مقالات الوعىأسلوب الحياةالمعرفة والوعى › من يجيب على زويل ؟ «هل كوننا عربا هو المشكلة، أم لأننا مسلمون ؟».

من يجيب على زويل ؟ 
«هل كوننا عربا هو المشكلة، أم لأننا مسلمون ؟».
طرح هذا السؤال الحزين والحائر، هو العالم المصري «النوبلي» احمد زويل، ضمن فعاليات زيارته الأخيرة للرياض، طرحه في محاضرته بجامعة اليمامة في العاصمة السعودية.

طرحه في سياق التفتيش عن تفسير مقنع لإخفاق المسلمين والعرب في المشاركة، ولو بنزر يسير، في النهضة العلمية العالمية التي تتوزع من غرب الأرض إلى شرقها، من اليابان إلى أمريكا، مرورا بينهما، باستثناء الجغرافيا المسلمة والعربية.

الدكتور زويل بادر بالجواب، وأشار إلى أن العربي الفرد ينجح في الغرب إذا توافرت له أسباب النجاح: «كما أن ربط المشكلات بالإسلام من الخطأ، لأن المسلمين الأوائل تربعوا على عرش العلم»، كما نقلت عنه صحيفة «الحياة» الأحد الماضي 6 يناير.

زويل، وهو الذي انهالت عليه الاستشارات من حكومات عربية للمساعدة في النهضة العلمية والبحثية، من مصر إلى السعودية وغيرهما، مركز تماما على هذه المشكلة: لماذا نحن متخلفون علميا؟، لا يفتأ من ترديد التأكيد على غياب الجو الملائم للبحث العلمي في العالم العربي، وهو، وهذا يحسب له حيث اعترف بالفضل لأهله، أشار إلى انه لولا توفر حرية الإبداع له في أمريكا لما تقدم هو علميا.

هل يمكن فصل مشكلة التخلف العلمي عن سواها من مشكلات الحرية والإبداع في العالم العربي؟ أم أن مشكلة الموات العلمي ليست إلا جانبا من جوانب الموات الكبير في كل مجال...؟

الغرب ليس ناهضا علميا وفي مجال البحث العلمي فحسب، بل هو ناهض أيضا في الأدب والفنون والهندسة والرياضة والسياسة والحريات... فليست نهضة وازدهار المناخ العلمي والأبحاث إلا جانبا من جوانب «روح النهوض».

وما وصل الغرب إلى هذه القمة الذهبية في العلم والتكنولوجيا إلا بكفاح فلسفي وسياسي واجتماعي طويل، هذه هي الحقيقة المعروفة والمدونة في كتب التأريخ التي سلطت الضوء على كل المخاضات والصراعات التي مرت بها مسيرة الروح الحضارية في الغرب.

إن مشكلة التخلف العلمي لدى المسلمين والعرب حقيقية وكارثية، وفي إحدى المجلات العلمية المتخصصة «نيتشر» أوقفت عددها لشهر نوفمبر 2007، عن هذه المشكلة وقالت المجلة في افتتاحيتها: «إن العالم الإسلامي يتسيد الأخبار في شتى أنحاء العالم (...) ومع ذلك فهناك غياب تام لأي نقاش رسمي او شعبي لقضية العلم والمعرفة.

ويلاحظ الكاتب السعودي يوسف الصمعان («الشرق الأوسط» 3 مارس 2007) أنه: «من أجل ولادة الحالة العلمية ونموها ولخلق مجتمع ينشد المعرفة، نحتاج إلى التفكير الحر والموضوعي، بل وتشجيع العقلية النقدية، وهذا ما لا توفره الجماعات الإسلامية داخل أطرها الحركية، فضلا عن المجتمع من حولها».

أعرف ان هناك من يقول إننا لسنا مضطرين إلى تقليد غيرنا والى أن طبيعة الصراع بين قوى التخلف وقوى التقدم في أوروبا ليس مشكلة لنا، فديننا لا يصارع العلم كما كان الأمر في الكنيسة، إذن فمشكلة العلمانية مستوردة من الغرب إلينا... الخ

ورغم أننا نتحدث عن الثقافة التي سادت تفسير الدين الإسلامي، في مراحل تاريخية، وليس عن الدين في جوهره، ورغم الذكاء المبذول في التفريق بين طبيعة الإشكال التاريخي بين التخلف الإسلامي والتخلف الغربي، لكن كل ذلك محاولة غير كافية لإقناع المراقب بالكف عن المقاربة والتشبيه بين حكاية تخلفنا وحكاية تخلفهم، وطريقة خلاصهم وطريقة خلاصنا، على الأقل فالموضوع جدير بالتأمل المرتاح وليس بالدفاع الخفيف والمستعجل.

أكثر شيء مثير في جدالات التخلف العلمي لدى المسلمين قول البعض بفخر «محزن»: نحن الذين أخرجنا الغرب من تخلفه، ومن طريقنا اقتبس جذوة النور، فبسبب شروحات ابن رشد على أرسطو، ومنطقه في التوفيق بين الحكمة والشريعة، وضع الحكماء اللاتينيون أرجلهم على مسار الصعود التتابعي، ومنا ابن سينا ومن ابن النفيس ومنا علماء الفلك الكبار...

كل هذا الكلام جميل، ولكن لدي سؤال وجيز ومباشر: لماذا أثر هؤلاء في الغرب ولم يؤثروا في قومهم؟

هل كنا نحن ـ قوم وأمة هؤلاء العلماء ـ من يرفض أخذ مشعل العلم من أيديهم وإضاءة كهوف الجهل؟

تخيلوا معي: لو أن علماء المسلمين أيام الغزالي (توفي 505 هـ)، أو ابن تيمية (توفي 728هـ)، وصلوا إلى قانون نيوتن الحركي، أو أسسوا المنطق العلمي التجريبي، أو أنهم رأوا مارآه غاليليو أو كبلر، أو كوبرنيكوس، في الفلك.. كيف كان سيكون وضع العالم الآن؟ وكيف كانت ستكون ثقافتنا العامة، وهل كان التوتر والنزق النفسي والتوجس من الانفتاح هو الحاكم على أنفسنا، ذلك التوتر الذي ينتج لنا تيارات متوترة وشخصيات تؤسس للانعزال والحرب مع كل العالم، وجمهور محبط يبحث عن هؤلاء؟

هذا الحلم لم يحدث، وظللنا منذ قرون وقرون ونحن لا نحتفي في تاريخنا إلا بالخلفاء والفقهاء والشعراء، ولا اعتراض على الاهتمام التاريخي بهذه الطبقات، ولكن لماذا لم نعرف علماء الطبيعيات، أو نظرية بن خلدون في الاجتماع والعمران، إلا حينما أعيدوا لنا من خلال اكتشافات المستشرقين لهم ؟

الأزمة أعمق من حصرها في الإنفاق على الأبحاث والعلم، مع أهمية هذا الأمر، وتعاسة وضعنا الإحصائي فيه، مقارنة بدولة إسرائيل فقط! ولا في التغني بعلماء المسلمين، وكان أسلافنا ينبزونهم بالمروق والضلال، ولكن في وضع السؤال الحقيقي على الطاولة .

في كتاب متين، هو كتاب «أوهام الإسلام السياسي»، كتبه بالفرنسية عبد الوهاب المؤدب وترجمه للعربية محمد بنيس، ونشرته «دار النهار»، يطرح المؤلف هذه المشكلة التي نتحدث عنها ويطرح عدة أجوبة لتفسير مغادرة الروح الحضارية للمسلمين، والعرب خصوصا، ويشير إلى أن التفوق العسكري والسياسي والاقتصادي الإسلامي في العالم كان واضحا منذ القرن الثامن إلى الحادي عشر يوم كانت أوربا في سبات التخلف لكن الحملات الصليبية التي دامت قرنين من 1099 إلى 1270 م جاءت لتجعل المدن الايطالية (جنوى، بيزا، البندقية) مراكز القوة، وتكسر حدة الاحتكار الإسلامي للتجارة المتوسطية.

وينقل المؤدب عن ندوة شارك فيها بالحوار مع مؤرخ علم الفلك ند العرب ريجيس موريلون النظرية الكمية التي قال بها الأب البرازيلي الواسع الثقافة بالعرب والتاريخ الإسلامي، إن الحضارات الكبرى تخرج عن مدارها في مدى خمسة قرون، وهذه الحركة الدورية تنطبق على المسلمين وحضارتهم الذين عرفوا ذروة تقدمهم من عام 750 الى 1250 ميلادي، ثم تواصلوا بضعة قرون أخرى بقوة الاندفاع وضعف المنافس.

هذا عن بعض التفسيرات الغربية للفوات الحضاري الاسلامي، ولكن هناك محاولات إسلامية للخروج من التخلف واللحاق بالقوة العلمية والحضارية، وأبرزها محاولة محمد علي باشا الذي حكم مصر قرابة نصف قرن من 1805 إلى 1848م، وبذل المال في توطين التقنية وبعث الطلاب إلى أوربا، وحدث الجيش وطور نظم الري وأنهض صناعة القطن والسكر وشيد البنية التحتية، ولكن كان حصاد تجربته الإخفاق، وظلت مصر، كما غيرها من العرب في وضعية التبعية التقنية والعلمية. فلماذا اخفق مشروع محمد علي ونجح مشروع اليابان، وهي التي بدأت مشروعها بعده بكثير، حيث كانت البداية اليابانية في عصر «الميجي»، أو الحكومة المستنيرة 1868م.

البعض يرجع سبب إخفاق تجربة محمد علي إلى تحجيم الغرب له ومنعه من مواصلة المشوار، أي إلى سبب خارجي، في حين يرى آخرون أن تجربة محمد كانت ناقصة على صعيد التنوير والتحديث الاجتماعي والسياسي والفكري، أي أنها كانت تجربة مشغولة فقط بالشق العسكري والعلمي التقني، وما شابه.

على كل حال يبقى سؤال النهضة العلمية الغائبة، وإن أردنا تعميق الجملة لنقل، النهضة الحضارية المغيبة، يبقى هذا السؤال الكبير معلقا بلا إجابة، ورغم التوجهات الأخيرة لدى بعض الدول العربية في تنشيط حركة البحث العلمي، ورغم تزايد المبتعثين إلى الغرب، ورغم الأخبار ـ القليلة ـ الني نسمعها عن اجتهادات أفراد نابغين في البحث والاختراع، ورغم أسماء مثل زويل ومنير نايفة ومجدي يعقوب وزها حديد، رغم كل ذلك إلا أن هذه اللمحات تبقى بلا تأثير حقيقي ولا نجاعة ملموسة، بسبب كونها حالات «انبتاتية» أعني منبتة، عن الوضع العام . حاصل الحكاية المحزنة أن «الروح» الحضارية ليست عندنا، يجب أن نعترف بذلك، وحتى لو لم نعترف فهذا هو الواقع، شواغلنا ما زالت بعيدة عن تلبية نداء الروح الحضارية التي غادرتنا وولت ظهرها لنا، وربما تصغي لنا مرة إذا أحسنا الإصغاء اليها، وكففنا عن الضجيج حول الخوف على الهوية والغزاة الذين يريدون اجتثاث «حضارتنا» الحالية !

الكاتب: مشاري الذايدي - "الشرق الأوسط"

التعليقات على من يجيب على زويل ؟ «هل كوننا عربا هو المشكلة، أم لأننا مسلمون ؟».

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
71542

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري