توكيد الذات، إثبات الذات

..لابد أن تسترخي.. فالحياة لن تكف عن إزعاجك ...
كيف أسترخي والحياة لا تكف عن إزعاجي؟ كيف تعبر عن مشاعرك واحتياجاتك؟

ما هو توكيد الذات؟
توكيد الذات هو أحد الطرق التي تستطيع بها التعامل مع الضغط والتوتر، والإزعاج، والضيق، والقلق، والضعف، وقلة الحيلة، واستقواء الآخرين المستأسدين المتنمرين. في أحوال كثيرة لا نستطيع أن نرسم خطوطًا واضحة، أن نضع حدودًا، أن نتكلم عن حقوقنا، أن نقول (لا) للآخرين ولمطالبهم المستمرة وغير المبررة التي تؤثر على حياتنا. هذه الصعوبة تؤدي بنا إلى المماطلة، المعاناة في صمت، الهروب من الطلبات الزائدة عن الحد لعدم القدرة على رد من طلبها، عدم إتقان العمل، التأجيل، النسيان، وهي كلها طرق تعبر عن محاولات العقل الباطن للاحتجاج، وكلها طرق غير ناضجة.

إن كنا لا نستطيع أن نرفض طلبات الآخرين فسنظل طوال حياتنا رهنًا لأولويات الآخرين بدلاً من احتياجاتنا وهذا سيضع علينا ضغطًا إضافيًا ضارًا وغير ضروري. لو فشلنا في توكيد ذاتنا سيؤدي هذا إلى تراكم الغضب وسنجد أنفسنا جسديًا وعاطفيًا على مشارف الانفجار.

وأحيانًا نشعر أن الطريقة الوحيدة التي نلبي بها احتياجاتنا ونتجنب أن يجرفنا التيار هي المقاتلة من أجل حقوقنا.
عندما يرهبنا أو يخيفنا الآخرون لا شعوريًا نميل إلى إخافة الآخرين بدورنا ونجد أنفسنا وقد وقعنا في صراع مستمر وضغط لا ينتهي إضافة لإحساس الذنب والوحدة.

إن الحياة والتواصل مع الآخرين لها عدة طرق نستطيع اتخاذها وعادةً ما تكون تلك التفاعلات هي سلوكيات من ثلاثة أساسية:
1. السلبية (الشخصية العصابية الانصياعية).
2. العدوانية (الشخصية العصابية العدوانية).
3. توكيد الذات (الشخصية الناضجة).

الشخص العصابي Neurotic Person :
هو شخص تسهل استثارته حيث ينفعل بالأحداث التافهة، ويشعر دائمًا بالتهديد والتشاؤم وعدم الاستقرار، ويميل إلى المبالغة والتطرف. ويعتبر العصاب هو الشرط الأساسي للقلق المرضي، فالقلق هزيمة ذاتية وخبرة شخصية للفرد يطرحها على العالم ويتولد نتيجة ذلك استعداد ذاتي للانهزام.

والشخص العصابي عادةً ما يهرب ويتجنب المواقف التي ثيره وتثير القلق لديه، فيتحول إلى شخص انسحابي يميل إلى تجنب المشاكل بدلاً من مواجهتها ومتفرج على الحياة بدلاً من مساهم فيها. وهو لا يستطيع التعبير عن مشاعره الحقيقية ولا يستطيع معارضة أحد، ويرغم نفسه على قبول أشياء لا يحبها كما لا يستطيع التعبير عن الحب.

كما يفتقد الإتصال السليم بالآخرين لانشغاله الدائم بمشاكله الداخلية، كالزوج الذي يغضب زوجته ويلومها إذا اشتكت متاعبها لوالديها، والأستاذ الذي يطلب من تلاميذه التفكير باستقلالية فإذا فعلوا غضب وشعر بالإهانة. ويعتبر العصابي ضحية تصرفاته الاجتماعية الخاطئة.

صفات التفكير العصابي:
1. يوصف التفكير العصابي بالمبالغة وسرعة الاستثارة.
2. التوقعات السلبية السيئة، حيث يتوقع دائمًا الشر والخطر والدمار.
3. إدانة الآخربن.
4. عدم القدرة على الحكم الصحيح على الأمور.

1. السلبية (الشخصية العصابية الانصياعية).
تعني السلبية أن تتخلى عن حقوقك بألا تعبر عن مشاعرك الحقيقية وأفكارك ومبادئك، وهي تجعل الآخرين (يدوسون فوقك)، إنك دائمًا تبدو دائم الاعتذار بحيث تجعل الآخرين يستهينون بك. إنك تفعل ما يُطلب منك مهما كانت قناعتك تجاهه، تشعر بالعجز، القلق، الرفض، بل وحتى الإحباط من نفسك. ويكون دائمًا هدف السلبية هو أن ترفض الآخرين وتتجنب الصراع والرفض، فهذا الشخص يحتاج دائمًا إلى التأييد وعادة يثق في الناس بسرعة حيث يبدو وكأنه شخص يحب كل الناس ويشمل الجميع بحبه وعطفه، وحقيقة الأمر أن هذا حبا غير ناضج تدفعه لذلك حاجته الشديدة لأن يكون مقبولاً من الجميع. كما لا يمكنه التفوق في عمله حيث يخشى ويتجنب المنافسة وفي العادة لا يحتل موقعًا قياديًا ولو حدث تصبح مواقفه مائعة مترددة وأحوال مرؤسيه متعطلة.

وهناك قصة توضح ذلك:
بعثت إحدى الجامعات طبيبًا وزوجته لحضور مؤتمر، وأعطيَ غرفة في الفندق فوق قاعة الحفلات مباشرةً، كانت الموسيقى عالية جدًا وكانت الزوجة حاملاً وقد قطعا مسافة طويلة ويحتاجان للراحة، تمنى الطبيب لو يستطيع أن يطلب تغيير الغرفة ولكنه تردد:
۰ إنه لم يدفع ثمن الغرفة بل الجامعة ولابد أن الفندق قد أعطى أسعارًا مخفضة للمؤتمر.
۰ لابد أن يستخدم أحد تلك الغرفة.
۰ سيظن أصحاب الفندق أنه كثير الطلبات.
۰ لن يتمكن أحد من تغيير الغرفة له في هذا الوقت القصير.

ولكنه في داخله شعر أنه غاضب، قلق وعاجز عن تغيير الوضع.
أدرك الطبيب أنه إن لم يفعل شيئًا لتغيير الوضع فسيكون سلبيًا ولكن يجب عليه على الأقل محاولة تغيير الوضع وكانت إحدى الخيارات أمامه هي العدوانية.

2. العدوانية (الشخصية العصابية العدوانية):
عندما نكون عدوانيين فإننا ندافع عن حقوقنا الشخصية، ونعبر عن أفكارنا ومشاعرنا ولكن بطريقة خاطئة، وعادةً لا تساعد كثيرًا بل وقد تتعدى على الحقوق الشخصية للآخرين. ومن أمثلة السلوك العدواني الإسراف في لوم الآخرين، التهديد والشجار، وبعد العدوانية غالبًا ما نشعر بالمرارة، بالذنب والوحدة فيما بعد.

عادةً ما يكون الهدف من السلوك العدواني هو السيطرة والحماية، الانتصار، الإذلال، وإجبار الآخرين على الخسارة. والشخص العدواني هو شخص يجد في هزيمة الآخرين تأكيدًا لقوته حيث يشعر بالمتعة والفخر، معاركه مع الناس لا تتوقف وينطبق عليه لفظ (المشاغب) حيث يشاغب الناس دون هدف واضح فقط للشعور بالسطوة. يشعر دائمًا أنه مهاجم من قبل الناس لذلك هو يسبق بالهجوم فهو بالتالي شخص كثير الخصوم.

حياته الاجتماعية ضيقة انعزالية بسبب أنانيته وتعاليه. ففي المثال السابق فكر الطبيب في الذهاب إلى مكان الاحتفال، الصراخ، أو قطع الكهرباء، ولكن ذلك كان سيعد إعتداءًا على حرية الآخرين ورغبتهم في الاحتفال والاستمتاع بحفلتهم وعلى الموسيقيين في كسب عيشهم، وبعدها لن يكون الطبيب سعيدًا، سيشعر بالذنب والتعاسة وسيظل في تلك الغرفة أو سيتم إلغاء حجزه بالفندق كليةً.. وهنا سنرى أهمية توكيد الذات.

3. سلوك توكيد الذات (السلوك الناضج):
يعني سلوك توكيد الذات دفاعك عن حقوقك الشخصية وتعبيرك عن أفكارك ومشاعرك ومعتقداتك بطريقة واضحة، صادقة، لا تتعدى بها على حقوق الآخرين.
توكيد الذات يعني احترامك لنفسك، تعبيرك عن احتياجاتك ودفاعك عن حقوقك ولكنها تعني أيضًا احترامك لحقوق الآخرين.

يساعدنا توكيد الذات أن نشعر أننا أفضل تجاه أنفسنا وأكثر ثقة، توكيد الذات ليس ضمانًا للنجاح ولكنه يزيد احتمالياته أو حتى احتمالية الوصول إلى نتيجة مرضية دون إغضاب الآخرين. ويتم استخدام أسلوب التعويد حيث يتم تعريض الشخص تدريجيًا للمواقف التي تثير لديه الخوف والقلق والضيق والإزعاج، ويراعى أن نبدأ بالمواقف قليلة الشدة ثم المواقف الأكثر شدة وهكذا... ويراعى أيضًا أن يبقى الشخص في هذه المواقف لأوقات قليلة تزداد تدريجيًا حتى يحدث التعود.

هناك أسلوب آخر هو الغمر الانفعالي حيث يعتمد على تخيل الشخص للموقف الذي يثير قلقه في أقصى صور شدته ولأطول فترة ممكنة فهذا من شأنه أن يخفف القلق المصاحب لهذ المواقف حتى يتلاشى تمامًا. وفي المثال السابق قرر الطبيب أن يجرب تمارين الاسترخاء أولاً وأن يراجع حقوقه، وقد تمكن من أن يهدئ أعصابه وأن يتذكر أنه قد تم دفع النقود للفندق لكي ينام في مكان مريح.

طلب الموظف المسئول وأخبره بمشكلته وعن ضيقه الحالي وعندما أخبره الموظف أنه سيخبرهم أن يخفضوا الصوت قليلاً لم يكن ذلك حلاً عمليًا وتشكك أنه سيتم تنفيذه.
أخذ نفسًا عميقًا ليزيل التوتر وطلب بصورة واضحة غرفة أخرى وهذا ما تم بالفعل وذهب إلى الموسيقيين وطلب منهم البحث عن مهنة أخرى. وهذه هي أول خطوات توكيد الذات، أن تتعرف على ما سيكون رد الفعل عدوانيا أو سلبيا سواء كان رد الفعل لفظيا أو جسديا، فستون بالمائة من التواصل يكون عن طريق لغة الجسد، ولابد أن نكون مدركين جيدًا لتلك اللغة ولاحتمالية توصيل رسائل خاطئة أو ذات معاني مزدوجة.

ثم يأتي بعد ذلك توضيح أهدافنا، مشاعرنا والمكاسب والتوقعات من السلوك، وما هو تأثير ذلك السلوك على العائلة، الأصدقاء، زملائك بالعمل.
ثم تأتي بعد ذلك توقعاتك من السلوك، فكر في بعض المواقف الحديثة ونتائجها، هل طابقت تلك النتائج توقعاتك، سيساعدك هذا على رؤية نقاط ضعفك، انسحابك، هجومك وعلى رؤية أن كثير من الطرق التي تستخدمها في التعبير ما هي إلا طريقة للهروب، وتخلق ألما وضغطا عليك أكثر من قدرتك على احتماله، قبل أن تستطيع أن تؤكد نفسك يجب عليك الاعتراف أن السلوك العدواني أو السلبي لم يستطيعا قبلاً حل مشاكلك.

يشير مصطلح (توكيد الذات) إلى حرية التعبير عن العواطف الإيجابية والسلبية على حد سواء، سواء التعبير عن مشاعر الصداقة والحب والود أو عن الغضب والعدوان في المواقف التي تستدعي ذلك، كما يشير إلى حرية التعبير عن الاحتياجات والحقوق وخاصة حق الرفض.

إن الخوف من التعبير عن الغضب في بعض المواقف قد يدفع الإنسان إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية، ولكن من خلال العلاج السلوكي والممارسة سيصبح الأمر أكثر سهولة ويسرًا في مواجهة هذه المواقف.
وربما يكون الدافع لطلب العلاج هو عجز الإنسان عن المطالبة بحقوقه وندمه بعد ذلك على إضاعة فرصة كان يمكن أن يستغلها في ذلك.

الكاتب: د. محمد شريف سالم

التعليقات على توكيد الذات، إثبات الذات

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
57199

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري