مقالات الوعىالصحة العقليةالحزن والحرمان › تعلمي كيف تحبين واقعك

- حصر السعادة في بديل واحد ضِيقُ أفقٍ، والله لم يخلقنا لكي نتعذب.
- التحسر على ما مضى لا يجدي شيئًا والأفضل البحث عن بدائل تدفع مشاعر القلق والتوتر .


يستقر في أذهان الناس أن من فاتها قطار الزواج قد فاتها قطار الحياة، وعليها الانتظار وحيدة حتى يأذن الله لها بأمر من عنده، وصورة أخرى قد تكون أقل قتامة
يحملها الناس للتي تزوجت ولم يقدر لها الإنجاب، فتقترن حالتها بالشجرة العقيم التي لا تثمر. إن تلك الصور خاطئة من وجوه عدة، أولها: أنها اعتراض على مشيئة الله الحكيمة، فهو سبحانه وتعالى لا يكتب الشر على أحد، ومنها: أنها ظلم للفتاة التي لم تتزوج أو تلك التي لم تنجب، حيث إن الأمر ليس بيدها وعادة ما يكون بفعل الظروف والبيئة المحيطة، نماذج كثيرة تنتشر بيننا حكمت عليها نظرة الناس بالعزلة والمرارة.
(ن. س) فتاة تخطت الأربعين ولم تتزوج تقدم لها العديد من الخُطاب، ولكنها لم تجد بينهم الشخص المناسب، وهي في مجتمع ريفي تزوجت كل أخواتها وإخوانها وتوفيت والدتها، فأصبحت وحيدة.

(أ. ح) تخطت الثلاثين، وتزوجت أخواتها الأصغر سنًا منها، وظلت تتعرض للغمز واللمز والتلميح والتصريح حتى من أمها.
(و. س) تخطت الخامسة والثلاثين، وكلما جاءها خاطب وتم الاتفاق على كل شيء يذهب ولا يعود، فأصيبت بإحباط شديد، وأصبحت تخاف من مجرد رؤية العريس الجديد.

(و. ف) تخطت الخامسة والأربعين وما زالت لم توفق في الزواج هي وأختاها اللتان تكبرانها في السن!.
زوجة مر على زواجها ثماني سنوات ولم تنجب وجعل الأطباء الأمل معلقًا في الله تعالى، وأخرى مر على زواجها خمس سنوات ولم تتحمل الحرمان من الإنجاب فانفصلت عن زوجها وتزوج بأخرى ولم ينجب، كل هذه النماذج لفتيات متعلمات وعاملات من أوساط اجتماعية جيدة، وعلى الجانب الآخر نجد عوانس سعيدات وناجحات؛ لأن هناك ما يشغلهن من عمل وعلم وغير ذلك، وهن بالطبع لم يخترن العنوسة، لكن فرضتها الظروف، كيف إذاً تنتقل العانس وتلك التي لم تنجب من هامش الحياة المر إلى قلب الحياة النابض الفاعل؟
حدثنا في ذلك الأستاذ الدكتور حمدي ياسين - أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية
البنات بجامعة عين شمس، ومدير مركز تنمية الإمكانات البشرية بالكلية – فقال:
العنوسة وعدم الإنجاب للرجل والمرأة - على حد سواء - هو قدر يجب الإيمان به
والصبر واليقين بأن الله -سبحانه وتعالى- الرحيم لا يُقدر شرًا مطلقًا، مع أن الاتجاه السائد يحيط العانس بالكآبة، ويحملها ذنبًا لم تقترفه، ويتهم التي لم تنجب بأنها كالشجرة التي لم تثمر ويتناسى الناس أن هذه أقدار إلهية لا يد لأحد فيها.

إن العانس أو التي لم تنجب يجب أن تستلهم من الإيمان والصلة بالله -عز وجل- الدلالة على حقائق الأمور والقوة على مواجهة نصيبها بشجاعة وذكاء، إنها يجب أن تسترجع نماذج لسيدات فضليات لم ينجبن، وأخريات عانين من إنجاب أطفال معاقين، أو أنجبن أطفالاً عاقين جاحدين. إن عدم الزواج أو عدم الإنجاب لا يعني دمار الحياة، ولكنه شكل آخر من الأشكال العديدة للحياة، ويمكن تشبيه ذلك ببساطة
بالذي يذهب إلى السوق لشراء شيء ما فلم يجده، إن ذلك لا يعني نهاية الدنيا، ولكنه يدفعنا للتفكير في البدائل، لابد أن يتدرب الإنسان على أن يبتدع للمشكلة حلولاً كثيرة، وألا ينتظر من الحياة خطًا واحدًا إذا تعثر فيه تتوقف الدنيا، وبكلمة أخرى: إن حصر حياتنا ورغباتنا في اتجاه واحد هو الذي يؤدي إلى ضغوطات نفسية وتوترات ومشكلات. إن العيش في الحياة ضرب من ضروب العبادة، لذا فالنظر إلى إدارة الحياة والعمر يجب أن يكون بذكاء وإبداع.
ويضيف: عندما تحل بالإنسان مشكلة؛ فإنها تدفعه للعزلة والوحدة واجترار الأحزان
والمرارة، لذا فالخطوة الأولى للخروج من المشكلة هو الانخراط مع الناس والاقتراب منهم، وإقامة علاقات سوية معهم، وفي أثناء ذلك سيلتقي الإنسان بأشخاص يعانون من نفس مشاكله فيحس معهم بالسلوى، كل هذا سيدفعه إلى توجيه طاقاته الانفعالية بذكاء، وأن يحب أو يكره بحكمة.

المرأة التي لم تنجب أو تلك التي لم تتزوج عندها من الوقت ما تستطيع معه أن تعمل أعمالاً مختلفة؛ تجعلها تشعر بفاعليتها وأهميتها في مجتمعها، ويمكنها أن توسع دائرة معارفها ومهاراتها، كل ذلك مع المحاولات الدؤوب لعلاج مشكلتها الخاصة بحلول لائقة.

إن الرضا بقضاء الله الذي لا مفر منه هو السبيل إلى النجاح والتوفيق اللذين لا يحالفان الإنسان إلا من الله -عز وجل-، ولعلنا نرى نماذج الناجحات كثيرة من حولنا، كما نرى أيضًا جزاء الصابرين والصابرات الوفير، يجب أن نتعلم جميعًا كيف نوظف المهارات والآليات الدفاعية، وذلك ببساطة مثل الذي يريد الحصول على سلعة ما فيجدها غالية الثمن، فإن جلس يتحسر على عدم وجود ثمنها معه، ويحسد من يملكون المال؛ فسوف يزيد من قهر نفسه وعذابها، أما إن أخذ يقنع نفسه بأنها قد لا تستحق ذلك الثمن، أو أنه يمكن الحصول على تلك السلعة بشكل آخر أو تعويضها ببديل أقل ثمنًا؛ فإنه بذلك يدفع عن نفسه القلق والانفعال ويتعامل بذكاء وحكمة مع واقعه.

ويشير الدكتور حمدي ياسين إلى أن الإنسان عادة لا يستغل إلا 20% من طاقاته؛ فيجب عليه التعرف على بقية طاقاته ويحسن استغلالها.

أختي..يا من تأخر زواجك، وأنت يا من تأخر إنجابك للأطفال؛ لا تربطي سعادتك بحل تلك المشكلة المحددة، وإنما انظري لحياتك كحياة إنسانية لها محاور عديدة؛ لأن الحياة التي قدرها علينا الله -عز وجل- امتحان، النجاح فيه لا يكون على قدر الظرف الذي وقعنا فيه، بل على قدر رد فعلنا تجاه تلك الظروف.

برواز

هذه رسالة من الكاتبة الأمريكية (كريستين كارلسون) من كتابها «لا تهتمي بصغائر الأمور» تسوق فيها الواقع الذي يجب أن تتعامل معه التي تأخر زواجها، فتقول: "من الناحية النفسية، كلنا يواجه نفس التحدي في كيفية كوننا سعداء، ودائمًا نقوم بواحد من اثنين: إما أن نقدر ما نحن فيه، ونتمتع بالحياة التي نعيشها، أو ننشغل عنها بتمني شيء مختلف، وفي النهاية نجد أن أكبر مصدر ينتج عنه تعاسة أي منا سواء كانت بكرًا، متزوجة، مطلقة، تسعى للزواج أرملة أو أيًا كان حالها هو نفس الشيء، وهو تمني أشياء مختلفة عما نملكه فنعاني عاطفيًا، وكلما كانت رغبتنا أكبر تضاعفت معاناتنا، وليس هناك شواذ لتلك القاعدة، وبالعكس؛ كلما احتضنا ما نحن فيه (ظروفنا الحياتية الحالية) بدلاً من تمني ما يمكن أن يحدث أو لا يحدث؛ انتابنا شعور أكثر بالسعادة، فكما تعلم الرضا يولد الرضا".
وتستطرد المؤلفة فتقول: "وصدقي أو لا تصدقي، فهذا الإنجاز البسيط يمكن أن يؤدي بك إلى عالم نفاذ البصيرة، بمعنى آخر: فالقدرة على إدراك السبب الرئيس المسبب للألم هي الوصفة المثلى للتخلص منه، والأهم من ذلك، أن هذا الإدراك يفتح الأبواب للتمتع بالمزايا العديدة لكونك بكرًا".

تسوق المؤلفة تجربة لإحدى الفتيات التي كانت تبحث جاهدة عن الزواج، ووصلت لأن تشبع نفسها بعدم إمكانية السعادة، وهي مفردة، ولكنها مع الوقت أخذت تبحث عن السعادة في عالمها الداخلي، وتعلمت كيف تفكر، وكيف تدرك أن الصلة بين أفكارها ومعتقداتها وبين الواقع هي التي تحدد مستوى سعادتها أو تعاستها، كان ما حدث لهذه الفتاة إعجازًا بالفعل، فلقد بدأت ولأول مرة في حياتها في إدراك المزايا في كونها غير متزوجة، أصبحت ودودة مع الآخرين وشرعت في دراسة أشياء شيقة ووسعت دائرة معارفها، وباختصار بدأت في الاستمتاع بكونها غير متزوجة، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر سعادة مما كانت تتخيل، لقد تعلمت أن تحب كونها بكرًا وحتى إذا قررت أن تتزوج فستتعلم كيف تكون سعيدة بوضعها الجديد، فالسعادة تكمن في الرضا، والإيمان بحكمة ما اختاره الله لنا، وكونه أروع بكثير مما نظن أنه خير برؤيتنا القاصرة.

الكاتب: منى أمين - هبة الله سمير

التعليقات على تعلمي كيف تحبين واقعك

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
25607

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري