مقالات الوعىالصحة العقليةالأدمان والتعافى › آفاق جديدة للوقاية من إدمان المخدرات ومعالجته في منطقة الشرق الأوسط

تجربة إيرانية واعدة تستخدم «العلاج البديل» و«العيادات الثلاثية»

لم تعد الحكومات العربية قادرة على تجاهل قضية إدمان المخدرات التي يقع ضحيتها عموماً الشباب، خصوصاً بعد انتشار زراعتها في مناطق عدة يستحيل القضاء عليها، واتساع تجارتها التي يصعب مكافحتها.

وفي محاولة لتسليط الضوء على هذه القضية، نظم مركز «سكون» اللبناني لمكافحة الادمان بالتعاون مع مؤسسة الوليد بن طلال الانسانية، الشهر الماضي، مؤتمراً بعنوان «آفاق جديدة للوقاية من الادمان ومعالجته»، استضاف خلاله 12 متحدثاً من لبنان وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وايران قدموا خبرتهم في هذا المجال لخدمة المعنيين من سياسيين ومهنيين.

وكان التركيز على أهمية اعتماد «العلاج البديل»، أو ما يعرف بالـ «ميثادون»، وهو أمر مستخدم في معظم البلدان المتقدمة، اما في دول منطقة الشرق الاوسط فيحظر استعماله باستثناء ايران. وقد وافق وزير الصحة اللبناني، الدكتور محمد جواد خليفة، على اعتماده في لبنان شرط حصر «استخدامه في العيادات والمراكز الصحية المتخصصة في معالجة الادمان». ويتضمن هذا العلاج تزويد المرضى المدمنين بمركب الميثادون تحت إشراف طبي لتخفيف اعراض الامتناع، بالاضافة الى العلاج النفسي المرافق. والميثادون هو مادة مركبة طورت خلال السبعينات من القرن الماضي لمساعدة المدمنين على التخلص من مشكلتهم، وهي تفرز نفس الهرمونات التي تفرزها عادة المخدرات، ومنها «الدوبامين» و«السيروتونين» وتعطي إحساساً بالنشوة.

وتحدث الدكتور اراش ألاي، مدير مستشفى ايران الحكومي، عن التجربة الايرانية وقدم مداخلة لافتة حول تجربته في هذا المجال رغم التحديات السياسية والدينية والاجتماعية التي واجهته خلال تأسيسه سلسلة «العيادات الثلاثية» التي تعنى بمعالجة المدمنين وتقديم الفحوص الطبية لهم، ومنها فحص الايدز. وقال ان 5% من الايرانيين يتعاطون المخدرات وفئة كبيرة منهم تصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب من جراء استخدام المخدرات بالحقن الوريدي، و15% من هؤلاء المصابين ينتحرون بسبب الرفض الذي يلقونه من المجتمع وعائلاتهم. واضاف: «مما يزيد تفشي هذا المرض عدم تلقي المصابين، لا سيما النساء، العلاج وذلك خوفاً من معرفة المجتمع بأمرهم».

وحول التحدي الذي واجهته الحكومة الايرانية، قال ان تعاطي المخدرات كان يصنف، بين عامي 1980 و2004، جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن، اذ ارادت الحكومة بهذه الطريقة محاربة هذه الآفة والحد من انتشارها، كما عمدت الى نشر 300 الف جندي لمراقبة الحدود مع افغانستان البالغ طولها 1300 كيلومتر، لأن هذا البلد مشهور عالمياً بزرع كميات كبيرة من الافيون.

ازاء هذا الواقع، بادر ألاي بالعمل مع اختصاصيين واطباء بعيداً عن الحملات الاعلامية. وقال: «ما ان توصلنا الى نتائج اولية جيدة، فتحنا باب التطوع، وكانت العلاقة التي تجمعنا بالمرضى علاقة صداقة واخوة».

ولاحظ انه بعد نحو 4 اشهر من بدء تطبيق البرنامج «انخفضت حالات الاصابة بالايدز والانتحار بنسبة 50%، وعندئذ بدأ المجتمع بتقبل عودة المدمن الى عائلته وكذلك ادركت الحكومة اننا بجانبها في محاربة هذه الآفة انما بطريقة مختلفة». واضاف قائلاً: «دعونا عام 2002 الى وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الادمان فأسسنا لجاناً وطنية لمتابعة برامج التربية والتعليم والبحوث وتقليص الضرر ولجان لتقديم العلاج بالاضافة الى لجان اقليمية».

وتابع قائلاً: «أنشأنا 55 عيادة ثلاثية في 14 ولاية، و45 مركزاً داخل السجون، حيث انخفض عدد الجرائم المرتكبة هناك بنسبة 70%. ولدينا حالياً نحو 10 آلاف اصابة ايدز، واكثر المصابين من الرجال لان 66% من هؤلاء تعاطوا المخدرات عبر الحقن الوريدي ونسبة كبيرة منهم لم تبلغ بعد سن الخامسة والعشرين».

واوضح ان التمويل يعتمد على «الجمعيات الاهلية والقطاع الخاص، اي من المرضى انفسهم بما ان الدعم الحكومي محدود». وبعد هذه النتائج، أصدرت المحكمة الوطنية الايرانية قرارا يسمح باستخدام العلاج البديل، «وحاليا يخضع 3000 مريض لهذا العلاج».

وشرح الطبيب النفسي من فرنسا، فيليب نوس، العلاقة بين تعاطي القنب (Cannabis) ومرض الفصام الذي يصاب به 1% من سكان العالم، وهي نسبة كبيرة نسبياً. واشار الى دراسة اظهرت بأن 10.3% من المراهقين الذين يبدأون بتعاطي القنب في سن الخامسة عشرة يصابون بعد فترة بالفصام. اما نسبة المصابين بهذا المرض لدى المتعاطين عند الثامنة عشرة فتبلغ نحو 4%. واضاف ان «للقنب تأثيرات عدة على الدماغ، اذ يرفع نسبة الدوبامين، وهو هورمون مسؤول عن الشعور بالسعادة. وفي المقابل يعطل هذا المخدر عمل المخيخ وهو الجزء المسؤول عن تنسيق العلاقة بين الافكار والمشاعر، فيفقد الدماغ عندئذ قدرته على الاستيعاب والتركيز والفهم وحتى التذكر وبالتالي يتوقف عن النمو في شكل سليم». وهذا يسبب الفوضى في حياة المريض الذي يبدأ بالهلوسة «فلا يميز بين الإحباط والسعادة».

وخلص المؤتمر الى ضرورة تقليص الضرر من خلال الوقاية واعادة تأهيل من هم في حاجة الى ذلك. كما اوصى بتطبيق استراتيجيات وطنية للوقاية وجعل الوصول الى العلاج سهلاً من خلال خفض الكلفة. ودعا الى تعاون وطني واقليمي لتنمية القدرات وإجراء البحوث في هذا المجال.

الكاتب: مايا مشلب / بيروت - "الشرق الأوسط"

التعليقات على آفاق جديدة للوقاية من إدمان المخدرات ومعالجته في منطقة الشرق الأوسط

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
94688

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري