لماذا نقاوم التغيير؟!
لماذا نقاوم التغيير؟!

البعض منا يقاوم تغيير حياته للأفضل والأحسن، فهو يفضل الوضع المألوف لديه أكثر من الوضع غير المألوف، أو غير المعتاد عليه والذى ستفرزه عملية التغيير، فهو يظن خطأً أن الوضع المألوف هو الوضع الآمن والمستقر، وبالتالى يغريه ذلك على عدم القيام بعملية التغيير وبلوغ أقصى أهدافه فى الحياة.

يقول جيمي كارتر: (من الممكن أن أستقيظ الساعة 9 صباحًا وأكون مستريحًا .. أو أستقيظ 6 صباحًا وأكون رئيسا للولايات المتحدة).


فلماذا نقاوم التغيير ؟!

- نقاوم التغيير .. ذلك لأننا نتوقع السيِّئ من الأمور وأن يسير التغيير فى غير صالحنا أو يترتب عليه وضعٌ أسوأ مما كنا عليه فى السابق.

    إذ أن وضعنا الحالى قد تكيفنا معه، وألفناه وأعتدنا عليه، فماذا لوكان وضعك الحالى يورثك التعاسة والألم؟ ويجعلك ترى الحياة من نافذة ضيقة ومحدودة فتصبح حبيسًا كطائرٍ في قفصٍ ذهبي يقدم له كل يوم طعامه وشرابه ويشعر بالأمن؟! إلا أن هناكَ شعورًا داخليًّا لديه بالألم يخبره بأن العالم واسع ورحب، وبه الكثير من الخيارات وفرص النجاح والوفرة، وأنه يحبس نفسه حتى الآن فى أوهامٍ الأمان الزائف .. لذا فلتقل لهذا العصفور قبل أن يضيع عمره حبيساً لوهم الأمان، ماذا لو مات أو مرض راعيك وأنت لم تكتشف العالم يوماً، أو تأخر بك الوقت فلم تعد تملك الحراك حتى لو كُسر القفص!.. فكر أرجوك .. فكر بعمق.


- الخوف .. إن خوفنا من الفشل فى عملية التغيير يبعدُنا عنه، كذلك خوفُنا من النجاح فيه، إذ أنه قد يترتب على هذا النجاح مهام زائدة ومتطلبات جديدة يجب القيام بها، ونحن نرى ذلك عبئًا قد لا نستطيع مواجهته.

    لذا عليك أن تحترس من الخوف بداخلك! فهو عدو إنجازك ونجاحك، والذى قد يقول لك: "ارجع قد لا تستطيع القيام بكل هذه الأعمال، هذا حملٌ زائدٌ عليك وأنت متعب، الأمر يحتاج للجد وقد تقدم بك السن، لست مؤهلاً لدراسة ما تحب"، فانتبه إلى هذا العدو المستتر والذى يعطل سير مركبك فى الحياة، كذلك يجعلك مستسلمًا حتى الغرق فى ظروف معيشية سيئة بالرغم من قدرتك على التغيير .. لذا اطرد هذه المخاوف اليوم، انفضها عن نفسك، واكتشف ذاتك القوية، وكن مُصراً على النجاح.

يقول أبوالقاسم الشابي في شعره:

ومن يتهيب صعود الجبال ... يعشْ أبد الدهر بين الحُفَر

 

-  الظن الخاطئ بأن التغيير يأتي من الخارج... فنحن نتهرب من تحمل مسئوليتنا عن حياتنا... ونُسقِط كل مشاكلنا وتعثرنا على القوى الخارجية لا على أنفسنا.

والمؤكد أنه لا تغيير يأتي من الخارج مهما فعلت، فالتغيير الفعّال دومًا ما يأتي من الداخل مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). فلا الحاكم القوى .. المنتظر، ولا الجيل الواعي .. القادم، ولا الحالة الاقتصادية المنتعشة، ولا التعليم المتطور .. المأمول؛ بمقدروهم فعل أى تغيير حقيقي فى حياتك مالم تتغير أنت أولاً من الداخل وتقول: "أنا الوحيد المسؤول عن تحسين حياتي مهما كانت الظروف". وتقوم كذلك بأفعال تعضد هذه القناعة من التزام بالأخلاقيات الحسنة والتقوى؛ مع العمل بجد وتحري الحلال.

قال تعالى فى سورة الأعراف:

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) صدق الله العظيم

 

- فشل الاتصال .. أو الجهل بالدور أو العمل المطلوب منك من أجل القيام بعملية التغيير، فأنت لا تعرف ما هو دورك، هل سيكون فى وضع الخطط أو تنفيذ العمل أو الإشراف على النتائج؟.

    لذا فكر كيف تستطيع تنفيذ عملية التغيير براحةٍ وبيُسر، وذلك إما بالاستعانة بالكتب والدورات المتخصصة فيما تريد إنجازه، من خلال جمع المعلومات اللازمة للتعرف على الأعمال التى تريد إنجازها وكيفية أدائها بالشكل الصحيح، أو بسؤال "أهل الخبرة والعلم" .. فاستشرهم ليدلوك على أفضل الطرق والوسائل اللازمة لتحديد الأعمال المطلوبة وكيفية أدائها بالشكل المطلوب لتحقيق أهدافك.

    يقول د. ابراهيم الفقى: (الحكمة أن تعرف الذى تفعله، والمهارة أن تعرف كيف تفعله، والنجاح هو أن تفعله).


- الحاجة للتعاون، فقد يحتاج التغيير إلى تضافر العديد من الأيدى والتنسيق فيما بينها بانسجام وتناغم، وعدم القدرة على تحقيق هذا التعاون والانسجام يجعلنا نقاوم عملية التغيير

كمثال: يحتاج شاب للتوسع في مشروعه الخاص لكن إمكانياته وقدراته الفنية والمالية لا تسمح بذلك، لذا فهو يستعين بشركاء بالمال وشركاء بالخبرة، فإذا لم يكن هناك تعاون وانسجام بين هؤلاء الشركاء أصبح التوسع بإضافة خطوط جديدة فى الإنتاج أو إضافة خدمات جديدة أمرًا صعب التحقيق.

    لذا يجب علينا الاختيار الصحيح لشركاء العمل حتى نحصل على ما نحتاج من دعم ومساندة لإتمام عملية التغيير بنجاح وفاعلية.


- صعوبة تغيير عاداتنا القديمة والتشكُّل بعاداتٍ جديدة .. خاصة إذا كنا كباراً فى السن، وقد أصبح تغيير عاداتنا أمرًا يحتاج منا لمجهود كبير

فلقد أعتدنا مثلاً على وظيفتنا وزملائنا والساعات القليلة التى نقضيها فى العمل، والأعمال التى نكلف بها يوميًّا ونفعلها بسهولة كبيرة، لذا فعندما نحاول تغيير وظيفتنا لوظيفة مرموقة فنحن بصدد تغيير كل ما أعدتنا عليه من ساعات عمل محدودة لزيادة فى ساعات العمل، ومن مهام سهلة للتدرب على مهام أخرى قد تكون أكثر صعوبة، ومن زملائنا الذين تعودنا عليهم لزملاء آخرين لا نعرفهم ولا نعرف هل سنرتاح فى العمل معهم أم لا، لذا فنحن نهرب من تغيير حياتنا بشكل قد نراه جذرى وغير ضرورى، وبذلك نضيع على أنفسنا الكثير من فرص النجاح والترقي في حياتنا .. فهل هذا ما تريده؟ أم أنك تريد انتهاز كل الفرص التي أمامك للحصول على حياة أفضل.


- قد نواجه مقاومة ممن حولنا وإصرار على عدم التغيير .. وذلك لعدم توضيحنا للآخر الفوائد التي سنجنيها من عملية التغيير، وإزالة كافة أسباب القلق والمخاوف

فمثلاً الزوجة قد ترفض الانتقال من مسكنها لمسكن آخر أكثر سعة لعدم رغبتها فى البعد عن جيرانها، أو لابتعاد البيت الآخر عن بيت أهلها؛ فتعارض زوجها وتقاومه بإصرار وترفض الانتقال لبيت آخر، وخوفًا – من جانب الزوج – من تدهور العلاقات بينه وبين زوجته نتيجة لهذا التغيير الذي يريده ولا تريده زوجته؛ فإنه يعدل كذلك عن عملية الانتقال وتغيير السكن، ونسى هذا الزوج الحوار البناء مع زوجته وتوضيح مزايا الحصول على بيت كبير وأوسع لكلٍّ منهما ولأطفالهما.

    إن تفاهم الزوج مع زوجته ومحاولة إقناعها كان سيؤتى ثماره بكل تأكيد، ويُنهي مقاومتها للتغيير. لكن ترك الأمر هو ما عطَّل تقدم هذه الأسرة وعطَّل نموها معيشيًّا للأفضل.


- توطين أنفسنا على "البلادة" أو بمعنى آخر اعتياد الشعور بالسوء دون حراك ودون إعتراض

    فلم يعد الوضع السيِّئ يسبب لنا الألم أو التعاسة، فلماذا نتحرك ولماذا نخاطر ولا شئ يدفعنا لذلك، ولماذا نُقدم على التغيير ونحن لا نشعر بألمنا؟!، وهذا أخطر شيءٍ يهدد تقدُّمنا وحصولنا على الحياة التى نرغبها ونستحقها.

تقول هيلين كيلر: (الحياة مغامرة ذات مخاطر أو هى لا شيء على الإطلاق).

    لذا يجب أن ندرك أن ما نفعل هو ظلمٌ للنفس، وإهدارٌ لحقها فى حياةٍ أفضل وسعادة أكبر، ولتعلم أنك قادرٌ على العدول عن الإحباط والشعور بالخوف والبدء فى عملية التغيير بشجاعة، فلقد أودع الله سبحانه وتعالى كلَّ ما تحتاجه بداخلك. وقد جرَّبت قبلاً أن تعيش مُكبَّلاً بمشاعر الرضا الزائف والإحباط والتي جعلت منك بائسًا وتعيسًا، فلا تقل لى إنك كنت مستمتعًا وأنت تشاهد حياتك واقفةً بلا حراك، بل وتراقب أحلامك وأهدافك وهى تتراجع إلى الخلف ويسبقك الجميع، وأنت متكيف مع هذا الشعور المؤلم، وكأنك مريض أمامك العلاج ولا تمد يدك لتأخذه.

    عزيزي القارئ: عليك أن تعلم أن نواحيَ النقص فى حياتك منك أنت ومن صناعة يديك، ذلك لأنك اخترت بوعى هذا النقص بعدم قدرتك على اتخاذ قرار التغيير والنهوض بحياتك للأفضل والأحسن، فإذا لم يكن لديك الرغبة الآن فى خوض تجربة التغيير وتحريك حياتك لمستوى أفضل من السعادة والرخاء، فقل لى متى ستقرر هذا القرار؟! فالوقت قصير لا يتسع للتردد، والعمر ينصرم دون أثر تتركه وراءك، والخير كل الخير أن تقهر ضعفك اليوم وتقدم على التغيير بشجاعة.

فما هى الحياة التى تختارها لنفسك؟! عليك أن تقرر هذا من اليوم.


    يقول د.طارق السويدان: (أكثر الناس ينتظرون شيئا ما ليتغيروا، وآخرون يتغيرون عندما تحدث لهم صدمة، أو تتغير أدوارهم في الحياة، لكن أعظم التغيير هو التغيير المقصود الواعي النابع من التأمل و الإرادة و الشعور بالمسؤولية). 

رابط نشر المقال في مجلة الأهرام العربي السنة 22 - العدد 1150


التعليقات على لماذا نقاوم التغيير؟! (5)

جمال حسين تاج الدينWednesday, May 1, 2019

ماهذه الروعة ؟!!! لقد قرأت مقالات كثيرة فى التغيير لكني لم أجد أفضل من هذا المقال أو لنقل هذا البحث الرائع فى التغيير. شكرا جزيلا

محمود سامرSunday, March 31, 2019

موقع رائع

باسلهFriday, December 23, 2016

هل يعتبر التاقل مع عدم التغيير مرض ولو عندي المعرفه ولا توجد ارادة تتدفعني وتعرقلني الامبالاه فماذا افعل. ............. رد: باسلة لم أفهم سؤالك "التاقل"؟ أرجو التوضيح. تحياتي

AliFriday, November 13, 2015

شكرا لمن بذلوا وقتهم الثمين من اجل نجاح اﻵخرين. ............... رد: شكراً لتعليقك الطيب. تحياتي وتقديري

احمد عبد الحميد فراجTuesday, March 12, 2013

انا الوقتى غيرت من نفسى واقلعت عن حاجه مضره ليا دينياو صحيا واقتصاديا بسبب او عشان هخسرش الشخص ده . او عشان الشغل ده.دواليك !!!!!! هل التغير ده لغير الله ؟ مع ايجابية التغيير دينيا و صحيا وفى الاخر الماده بالله عليك الرد . لو اى حاجه اعرف ان فيه رد يبقى جميل منك .شكرا ................ رد: إذا كانت نيتك أن تقلع عن هذا الشئ المضر لإسعاد إنسان آخر والمحافظة على علاقتك معه فهذا شئ مطلوب ومحبب -فقط- جدد نيتك بإن يكون ما تفعل لوجه الله تعالى وفى سبيل مرضاته، وراقب نيتك هذه وأعمل على تصفيتها دائماً من أية شوائب حتى تفوز بأجر الدنيا والآخرة. وطبق تجديد النية على الوظيفة كذلك. وما دمت تفكر فى إصلاح نيتك بالداخل فهذا دليل على وجود نور الإيمان مشرقاً بقلبك وسيهديك دوماً بفطرتك السليمة وبحب ومخافة الله تعالى فأطمئن. يقول تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وفقك الله دائماً لكل ما يحبه ويرضاه. تحياتي

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
10133

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري