حماتي تسعد حياتي

تبدأ الحياة الزوجية الجديدة بين الزوجين بشحنة سلبية كبيرة تجاه الحماة وخاصة "أم الزوج"؛ حيث تقل تلك النسبة "اللا إيجابية" -من وجهة نظر البعض- عند نظيرتها "أم الزوجة" والتي تسعى غالبًا لرأب الصدع بين ابنتها وزوجها؛ ولذا فهي كثيرًا ما تمد ابنتها بالنصائح التي تحافظ بها على بيتها وتمتلك من خلالها قلب زوجها، وعلى عكس ذلك فقد وصمت الموروثات والدراما "أم الزوج" بأنّها قد تجاهد لهدم بيت ابنها على رأسه هو وعروسه الجميلة التي خطفته منها كما تعتقد.

ولذا تبدو العلاقة بين الزوجين الجديدين علاقة ثلاثية الأبعاد وليست ثنائية؛ إذ لا تنحصر بينهما فقط، ولكنَّ هناك طرفًا ثالثًا يشاركهما الحياة، وهي الحماة العزيزة، ولكنْ: هل الحموات الفُضليات مظلومات؟ أم أنّهنّ بالفعل يُحارِبن لإبقاء أبنائهن في أحضانهن، ويتعمدن تعكير صفو الحياة الجديدة؟

خطة السعادة

في إحدى المدن البعيدة كانت زوجة صغيرة تُعاني من معاملة حماتها السيئة لها منذ اليوم الأول للزواج، وتُبادلها زوجة الابن الشابة نفسَ المعاملة وأسوأ، ولذا قررت الذهاب إلى أحد الحكماء لتحصل منه على وسيلة تتخلص بها من حماتها، التي وصفتها بالحاجز الذي يحول بينها وبين السعادة المرجوة مع زوجها!

ذهبت الزوجة وكلها أمل في أن تنال مرادها، وإذا بالحكيم يُعطيها بعض الأعشاب التي ظنّت أنّها مسمومة حتى تتناولها الحماة وتنتهي حياتها، ولكنه أكّد عليها أن تُحسن معاملتها حتى لا يشك أحد في أمرها إذا ما أصاب الحماة مكروه، فأخذت الزوجة الأعشاب فرحة مسرورة وبدأت في تنفيذ الخطة المحكمة.

بدأت الزوجة في تغيير معاملتها للحماة، وهي تناولها كل ليلة تلك الأعشاب، والتي أبدت دهشتها من تغيّر سلوكها معها بهذا الشكل، وبعد فترة وجيزة أسرعت الزوجة إلى الحكيم ليبطل مفعول السم الذي يسري في جسد حماتها الطيبة، والتي تحولت معاملتها لها إلى النقيض بعدما تناولت الأعشاب، ابتسم الحكيم في هدوء وقال للزوجة: يا بُنيتي، السُّم لم يكن في تلك الأعشاب، بل كان في قلب كل منكما تجاه الأخرى، وبعدما تغيرت المعاملة بينكما، وبدأ الحب والوفاق يتدفق إلى قلبيكما انتهت العداوة والبغضاء، هذا هو السر، فحافظي على تلك المودة، ولا تعكري صفوها بظنون لا أساس لها، وهنا ستجدين السعادة التي جئت تبحثين عنها.

أمٌّ ثانية

تقول "راوية" -وهي متزوجة منذ 5 سنوات ولديها طفلان-: أعامل حماتي التي أسكن معها في نفس البيت كما لو كانت أمي الثانية، فأتحمّلها في غضبها، وأتقبل منها إرشاداتها ونصائحها فيما يختص بزوجي والأبناء، ولذا فهي تعتبرني مثل ابنتها، وتكون في صفي في مواقف كثيرة.

البعد هو الحل

أمّا "أم لين" -المتزوجة منذ 3 سنوات ولديها طفلة- فهي تفضل عدم الاحتكاك بحماتها لأنّها شديدة كما تصفها، وتحمد الله أنّها انتقلت مؤخرًا مع زوجها لتسكن في بلدة بعيدة، ولا تراها إلا في المناسبات والأعياد.

اعتراض وجيه

ويعترض محمّد -المتزوج حديثًا- على اتهام "أمّ الزوج" فقط بتعكير صفو الحياة الزوجية الجديدة؛ فإن "أمّ الزوجة" أيضًا قد تكون سببًا لاندلاع الحرائق في البيت، ولذا فعلى الطرفين (أمّ الزوج وأمّ الزوجة) أن تحرصا على مصلحة البيت الوليد، وأن يتدخلا بحكمتهما وخبرتهما بما ينفع الزوج والزوجة، خاصة خلال السنة الأولى للزواج التي يقابل فيها الزوجان الجديدان الكثير من العقبات والمواقف المفاجئة.

وتسعى الحاجة سعدية إلى أن تكون حماة طيبة، تنشر المودة والحب والوئام بين ابنها وزوجته، ولا تتدخل إلا إذا طلبا منها ذلك، وتندهش من قول بعض الحموات أنّ زوجة ابنها جاءت لتخطفه منها بعد أن ربّته وكبرته وسهرت الليالي من أجله، أليست أم الزوجة قد فعلت ذلك أيضًا مع ابنتها، وعانت كثيرًا حتى تُقدمها زوجة طيبة إلى ابنها؟!

عداوة وهمية

وحول هذا الشأن توضح د.نعمت عوض الله، المستشارة الأسرية، أنّ العداوة بين الحماة وزوجة الابن أو زوج الابنة هي عداوة وهمية، تناقلتها الموروثات منذ الأجداد، ورسختها الدراما في عرض صورة الحماة بأنّها الطرف الشرير الذي يدخل بين الزوجين ليفرقهما ويقضي على سعادة البيت الجديد، وهذه الشحنة السلبية تؤثر بلا شك على الزوجين في بداية زواجهما، وقد تظل معهما فترة طويلة إذا لم يتحليا بالوعي الكامل والفهم الصحيح لأسس الحياة الزوجية السليمة.

وتضيف د.نعمت: "إنّ مفهوم خطف الزوج من أمّه هو كلام غير واقعي؛ لأنّ الابن البار يظلُّ على برَّه بأمه وأهله جميعًا، ولا ينقطع لمجرد زواجه وارتباطه بامرأة أخرى، وعلى العكس من ذلك، فالشخص غير البار بأهله لا يَنتظر تحريضًا من زوجته حتى تبعده عنهم".

الحب كلمة السر

وتبيّن المستشارة أنّ تلك النظرة الخاطئة يجب أن تتغير عند الزوجة والحماة في نفس الوقت، فلا الزوجة جاءت لتخطف الابن من أمه، ولا الحماة موجودة لتعكر صفو الحياة، وعلى الجميع أن يبدءوا العلاقة الجديدة بالكثير من الصفاء والنقاء، وحسن الظن، وعدم تصيد الأخطاء للطرف الآخر، والتماس الأعذار، والمرونة والاستعداد للتغيرات المفاجئة في الظروف والأحوال؛ وذلك حتى تبدأ الحياة الزوجية الجديدة على أساس قوي يُنتج أسرة سعيدة وأبناء أسوياء -من الناحية النفسية- قادرين على بناء المجتمع السليم.

وتنصح د.نعمت الحماةَ بأن تعتبر زوجة ابنها ابنتها الجديدة، وتدرك أنّ أمّها هي الأخرى تعِبت معها كثيرًا حتى تربيها وتعلمها، وظلت ترشدها وتحثها على المحافظة على بيتها الجديد، ولذا فعليها هي الأخرى -أي الحماة- أن تنصح ابنها بالمثل، وترشده للوسائل التي يحافظ بها على بيته، ويسعد زوجته وأولاده.

وعلى الزوجة أن تدرك أنّها ليست قادمة على معركة مع حماتها حتى تشحذ أسلحتها، ولكن عليها إدراك كيفية معاملة أم زوجها حتى تكسب ودها وتكون في صفها؛ فلْتحترمْها وتقدرْها وتعاملْها كأم ثانية لها حتى تُرضي زوجها ومن قبل ذلك ترضي ربها، وعليها أن لا تأبه بالمنغصات التي توجد في كل البيوت، وإنّما عليها بالصبر والمثابرة حتى تجني ما تتمناه من السعادة مع زوجها وأولادها، ولْتُدرِكْ أنها ستكون حماة في يوم من الأيام فلْتعدَّ العُدَّة لتكون حماة طيبة، تنشر الحب والسكينة والألفة بين القلوب.

الكاتب: المصدر: موقع الإسلام اليوم.

التعليقات على حماتي تسعد حياتي

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
63929

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري