مقالات الوعىالصحة العقليةالحزن والحرمان › ماذا يفعل الحرمان بالنساء؟

يعد الاستقرار العاطفي من أهم الجوانب في حياة الإنسان ذكور وإناثاً، أزواجاً وأولاداً، فهو مؤشر قوي يكشف مستوى قيام الأسرة بمسؤولياتها المتعددة اجتماعية كانت أو اقتصادية او تربوية.

والاستقرار العاطفي أمن نفسي واجتماعي ينعكس بشكل مباشر على أمن واستقرار المجتمع بشكل عام، فقد ركزت ثقافة المجتمع السعودي الدينية والاجتماعية على ضرورة الإشباع العاطفي بطريقة مقبولة، وقررت وسيلة تنظيمية لتحقيق هذا الهدف وهي (الزواج)، وفي ظل العراقيل التي توضع أمام الزواج وما يترتب عليها من إعاقة لرغبة كل من الذكر والأنثى في الارتباط، وبالتالي تأخير لعملية الاستقرار الاجتماعي، تحدث استجابات سلوكية مغتربة في المجتمع السعودي، إذ تجد فئة من الناس تقبل أهداف الزواج وأهمها الرغبة في الاستقرار العاطفي، ولكنها تجد الفرصة غير متاحة أمامها بسبب معوّقات الزواج المادية والثقافية التي فرضها المجتمع على أبنائه، وفي هذه الحالة ترفض هذه الفئة الأسلوب المشروع (وهو الزواج) لتحقيق هدف الإشباع العاطفي، وتبتدع أساليب غير مشروعة لتحقيق هذا الهدف كالزنا أو الصداقة غير الشرعية بين الذكور والإناث واللواط.
لوحظ ازدياد عدد الإناث (الزوجات- البنات) المحكوم عليهن بالسجن في المجتمع السعودي لارتكابهن أفعالاً جنائية محرمة (أخلاقية- مخدرات- مسكرات- سرقة- قتل) مما يبرهن على وجود الخلل والقصور بوظيفة الأسرة التي تعد النواة الرئيسية في المجتمع، فقد بلغ عدد النساء الموقوفات في مؤسسات رعاية الفتيات في عام 1421 فقط (938) امرأة وفي سجون النساء (193) امرأة.

في عام 1414 لم يوجد سوى امرأة سعودية واحدة محكوم عليها بالسجن في إحدى الإصلاحيات الكبرى فلم ينظر إليها على أنها تمتل مشكلة اجتماعية، أما اليوم فقد بلغ عدد الإناث المسجونات في سجون النساء ومؤسسات رعاية الفتيات بالمملكة (228) امرأة الأمر الذي يدعو إلى محاولة كشف العوامل التي تحد من الاستقرار والإشباع العاطفي عند الإناث (زوجات وبنات) في الأسرة السعودية، ومعرفة الآثار السلوكية المنحرفة التي يمكن أن تنتج من جراء الحرمان العاطفي عند الإناث. ترتبط ظاهرة الانحراف عند الإناث بالبناء الاجتماعي وبالثقافة الأسرية، ويظل دور التأثيرات الخارجية للأسرة كوسائل الإعلام وأصدقاء السوء مجرّد عوامل مساعدة قد تنجح في تفاقم ظاهرة الانحراف والجريمة عند المرأة إذا وجدت بيئة أسرية متصدّعة في قواعدها العاطفية والمادية والمعنوية.

فالإناث في المجتمع قد يقعن تحت ضغوط أسرية من الأزواج أو الوالدين أوالأشقاء مما. يعيق استقرارهن- الاجتماعي ويشعرن. بالحرمان العاطفي بسبب العلاقات الأسرية والزوجية القائمة على التشاحن والتنازع والتصارع .

فالمجتمع يحضن كل أنثى أن تحقق الإشباع العاطفي والاستقرار الاجتماعي من خلال الأسرة ولكنه لا يتيح فرص وجود مناخ أسري مناسب لبعضهن بسبب المعوقات الثقافية والمادية والاجتماعية التي تعسر زواج البنات أو بسبب الزواج بالإكراه أو وجود فارق عمري وتباين في المستوى الفكري بين الزوجين. كل هذا يترتب عليه مناخ أسري رديء يفتقد إلى الاستقرار الاجتماعي تشعر الأنثى فيه بحرمان عاطفي، ممّا يضطرها إلى أن تبتكر وسائل غير مشروعة للبحث عن الحب والحنان كأن ترتكب أفعالاً محرّمة تحقق ذاتها وتعوّض الفشل العاطفي الذي واجهته في حياتها الأسرية.

ومما يوكد ذلك أن معظم الإناث السعوديات المحكوم عليهن بالسجن بسبب ارتكابهن سلوكيات منحرفة، كانت أفعالهن تهدف إلى تحقيق أبعاد عاطفية أكثر بكثير من الحصول على منافع مادية، فقد اتضح من الدراسة الميدانية أن أسر النساء المحكوم عليهن بالسجن لارتكاب أفعال جنائية قد وضعت عليهن حدوداً وقيودا، بحيث يصبح الحصول على الاستقرار العاطفي داخل الأسرة من الوالدين والأشقاء أو من الأزواج أمراً غير ميسور لهن، وفي كثير من الأحيان قد يكون مستحيلاً، فأصبحت الأسرة حاجزاً في وجه الإشباع العاطفي أو باباً مفتوحاً لانحراف المرأة وهو ما يتأكد من خلال عرض البيانات الميدانية للجدول الآتي:

 الدافع نحو الجريمة

 عدد

 النسبة %

المعدل

 الحاجة المادية 

 30

 13,2

 المادي
13,2%

 إشباع الغريزة

 14

 6,1 

 هروب عن مشاكل وقسوة الوالدين

 13

 5,7

 العاطفي
86,8%

  الانتقام وكراهية الأسرة أو الزوج 

 77

 33,8

 البحث عن مشاعر الحب والحنان

 74

 32,5


   
كشفت الدراسة الميدانية أن هناك من المتزوجات من كن يفتقدن الاستقرار في الحياة الزوجية ويقل توافقهن الزواجي مع أن أزواجهن ويشعرن بالحرمان العاطفي بسبب الفارق العمري والفكري والزواج بالإكراه ، فلا يوجد تبادل للمشاعر الدافئة التي تبعث الحيوية في العلاقات الزوجية، ممّا يضطرّهن إلى البحث عن ذلك النوع الدافئ من المشاعر، حتى ولو اضطرّهن ذلك إلى ارتكاب سلوك محرّم يحقق لهن تقديراً للذات ، ويحصلن على إعجاب الرجال الآخرين، مما يرفع عند أنفسهن مركزهن الاجتماعي والمعنوي ويرفع معدّل الرضا عن أنفسهن، وكل هذا يساعد على تمسّك الزوجة بحياتها الزوجية وديمومتها مع زوجها لإضفاء صفة الشرعية على عملية الإنجاب ولتحافظ على المكاسب والمصالح ورعاية الأولاد من خلال استمرار الزواج، وهذا ما يسمى بالزواج الطقوسي وهو الذي يدوم لمصالح مادية واجتماعية بدون أن يحقق إشباعاً لاحتياجات نفسية وعاطفية.

كما ثبت أن الحرمان العاطفي الناجم عن رتابة الحياة الزوجية وتحوّلها إلى مجرد طقوس يدفع إلى ميل المرأة إلى ارتكاب الخيانة الزوجية وممارسة الأفعال الجنسية المحرّمة بسبب التعاسة والشقاء وسوء التوافق الزواجي.

كما تبيّن أن 90% من النساء اللاتي لا يجدن الأمان العاطفي في أسرهن من المكرهات على الزواج.

ثقافة الأسرة والحرمان العاطفي

تؤدّي الأسرة دوراً مهمّاً في اشباع حاجات الأولاد الاقتصادية كما تلعب دورا كبيراً في إشباع حاجات الشعور بالأمان العاطفي، أي أن يشعر الأبناء سواءً كانوا (ذكوراً أو إناثاً( بأنهم محبوبون كأفراد ومرغوب فيهم لذاتهم وأنهم موضع حب واعزاز الآخرين وتظهر هذه الحاجة مبكرة في حياة الأولاد، ولذا فإن الذي يقوم بإشباعها خير قيام هما الوالدان، وهذا الأمان شرط أساسي لاستقرار البنات اجتماعياً، فالمناخ الأسري الصحي هو الذي يسوده الحب والمودة والعطف والتقدير والاحترام والتعاون والتضحية، بينما تشعر البنت بالحرمان وعدم الأمان العاطفي عندما يضطرب المناخ الأسري وتشعر البنت بالخوف والقلق والصراع وعدم الانتماء للأسرة وعدم احترام الذات أو تحقيق المركز الاجتماعي.

 ثقافة الأزواج، وحرمان الزوجة عاطفياً

التوافق الزوجي هو ميل الزوجين لتجنب المشكلات وحلها إن حدثت وتبادل وتقبّل المشاعر والعواطف والمشاركة في المهام والمسؤوليات. وقد تبين من خلال الدراسة الميدانية أن الزوجات المحكوم عليهن بعقوبة السجن لارتكابهن أفعالاً محرّمة كنّ يعشن في مناخ أسري مضطرب وبسبب ذلك يشعرن بمعدل حرمان عاطفي كبير وغياب الأمان العاطفي وانخفاض في درجة التواصل الفكري والوجداني والعاطفي والجنسي مع أزواجهن، وتعاني الزوجة أشد المعاناة من النبذ والإهمال بصوره المتعددة من الزوج كالانشغال عنها والسهر خارج المنزل وكثرة الأسفار، كما تعاني من ضعف في التوافق العاطفي وجفوة من قبل الزوج وفقدان للحنان.

كما أن الزوجة المحكوم عليها بالسجن كانت لا تجد الأمان العاطفي والاستقرار الاجتماعي في كنف الزوج لقلة تعامله معها بأسلوب المودة والرحمة فيقل بذلك الاحترام المتبادل أو الالتزام بأداء الحقوق والواجبات، ممّا يمنح فرصة إلى إهمال الزوج لزوجته ونبذها فيتصف بضعف غيرته عليها، فيتركها تفعل ما يحلو لها دون محاسبة، ولا يهتم بمطالبها وحاجاتها ومشكلاتها ومشكلات أولادهما، ويصل الأمر أحياناً إلى حد عدم الاكتراث بوجودها.

البنات محرومات أيضا

تؤثر معاملة الوالدين في شخصية البنت تأثيراً بالغاً، فالمعاملة المشبعة بالحب والقبول والثقة تساعد البنت على أن تنمو فهي راضية عن ذاتها وتحب غيرها وتتقبل الآخرين وتثق فيهم وتتعايش معهم في مناخ يملؤه شعورها بالأمان العاطفي والاستقرار الاجتماعي.

ومن ناحية أخرى قد يكون للمناخ الأسري وسلوك الوالدين والأشقاء آثار سلبية تفتقد بسببها البنت الأمان الأسري وتشعر بالحرمان العاطفي وذلك بالوقوف أمام رغبات البنت والحيلولة دون تحقيق احتياجاتها حتى ولو كانت مشروعة وضرورية، أو بالمبالغة في استخدام العقاب البدني والمعنوي، وقد يكون الحرمان العاطفي عند البنات بسبب النبذ والإهمال، وقد يكون الحرمان العاطفي عند البنات أيضاً بسبب التفرقة والتفضيل والتمييز بين الأولاد في المعاملة كالتفرقة بين الذكر والأنثى أو التفرقة بين الكبار والصغار أو تفضيل أولاد إحدى الزوجات بشكل يفقد مظاهر الاستقرار الاجتماعي ويهدد الأمان والإشباع العاطفي عند البنت. وقد تبين أن 50% من البنات غير المتزوجات المحكوم عليهن بالسجن بارتكابهن أفعالا جنائية كن يشعرن بالحرمان العاطفي الأسري من الوالدين وبسبب سلوك الأشقاء، وتبين أن هؤلاء البنات كن يرتكبن أفعالاً جنسية محرمة مع الآخرين بحثاً عن مشاعر الحب والحنان، أو يمارسن أفعالاً جنسية غيرشرعية مع الآخرين انتقاماً وتشفياً وكراهية للوالدين أو الأشقاء، ونادراً ما كن يفعلن ذلك لسد الحاجة المادية أو رغبة في تحقيق المتعة واللذة الجنسية المحرمة.

وفي النهاية يمكننا التأكيد على أن الحرمان العاطفي عند المرأة يرتبط بمعاملة الزوج وثقافة الوالدين. فقد تجد المرأة نفسها متزوجة لكن زواجها لا يحقق لها إشباعاً عاطفياً فهو زواج شكلي طقوسي يدوم ويستمر لتحقيق مصالح مادية واجتماعية بدون الإسهام في سد الاحتياجات النفسية والعاطفية عند المرأة، ومن أهم سمات هذا الزواج ضعف التواصل الفكري والثقافي والعاطفي والجنسي بين الزوجين بسبب تزويج البنات في سن الصّغر )15 سنة فأقل(، أو تزويجهن قسراً فيشعرن بعلاقات فجة وسطحية مع الزوج وبمعدل حرمان عاطفي كبير يدفعهن إلى الخيانة الزوجية أو ممارسة أفعال جنائية كتناول المسكرات والمخدرات عوضاً عن الأسرة وبحثاً عن علاقات حميمة ومشاعر الدفء والحب والحنان التي لم يجدنها في مناخهن الأسري مع الزوج.

من جانبه كثيراً ما يعجب الرجل بنفسه فيكون أسرة نرجسية تتسم بنظرته الدونية إلى زوجته واستخدامه القوامة عليها بأسلوب تسلّطي وقهري تارة، وبأسلوب النبذ وعدم الاهتمام تارة أخرى، فتفتقد الزوجة المودة والرحمة عند تعاملها معه، كما تشعر بانصراف الزوج والإهمال العاطفي وعدم إرضائها جنسياً فيزداد لديها معدل الحرمان العاطفي، فتندفع في ثورات عارمة ضد زوجها تتمثل في أبشع صور الكراهية للزوج عند ارتكاب الخيانة الزوجية وتناول المسكرات والمخدرات كأسلوب انتقام وكراهية تشفّياً بسبب حرمانها من العاطفة والعلاقات الحميمة، وردّ فعل وتمرّداً على معاملته التي تتسم بالقهر والتسلط والنبذ والإهمال.

وقد تلتقي رتابة الحياة الزوجية وطقوسيتها مع نرجسية الزوج فتزداد معاناة الزوجة من الحرمان العاطفي، فالحياة الاجتماعية الزوجية إذا كانت بتلك الظروف لا تدوم ولا تستمر ويحدث انفصال وطلاق وتفكك للأسرة، فعندما يتسع الفارق العمري والفكري بين الزوجين وتقل درجة التواصل العاطفي والجنسي تفتقد الزوجة المودة والرحمة من زوجها، تتوحد العوامل المرتبطة بالطقوسية والمرتبطة بالنرجسية عند الزوجين، فيصبح المناخ الأسري في صراع واضطراب وتوتر دائم ممّا يفسد الحياة الزوجية فيضطر الزوجان إلى الانسحاب ومن ثم يحدث الطلاق، وتشعر الزوجة بحرمان عاطفي مرير يدفعها إلى ممارسة أفعال جنائية متعددة بحثاً عن علاقات حميمة ودافئة.

أما البنات فإن حرمانهن العاطفي يرجع بالدرجة الأولى إلى المعاملة السلبية التي يتلقينها من آبائهن وأمهاتهن.

الطلاق والحرمان

المرأة المطلًقة المحكوم عليها بالسجن لارتكابها أفعالاً جنائية محرّمة كانت تعيش ظروفاً زواجية قاسية بسبب سيادة التوتر الأسري واستمرار، وبسبب عدم التجانس العاطفي والجنسي مع الزوج لوجود فارق عمري وعدم وجود تجانس في المستوى الفكري والثقافي بين الزوجين، وقد تبين أن 67،7% من المطلقات كن يشعرن بحرمان عاطفي ولم يجدن الأمان والاستقرار الاجتماعي مع أزواجهن، كما أن ظروف الطلاق وما يتعلق بها من حرمان عاطفي أثناء الحياة الزوجية قد دفعت بكثير من المطلقات إلى ميلهن نحو ارتكاب أفعال جنسية محرّمة وبكثرة وهناك سبعة عوامل رئيسة كانت مؤثرة على حرمان الزوجات عاطفياً وبالتالي تعرّضهن للطلاق:

  • كثرة المشكلات والاختلافات بين الزوجين بسبب وجود فارق عمري أو عدم تجانس فكري.
  • عدم الإشباع الجنسي للزوجة.
  • فقدان الزوجة المودة والرحمة من الزوج.
  • ضعف غيرة الزوج على الزوجة.
  • عدم الاهتمام بمتابعة الأولاد.
  • كثرة مشاغل الزوج وتغيّبه خارج المنزل.
  • سهر الزوج وعدم جلوسه مع الزوجة ليلاً.


مجلة الأسرة /   السنة الثانية عشرة- العدد: 142

الكاتب: المصدر بوابة المرأة

التعليقات على ماذا يفعل الحرمان بالنساء؟

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
49342

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري