مقالات فى فنون إدارة الحياةمقالات الوعى › انصحني . ولكن برفق! الجزء الثاني

انصحني . ولكن برفق! الجزء الثاني

انصحني .. ولكن برفق! الجزء الثاني

    لا يمكن القبول باختفاء النصيحة من حياتنا! فنحن وللآسف لم نعد نقدّمها أو نتقبّلها؛ حتى بتنا لسنين لا نفتقدها رغم الغياب الطويل. وليس المحزن غياب النصيحة، إنما المحزن حقًا ظننا بعدم إمكانية عودتها مجددًا لتؤدي دورها فى الإصلاح. فالكثيرون منا باتوا يعتقدون أنه لا جدوى من النصيحة .. إذ تنفُر النفوس منها وتتهرب؛ بل ويعتبرها البعض هجومًا وإنتقادًا وتقييدًا للحريات. ولو أنهم أعطوها فرصة الظهور وشجعوا على عودتها؛ باتباعهم بعض أخلاقيات وآداب النُّصح؛ فسيدهشهم بالتأكيد الخيرات التى ستجلبها؛ والتغيير الإيجابي الكبير الذي بإمكانها إحداثه لإصلاح ورقى مجتمعاتنا.

    وفى الجزء الأول من مقالنا (انصحني ولكن برفق) ذكرنا ضوابط النصيحة الطيبة، والتي تتزين بأخلاق الإسلام، وعرضنا فيها لـ "آداب الناصح". ذلك ليتمكن الجميع من النُّصح؛ وليتقبل الآخرون النُّصح بصدرٍ رحب. ولكي نضمن إن شاء الله أن يتم ذلك بسلاسة تامة؛ سنعرض فى الجزء الثاني من مقالنا لـ "آداب المنصوح" ليكتمل فى آذهان قرائنا الكرام الموضوع من مختلف جوانبه؛ ويتسنى لهم إعطاء النصيحة الأمينة بثقة؛ وتقبُّل الآخرين أيضًا لنصيحتهم بترحاب بإذن الله.

وفي سورة آل عمران قال تعالى فى وصف أمة الإسلام:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)
صدق الله العظيم

فما هي آدابُ المنصوح؟

    لعلنا جميعًا ندرك أن الغلظة والقسوة لا يصلحان ليكونا سبيلاً للدعوة إلى الخير أو إلى المناصحة لله، فالغلظة والقسوة لا يولدان إلا الشحناء والبغضاء بين المسلمين؛ أما الرفق واللين والأدب فيجب أن يكونا سبيل الناصح والمنصوح على السواء لنشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيسر فى مجتمعاتنا الإسلامية. فكم من أبواب شرٍّ فُتّحت؛ وكم من أبواب خيرٍ غُلّقت؛ وكم من بشرٍ حبسته العزة بالأثم عن قبول الحق والصواب؛ نتيجة لأسلوب التطاول والتهكم والاستهزاء المصاحب للنصح. لذا وجب التزام المنصوح ببعض الآداب التى توفر بيئة صحية تضمن للنصيحة أن تؤتي ثمارها الطيبة على الدوام.

•استشارة أهل العلم والخبرة الثقات دون غيرهم
    فلا يطلب من الجهلاء استشارة أو من حديثى الخبرة، أو ممن ليس لديهم رصيد من التجارب فى ذات الأمر الذي تطلب فيه النصيحة. فالنصيحة يجب أن تكون من العاقل الحكيم والأمين .. المستقيم على منهج الله تعالى، والذي يعطي نصيحته عن دراية وعلم وخبرة .. حتى لا يُضر أحدٌ من النصح.

•الصبر على الناصح حتى يوصل نصيحته كاملة
    يفوت الناس بعض الخير أو الخير كله فقط لأنهم لا يصبرون حتى ينتهي الناصح من إسداء نصيحته. فلو أنهم صبروا قليلاً لاستطاع الناصح إيصال فكرته ونصيحته كاملة، ولتفادوا بنصحه الكثير من الأخطاء والزلل. إن الصبر والاستماع لمن ينصحك ضرورة .. حتى لا يفوتك الدعم الذي قد تكون فى أمس الحاجة إليه دون أن تعلم؛ وذلك نتيجة لعدم استماعك، وبخاصة إذا كانت هذه النصيحة من كبير السن أو ذوي الخبرة .. بما قد يوفر عليك الكثير من الوقت والجهد والسعى الطويل. 

•قبول النصيحة والشروع بتنفيذها
    من المهم أن يتقبل المنصوح النصيحة بصدرٍ رحبٍ ودون ضيق، أو تكبر، بل وينفذها على أحسن وجه. فالجدوى من النصيحة أن تمنع خطأً أو إثمًا أو تنشر فضيلةً وخيرًا، لذا فتقبلك لها بكل حالاتها سواء كانت بالحث على العمل أو حتى تركه، سيثمر نفعًا لك ولمجتمعك كذلك.

•محبة الناصح واحترامه
    فالناصح ينصحك لوجه الله تعالى؛ يريد بنصيحته الخير لك كما يريده لنفسه، وهو لا يطلب منك أجرًا أو مقابل لنصيحته؛ كما أن نصحه قد يساعدك فى تسديد خطواتك؛ ويرشدك إلى ما ينقصك لإكماله .. فيصلح أمرك وتسعد فى حياتك. لذا وجب عليك أن تقابل كل هذا الاهتمام والمودة .. بالحب و الاحترام والتعظيم. 

•شكر الناصح والثناء عليه والدعاء له
    إن الاعتراف بالفضل للناصح وشكره والثناء عليه والدعاء له يفرحه ويدخل السرور على قلبه؛ حيث أن الله تعالى وفقه بجعله سببًا للخير ومانعًا للشر عن إخوانه. كما أن مكافأة الناصح على فعله تزيد الألفة بين المسلمين، وتشجع على مداومة النصيحة .. فيصلُح المجتمع ويعم الخير الجميع. قال صلى الله عليه وسلم: «ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» (رواه أحمد، وأبو داود، وصحَّحه الألباني).

    كتبت هذه الأجزاء لما رأيته من السلبية والانهزامية المخجلة فى تجاهل الناس لتغيير ما يرونه من أخطاء؛ ولما أحزنني من غياب ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مجتمعنا الإسلامي .. مع أن ديننا النصيحة. ونتيجة لذلك السلوك اللامبالي كثُر الفساد وانتشرت الفواحش و خيم الظلم والعدوان على مجتمعاتنا؛ وكلٌّ يقول: (ليس بيدي شيء - أخاف أن أضر - لا يجدى النصح مع هذا الفساد) لذا وجب عليَّ وعليك أيضًا التحرك الآن لتغيير هذا الأمر؛ والتعاون بيننا لرجوع هذه الثقافة فورًا .. ليس فقط لإثبات خطئهم وصناعة الأمل؛ بل - أيضًا - لإصلاح كافة ما يمكننا إصلاحه؛ لنقوم بالحفاظ على مقدراتنا وحياتنا من الهلاك .. والله المستعان.

    وأنا أغير بلساني وبيدي وبقلبي ما استطعت. فمن منكن سيداتي الفضليات سينضممن إليَّ؟! لنغير من اليوم كل مالا يرضي عنه الله تعالى، ومن منكم سادتي الأفاضل سينضمون لفريقنا؟! ليغيروا من اليوم كل ما يخالف شرع الله. نحن نعتمد على فريقنا الهمام الآن ليعود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ ليصلح مجتمعنا الإسلامي كما أمرنا سيد الخلق. فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم.
    سجلوا فى التعليقات ما غيرتم فى مجتمعكم لتنشروا الفعل الإيجابي؛ ودفقة الحياة فى شرايين إخوانكم؛ ليحذوا حذوكم. أخرجوهم من دائرة الاستسلام لظروفهم وأحزانهم ويأسهم وأدخلوهم فى دائرة التغيير؛ وصناعة الأمل؛ والعمل دومًا لغدٍ أفضل .. كلنا يعتمد عليكم الآن.

    تابع معنا (متى لا نقبل النصح؟) في الجزء الثالث من مقال: (انصحني .. ولكن برفق)
التعليقات على انصحني . ولكن برفق! الجزء الثاني

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
71432

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري