مقالات فى فنون إدارة الحياةمقالات الوعى › فن التعامل مع الكِبْر والمُتَكبرين "الجزء الأول"

فن التعامل مع الكِبْر والمُتَكبرين

سلسلة فن التعامل مع الكبر والمتكبرين - أربعة أجزاء: "الجزء الأول"

الكِبْر هو العظمة والتجبر؛ وهو أول ذنب عُصِيَ به الله تعالى ... فهو سيد جميع الخطايا. وهو من أخطر أمراض القلوب وأشدها إهلاكًا؛ إذ ينزع عن صاحبه خُلُق اللين والرحمة والرفق والتواضع ليلبسه خُلُق الاستعلاء والقسوة والغضب والعند، كما يفقد صاحبه زينة العقل والعلم والموضوعية ويسلمه لقبح الحمق والجهل والذاتية. فيحجب هذا الإنسان لكِبْره عن معرفة الله أو القرب منه، ذلك أنه لو كان عرف الله حقًّا فى كبريائه وعلوه وكماله لتضاءل أمامه مهما صعد وارتفع، لإدراكه بجلاء أن هناك من هو أعلى منه، فما استطاع أن يتكبر.

وفى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عرَّف الكبر بقوله: "الكبرُ بَطرُ الحق، وغمط الناس" رواه مسلم. وبطر الحق أى رفضه والاستهانة به؛ والاستعلاء عن قبوله من غيره؛ وغمط الناس أى الترفع عنهم واحتقارهم واستصغارهم وازدرائهم.

والكبر يرتبط دون شك بقلة الإدراك والجهل، فكلما قل إدراكك وعلمك زاد - بالتبعية - كِبرُك. فالعاقل يعلم أن الكبرياء لا يليق بالبشر؛ فهو صفةٌ من صفات الجلال الخاصة فقط بالله تعالى؛ والتي لا يمكن أن ينازعه فيها كائنٌ مَنْ كان، وفى سورة غافر آية "56" يقول تعالى عن خَلقهِ المستكبرين: "إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" وكيف يبلغونه؟! وقد خلقهم الله تعالى ضعفاء؛ ففي سورة النساء آية "28" يقول تعالى: "وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا".

 ثم قال محمد بن الحسين بن علي:

"ما دخل قلبَ امرئٍ شيءٌ من الكِبْر قطٌّ إلا نقصَ من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلَّ أو كثر"

والكبر ثلاثة أنواع:

النوع الأول: الكبر على الله ورسوله: فلا نطيع الله تعالى فيما أمر وفيما نهى، فإذا ذُكِّرنا بآياته تعالى لا نقبل أحكامها ونستخف بمعانيها، كما قد نرفض كذلك اتباع رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ونشكك فى الأحاديث الصحيحة؛ ونزعم أنها لا توافق العقل؛ وكيف توافق عقل من لا يعقل؟! وبذلك نُخرج أنفسنا من "جنة الطاعة" لنسلمها "لجحيم الكِبر" .. فنخرج عندها من حظيرة الإيمان.

النوع الثاني: الكِبْر على خلق الله: فننظر للناس نظرة دونية وكأنهم ليسوا شيئًا؛ وأننا فوقهم؛ فنحتقرهم ونقلل من احترامهم. فيُعاملنا الآخرون كما نعاملهم؛ فنتعجب كيف يعاملوننا كما نعاملهم! ولا عجب فى ذلك على الإطلاق .. فالجزاء دومًا ما يكون من جنس العمل.

مقولة من كتاب بداية جديدة - أماني سعد

"الغريب أنه يطلب التقدير، وهو لا يقدر أحد! والمحير أنه يتسائل: لماذا لا يأخذ ... مالا يعطيه!"

النوع الثالث: الكِبر على الحق: بالاعتزاز بالنفس والرأي؛ والتمسك بالعند والمكابرة؛ ورد الحق وعدم قبوله إذا خالف منطقنا وهوانا؛ على الرغم من توافر الدليل على خطئنا.


 والآن تعالوا نتعرف على الفرق بين الكِبْر والعُجْب والغرور.

 فالكبر شعورٌ يتعلق بالنفس فيجعلنا نتعالى على غيرنا من الناس ونحتقرهم؛ اعتقادًا منا أننا أعلى منهم فكرًا أو مقامًا أو شرفًا؛ أو أننا فوقهم لما لنا من فضلٍ ومنةٍ عليهم. ولسان حال المتكبر يقول: (أنا خيرٌ منه) وما أدراك أنك خيرٌ منه؟! فأنت لا تعلم سر الله فى خلقه؛ وليس لك أن تحكم على مالا تعلمه؛ فالحكم لله وحده .. والذي يكون معيار التفاضل عنده تعالى في خلقه التقوى والالتزام بمنهج الله، لا المال ولا العلم ولا القوة ولا الذكاء ولا النسب ولا الشهرة.

 يقول تعالى فى سورة الحجرات آية "11"

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

صدق الله العظيم

أما العُجْب فهو شعورٌ ناتج عن استعظام العمل والإعجاب به فيعجب الإنسان بنفسه ويشعر بالتميز نتيجة عمله وإنجازاته؛ ولوجود أشياء عنده ليست عند غيره؛ إلا أن هذا الإعجاب داخلي لايتكبر به على الآخرين. غير أنه نتيجة هذا العجب تكون دائمًا غير حميدة؛ إذ يكتفي الإنسان بنفسه ويستغني عن الآخرين رغم حاجته إليهم؛ بل ويسيء الظن بهم؛ مما يجعله بعد فترة منعزلاً وحيداً وقد خسر مع الأيام أكثر علاقاته أهمية له. كما تراه يكرر باستمرار أخطاءه لأنه لا يريد الاستفادة من أخطاء الآخرين أو نجاحاتهم. وفى أغلب الأحيان يتحول العُجب بمرور الوقت إلي الكِبر.

أما الغرور فهو شعور الإنسان المبالغ فيه بالتميز عن غيره في الإمكانيات والقدرات على الرغم من عدم وجودها أصلاً؛ إذ أنه يتوهم شيئًا فى نفسه ليس يملكه؛ وهو بذلك يُجانب الموضوعية ويكذب على نفسه لأنه ينكر حقائق الأمور، فهو إما أن يرى نفسه فوق الناس، أو يرى الناس من دونه. فإذا نزعت الغطاء عن ذاته وجدته أجوفَ فارغًا من الداخل، مع أنه يريد أن يكون وجيهًا بين الناس .. بما يتوهم غرورًا أنه يملكه.

والمغرور دومًا حاقدٌ على نجاحِ غيره، رافضٌ الاعتراف بعجزه وتقصيره في تنمية وتطوير مهاراته وقدراته، حتى ينتهي مشوار حياته بلا أية نجاحات أو إنجازات تُذكر؛ ثم تراه بعد فوات الآوان يتفاجأ بما لم يتحقق؛ مع أنه لم يُقدم شيئًا يُذكر لفعل ما يصبو إليه، وكأن المفروض أن يأتيه كل شيءٍ على طبقٍ من ذهب دون جهد أو عناء؛ لمجرد أنه يَعتبر نفسه مستحقًا له وجديرٌ به. وقد كان الأجدر به اتخاذ موقفٍ إيجابي بمنافسة الناجحين؛ والعمل على تحسين نفسه وقدراته؛ والدعاء لله أن يعينه على تحقيق أهدافه؛ بدلاً من اللجوء للفخر والاختيال والغرور.

يقول تعالى فى سورة لقمان آية "13":

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

صدق الله العظيم


 المراجع:

كتاب "الكبر" للشيخ محمد صالح المنجد

كتاب الأنا هى العدو (Ego is the Enemy) ريان هوليداي Ryan Holiday

عبد الله قاسم (رسالة ماجستير) جامعة أم القرى

صوتيات للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى

صوتيات للشيخ الدكتور عمر عبد الكافي

صوتيات للشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي

مقالات متنوعة

كلمات مفتاحية:

فن التعامل مع الشخص المتكبر - فن التعامل مع الرجل المتكبر - فن التعامل مع المتكبر - فن التعامل مع الزوج المتكبر - فن التعامل مع الناس المتكبرين – كيفية التعامل مع الشخص المتكبر - كيفية التعامل مع المتكبر - كيفية التعامل مع المتكبرين - كيف التعامل مع المتكبر - كيف التعامل مع المتكبرين- كيفية التعامل مع المتكبر فى الإسلام- طريقة التعامل مع المتكبر - طريقة التعامل مع المتكبرين - كيفية التعامل مع الشخص المتكبر- كيفية التعامل مع المتكبر والمغرور - تعامل مع المتكبر – التعامل مع المتكبرةالمتكبرين والمغرورين – المتكبرين فى الأرض - المتكبرين ماذا افعل معهم - الرد على الشخص المتكبرصفات الشخص المتعالى - الصديق المتكبر - كيف ترد على المتكبر - فن التعامل مع الشخص المغرور - كيفية التعامل مع الشخص المتفاخر - فن التعامل مع الشخص المغرور - الشاب المغرور – المتكبرون- ماذا افعل مع المتكبر – التكبر على المتكبر - صفات المتكبر - تعريف المتكبر - لماذا التكبر - الكبر والغرور – ما هو التكبرأنواع الكبرالتكبر والغرور على الناس – آفة الكبر والغرور – علامات الكبر والغرور.

التعليقات على فن التعامل مع الكِبْر والمُتَكبرين "الجزء الأول" (1)

محمد عبداللهTuesday, June 16, 2020

شكرا للدكتورة أماني سعد وأتفق معها فيما كتبت عن الكبر في هذا المقال الرائع والدسم.وأزيد على ذلك أن من علامات الكبر هو عدم شكر الناس على أداء المعروف، وكذلك الجدل المستميت في اثبات وجهة النظر الشخصية دون ترك مساحة لسماع لوجهة نظر الاخرين المخالفين في الرأي. هذا في اعتقادي وأرجوا ان أكون قد حالفت الصواب فيما رأيت.بارك الله في الكاتبة الدكتورة أماني وزادها علما وحكمة ونفعها ونفع الناس بها أمين. ............................................ رد: شكراً أ.محمد لتعليقك الطيب وإضافتك المفيدة، كلامك صحيح؛ وستجد فى الجزء الثالث من المقال تأكيد لكلامك من أنهم لا يتقبلون أن يخالفهم أحداً فى الرأى؛ كما أنهم لا يشكرون المعروف لظنهم أنهم مستحقين له وليس للآخر منة فى ذلك. خالص تحياتي

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
71234

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري