمأنينة والسلام ليقيننا فى قدوم فرج الله عن قريب؛ وبذلك نقلل التأثير السلبي للمتكبرين علينا لأدنى حد؛ ونكون واعين بما نواجهه ومتكيفين معه كذلك.

وحبذا لو كانت لنا خطة للخروج من نطاق سيطرتهم ونفوذهم؛ حتى لو استغرقت هذه الخطة سنوات فى التنفيذ. فما اعطيناكم اليوم من استراتيجيات ناجعة - بإذن الله - للتعامل مع المتكبرين ستزيل العبء النفسي عنكم بشكلٍ كبير؛ مما سيمكنكم من الصمود لوقتٍ أطول دون ضغوط وحتى تنفيذ خطتكم بنجاح بأمر الله.


الخطوة الخامسة: حدثه باستمرار عن الموت والحساب

قلنا من قبل أن أكثر ما يخيف المتكبرين الموت والحساب؛ فهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا التلاعب أو تزييف الحقائق أمام الله تعالى كما كانوا يفعلون مع الناس فى الدنيا؛ لذا كلمهم مرارًا وتكرارًا عن الآخرة وحساب الله للمجرمين والفاسقين، وأخبرهم بقصص الذين ماتوا فجأة دون مقدمات، وأخبرهم بحوداث وأحداث حقيقية عن بعض الأشخاص الطغاة ممن يعرفونهم وحالهم وما فعل الله بهم. وأذكر هذه القصص والأحداث بشكل طبيعي وعفوي دون أن تشير لهم؛ كما لا تلمح للتشابه بينهم؛ فقط مرر الكلمات وكأنك لا تعنيهم مطلقًا؛ بل تعني هؤلاء المتكبرين؛ ولا تقل عنهم أنهم متكبرون أمامهم؛ بل أكتفِ بذكر حالهم ومصيرهم المؤسف.

فإذا حاجك أحدهم وقال: إن الفاسقين والمجرمين هم اليوم أسياد العالم؛ فقل له: إن الله يمتعهم قليلاً ثم يوم الحساب يقذفهم فى النار؛ فإذا قال لك: إن الله تعالى يعطيهم النعم بكثرة؛ فقل له: إنه تعالى يعذبهم بهذه النعم فى الدنيا؛ فينشغلون بها وتزيد غفلتهم؛ حتى تزهق أرواحهم وهم كافرون.

 يقول تعالى في سورة التوبة آية "85":

"وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ? إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ"

صدق الله العظيم

 وفى النهاية ليتنا جميعا نراجع التاريخ لنعلم ما أحدثه المتكبرون من فسادٍ كبيرٍ في الأرض؛ من ظلمٍ وقمعٍ وبطشٍ وعدوان؛ فإذا دققنا النظر جيدًا سنلاحظ شدة براعتهم وتعدد طرقهم الماكرة وأساليبهم الجهنمية فى الإفساد على مر العصور؛ والتى تسببت في إسالةِ الدماء وإشعال نار الحروب والفتن وتدبير المذابح والمجازر؛ لإشباع رغباتهم المتوحشة والنهمة فى تحصيل المجد الشخصي والمال والسلطة والقوة؛ إلا أنهم على الرغم من تفننهم الماكر ودهائهم الكبير فى الإفساد؛ فشلوا بحمق جميعًا فى التعلم من سابقيهم من الأمم درسًا غاية فى البساطة والسهولة؛ كان من الغباء الشديد أن لا يتعلموه؛ وهو العاقبة الواحدة لكل المتكبرين والمفسدين فى الأرض على مر الزمان؛ ألا وهى: استحقاقهم لعذاب الله ولعنهم فى الدنيا؛ فلا يخرجون منها إلا بنهايات مأساوية؛ وغضبه عليهم جل وعلا في الآخرة؛ وحرمانهم دخول الجنة.

فإن كنتم يا متكّبري الحاضر تأبون التعلم مثلهم ممن سبقكم؛ ولا زلتم تعتبرون الآخرين فرائس محتملة لكبركم وغطرستكم؛ فلابد أنكم ستدفعون الثمن غاليًا فى الدنيا؛ وتتحسرون وتعتذورن بعد فوات الآوان فى الآخرة.

فعلى كل إنسان تعلُّمُ هذا الدرس البسيط؛ وهو أن الطاغين المتكبرين فى الأرض مصيرهم واحد لا يتغير مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة؛ إذ يُعذبون فى الدنيا بباطلهم ويهلكون بلا أثر؛ ويُحبط الله تعالى جميع أعمالهم وكأنها لم تكن؛ فلا يُنتفع بها ولا يُرجى بركتها وتذهب أجورها سدى في الدنيا و الآخرة. أما الصالحون المتواضعون من الناس فيبقى أثرُهم ويمكث فى الأرض؛ فيُنتَفع بأعمالهم وتزاد بركتها ويفوزون بأجورها فى الدنيا والآخرة. وهذه سنة الله الثابتة فى كونه؛ والتى لن تجد لها تبديلاً ولن تجد لها تحويلاً؛ مهما اختلف الزمان والمكان.

يقول تعالى في سورة الرعد آية "17"

"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"

صدق الله العظيم


المراجع:

مقالات نفسية ودينية متنوعة

كتاب مدح التواضع وذم الكبر - لعلي بن الحسن أبو القاسم ابن عساكر

كتاب "الكبر" للشيخ محمد صالح المنجد

كتاب الأنا هى العدو (Ego is the Enemy) ريان هوليداي Ryan Holiday

عبد الله قاسم (رسالة ماجستير) جامعة أم القرى

صوتيات للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى

صوتيات للشيخ الدكتور عمر عبد الكافي

صوتيات للشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي

صوتيات متنوعة لأطباء فى علم النفس

كلمات مفتاحية:

فن التعامل مع الشخص المتكبر - فن التعامل مع الرجل المتكبر - فن التعامل مع المتكبر - فن التعامل مع الزوج المتكبر - فن التعامل مع الناس المتكبرين – كيفية التعامل مع الشخص المتكبر - كيفية التعامل مع المتكبر - كيفية التعامل مع المتكبرين - كيف التعامل مع المتكبر - كيف التعامل مع المتكبرين- كيفية التعامل مع المتكبر فى الإسلام- طريقة التعامل مع المتكبر - طريقة التعامل مع المتكبرين - كيفية التعامل مع الشخص المتكبر- كيفية التعامل مع المتكبر والمغرور - تعامل مع المتكبر – التعامل مع المتكبرةالمتكبرين والمغرورين – المتكبرين فى الأرض - المتكبرين ماذا افعل معهم - الرد على الشخص المتكبرصفات الشخص المتعالى - الصديق المتكبر - كيف ترد على المتكبر - فن التعامل مع الشخص المغرور - كيفية التعامل مع الشخص المتفاخر - فن التعامل مع الشخص المغرور - الشاب المغرور – المتكبرون- ماذا افعل مع المتكبر – التكبر على المتكبر - صفات المتكبر - تعريف المتكبر - لماذا التكبر - الكبر والغرور – ما هو التكبرأنواع الكبرالتكبر والغرور على الناس – آفة الكبر والغرور – علامات الكبر والغرور.

التعليقات على فن التعامل مع الكِبْر والمُتكبرين "الجزء الرابع"

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
81132

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري