مقالات الوعىأسلوب الحياةالمعرفة والوعى › أزمة الوعي والمعرفة. والقابلية للتغيير

ونخطئ كثيراً حينما نركض خلف البعوضة وننسى المستنقع، ونتذكر الاستعمار ولا نتفطن إلى القابلية للاستعمار، ونتحدث عن مقاومة العدو ونتجاهل مسألة الترحيب به وتعبيد الطريق له لكي يقضي وطره، وكلنا اصبحنا مثل عباس الذي استل خنجره ولكن صاح في شجاعة في الغرفة المجاورة.

هذا الموضوع يدخل في خانة معرفة الأسباب والمسببات، وخانة التقهقر الداخلي والضعف المعنوي، وعندئذٍ نبرر هذا الضعف والتقهقر بمسائل مثل أن الآخرين لا يريدون أن نتقدم أو نبتكر أو نبدع، علماً أن الآخرين لا دخل لهم بالموضوع لأنه من قبيل الأمور التي تحصر بين العبد وربه، ولكنها أمور قلبية ومعنوية ثم تتجسد في عمل الإنسان.

أمورنا كلها مثل العصف المأكول، لم يبق فيها ما يغذينا ويحيينا، نقول ما يقوله الآخرون، وعطلنا عقولنا عن التفكير والتدبير والتفسير، فصار حالنا كالذي تراه الآن يرثى لها من قلة المعرفة والإدراك والوعي وكلها من المشاكل المدمرة التي تدمر النفوس قبل الأجسام والفؤوس.

مشاكل كوردستان كثيرة منها سياسية واقتصادية واجتماعية واخلاقية وكلها ذات فروع وجذور وقد لخصت حلول هذه المشاكل ذات يوم في كلمة واحدة (الوعي \"المعرفة\") سواءاً منا نحن أصحاب هذه المشاكل أو من الآخرين (خارج العراق)، فالعالم برمته أضحى ضحية هذا الداء علماً أن عصرنا يسمى بعصر فيضان المعلومات وتقارب الأزمان و...

هل الشعوب المتحضرة قادتها حكوماتها الى هذا التقدم والتحضر أم أن ذواتهم كانت عندها قابلية هذا التطور والتقدم؟ لذا تجدهم في الجانب التعامل الإنساني قد بلغوا الذروة ووفروا لأنفسهم قدراً كبيراً من مفاهيم الرفاهية والعيش الكريم وتجسد لديهم نوع من المعرفة والثقافة، أما شخوص عالمنا يجولون طول هذه البلدان وعرضها ويرون ويلمسون ما لانراه ولا نلمسه من أمور في غاية الروعة والجمال ولكن دون تغيير لأنهم ليس عندهم قابلية لهذا التغيير (ايجابي أو سلبي) فقد برمجوا أنفسهم على حالة واحدة يصعب تغيرهم، وهذا هو الداء الكبير، حتى أكثر الذين هاجروا أرض كوردستان لأي سبب كان تراه يأخذ الشكل ويغير هيكله الخارجي ويتشبث في الغرب بكل هزيل وتافه ويترك الجوهر وهو (العلم والوعي) وخلاصة قضيتهم بأنهم لا يملكون القابلية لأخذ هذا الجانب الإيجابي.
انفجر السائق الذي كنت معه غضباً من سوء معاملة بعض نقاط التفتيش في كوردستان، فقال هؤلاء لا يفهمون ولايعقلون وليس عندهم قابلية للفهم، فانظر كيف يعاملون الناس لايحترمون أصحاب الشهادات والعمامات، فهدأت من روعه ووضحت له بعض المفاهيم، ولكنه أردف قائلاً يا دكتور هؤلاء لا وعي لديهم وهو مع الأسف ليسوا من أصحاب الشهادات.
يقطع السائق مسافة طريق كركوك أربيل في 50 دقيقة، ولكن يقف في حر آخر نقطة التفتيش 30 دقيقة في أكثر الأحيان، فلماذا هذا يا دكتور؟ قاله السائق متحيراٌ ومتعجباً.

نقول بأن التغيير يبدأ من الداخل (وأن الله لا يغيير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فلنغيير ما بأنفسنا لكي يتغيير واقعنا، عندئذٍ تجد معنى لمفهومي الوعي والعلم واحترام الإنسان، وهذا امل كل انسان أن يعيش في ظل الواقع الذي يسوده الوعي والعلم، وأنا متفائل بأن الغد سيكون لأهل العلم والمعرفة وكل الذين لديهم القابلية للتجديد والإيجابية عليه فأنا متفائل جداً.

الكاتب: د. آوات محمد أمين

التعليقات على أزمة الوعي والمعرفة. والقابلية للتغيير

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
93534

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري