..اكاد اجزم انها المرة الاولى وادعو الله ان تكون الاخيرة التى ارتكب فيها ذنب غير مقصود ويغلب على تصرفى القسوة وربما الحده وانسى قول الله تعالى"ان كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك" لكن كان هناك مبررا..
كان اليوم المفتوح فى مدرسة ابنتى المعاقة سمعيا والتى انعم الله عليها بنعمة القتال مع الحياة والبشر..
توجهت الى المدرسة مثل اى ام تستمع الى ثناء المعلمات على تفوق ابنتها وفى نفس الوقت تستمع ايضا الى همسات الامهات وهى تعاتب بناتهن لكونهن لم يحققن نفس المعدلات وتكون الجملة المتكررة"الصمخه افضل منكم" لا تسمع وتتفوق عليكم..
كان شعورى مختلف بدلا من ان اسعد بأن المقارنة مع الاسوياء فى صالح ابنتى، غلب على نفسى الضيق ،ربما من الكلمات المستخدمه.. حتى وان كان ضيق غير مبرر لكنه كان الشعور المسيطر ..
كنت انشد الخروج من المدرسة واستوقفتنى احدى الامهات ،كانت تحدثنى وعيونها تراقب ابنتى وكأنها تختزن كل تصرف لها وكل كلمة ينطق بها لسانها، سألت بأسلوب يوضح انها انسانه بسيطة لم تنل من التعليم القدر الكافى المؤهل لحوار راقى ،عشرات الاسئله تطرحها وكانت تتعمد استخدام يدها فى توضيح مضمون الاسئلة حتى تزاحم الاهل حولنا ،فأصبت بضيق اكبر .
كانت الاسئله بالطبع حول ابنتى وعن اسباب الاعاقة والتأهيل والدمج فى التعليم، للاسف دون ان ادرى اجبت بشكل مقتضب وبأسلوب جاف وجارح وغادرت المكان .
رحمه رب العالمين دفعتنى الى اختلاس نظرة الى تلك الام ووجدتها تبكى..
جلست فى السيارة غير قادرة على قيادتها ،لاراجع نفسى وألومها ،اعاتبها ،اعنفها واتسأل عن سبب ضيقى وثورتى ورفضى للاصغاء الى تلك الام ،قررت ان اعود إليها مستفسره عن سبب البكاء ،فأنا اعرف جيدا انه لن تغمض لى عين وقد ابكيت عيون انسان بلا سبب..
اعتذرت عن سلوكى فما كان منها إلا ان بادلتنى الاعتذار وامسكت بيدى وهى تقول ابنتى عمرها الان سته وعشرون عاما "صماء" لم تستخدم معين سمعى او تتعلم حتى الاشارة ،تعيش سجينه البيت ،لم تلتحق بأى مؤسسة تأهيل او تعليم ،لا تجيد سوى اعمال البيت ،ليس لديها اصدقاء او حياة...
وعندما شاهدت ابنتك وهى بنفس الاعاقة شعرت كم كنت مذنبه ومقصره "لقد فات الاوان" كررت جملة لن انساها" ذنبها فى رقبنى الى يوم الدين وامام رب العالمين"
شابه كتب عليها ان تعيش فى عالم الصمت فى حالة اقصاء عن العالم وان بدأت الان كانت النتائج محدودة او معدومة..
اى ذنب اقترفت لتعيش تلك الحياة "اسرة غير متعلمة ،كم وعدد من الاطفال كبير، دخل مادى محدود ،مجتمع غير واعى او مؤهل ، وسائل اعلام عاجزة عن القيام بدورها فى الارشاد.
.تتعدد الاسباب لكن النتيجة دمار حياة زهرة فى ريعان الشباب ،مصير تلك الفتاة وامثالها ليس فى عنق تلك الام بمفردها بل "ذنبها فى اعناقنا جميعا".

الأستاذة / عفاف الغريب
عضو في هيئة تحرير "مجلة احتياجات خاصة".
http://www.spneeds.org

الكاتب: الأستاذة / عفاف الغريب - عضو في هيئة تحرير "مجلة احتياجات خاصة".

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
44093

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري