ترى كثير من الدراسات السلوكية أن كثرة التهديدات التي يوجّهها الوالدان لطفلهما أو المربون عموماً تجعله أقلّ تعاوناً، وربما ترسّخ العناد في نفسه، أو تعزّزه بدرجة تجعل التفاهم معه أمراً أكثر صعوبة. كما أن كثرة التهديدات تجعل الطفل لا يشعر بالأمان، وأنه معرض لخطر الحرمان أو العقاب كلما فعل أمراً لا يرضي والديه. هذه المشاعر تجعل الطفل في النهاية ينظر لنفسه نظرة سلبية تحرمه من الشعور بأنه محبوب من قبل والديه، أو أنه طفل طبيعي مثل الآخرين الذين يعيشون طفولتهم في جوّ من الألفة والمحبة داخل أسرهم.

ولكن عدم اللجوء للتهديد لا يعني ترك الحبل على الغارب للطفل؛ فمن المهم أن يعلم الطفل أن السلوك الخاطئ مرفوض تماماً. فعندما يعرف الطفل ذلك فإنه ربما يحاول كسر تلك القاعدة باختبار والديه ومعرفة ردة الفعل التي سيبديانها عندما يخالف أوامرهما. فما هو الحل عندها؟! أهو اللجوء للتهديد أم إيقاع العقوبة مباشرة!

الحل الأفضل هنا لا يكمن في أي من هذين الأسلوبين، مع أنهما الأكثر شيوعاً عند الآباء والأمهات، بل في تعليم الطفل أن هناك تبعات للسلوك الحسن وعواقب للسلوك السيئ على حد سواء. فيمكن أن يُقال للطفل في غير وقت ارتكاب الخطأ أن الاعتداء على الآخرين لفظياً أو بدنياً غير مقبول، ولذلك فإن من يفعل ذلك سيُنبّه في المرة الأولى، وفي المرة الثانية سيُطلب منه البقاء في غرفته مدة نصف ساعة، وبعد الاعتذار يمكنه العودة، وإذا تكرر الأمر مرة ثالثة فستكون نتيجته الحرمان من مشاهدة التلفاز يوماً كاملاً -على سبيل المثال- أو الحرمان من مرافقة إخوته في المرة القادمة التي يذهبون فيها إلى الملاهي.

من المهم أيضاً، حتى نعزز السلوك الإيجابي عند الطفل، أن ننفذ ما نقول؛ فعندما نخبره بأن السلوك الفلاني ستكون نتيجته كذا، فلا بد أن يرى الطفل النتيجة، ويعيشها بالفعل حتى تردعه في المرات القادمة عن تكرار الخطأ، ويعرف أن الأمر ليس مجرد صراخ في الهواء يزول أثره بمجرّد هدوء أعصابنا وننساه، ولا أن تغلبنا عواطفنا فنسامحه عندما يعتذر أو نرى دموعه تنسكب على خديه. ولكننا في الوقت نفسه ينبغي ألاّ نظهر للطفل أننا نعامله بشكل يختلف عن طريقة تعاملنا مع بقية إخوته، إلاّ في هذا الأمر الذي استحق أن يُعاقب عليه. ومن المفيد عندما يهدأ الطفل أيضاً أن يبين أحد الوالدين- ويُفضّل أن يكون الآخر الذي لم يفرض العقوبة- للطفل أن السلوك الذي بدر منه غير مقبول، وأنه يجب عليه الاعتذار من ذلك السلوك أمام كل من تأثر به.

الكاتب: د. محمد الشريم

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
40283

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري