أسباب التمزق الأسري

تضييع الأولاد بعدم النفقة عليهم

 

أيها المسلمون: إن من أسباب التمزق: تضييع الأهل والأولاد، وعدم الإنفاق عليهم مما يضطرهم للخروج خارج البيت، وخروج النسوة بالذات خارج البيت يفضي إلى أنواعٍ من المفاسد لا يعلمها إلا الله، وبعض هذا يكون بسبب بخل القائم على أمر البيت، وكم حدثتنا القصص الواقعية عن فتياتٍ ارتكبن الفواحش لتحصيل الأموال، وربما لا يكون الغرض هو الوقوع في الفاحشة، لكنها تريد مالاً، وقل مثل ذلك في أنواع الخيانات الأخرى. عن عائشة رضي الله عنها: (أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). إن الشارع حكيم، يعلمُ إذا ما قطعت النفقة عن الأسرة ماذا يمكن أن يحدث، ولذلك شرع للمرأة أن تأخذ سراً بغير إذن زوجها من ماله إذا كان بخيلاً لا يعطيها ما يكفيها وأولادها، لكن الشارع لا يظلم الزوج، ولذلك شرط أن يكون الأخذ بالمعروف، وألا تأخذ على هواها وكما تشاء.


نشر الأسرار الزوجية

 

ومن الأسباب أيضاً في تفكك عرى الأسرة: نشر الأسرار الزوجية، وهتك أسرار البيوت، ولذلك فإن كثيراً من الذين لا يخافون الله يحدثون بما في داخل بيوتهم من أنواع الأسرار التي لا يجوز أن تخرج، ولا أن تفشى؛ من قلة الحياء وانعدام الغيرة، وغير ذلك من التساهل، قال عليه الصلاة والسلام: (هل منكم رجلٌ إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلتُ كذا، فعلتُ كذا؟ فسكتوا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أقبل على النساء، فقال: منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاةٌ كعابٌ على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت يا رسول الله: إنهم ليحدثون وإنهن ليحدثن، فقال صلى الله عليه وسلم : أولا تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطان لقيت شيطانةٍ في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه).


عقوق الوالدين

 

ومن أسباب انهيار الأسرة عقوق الوالدين: فإن عقوق الوالدين، يسببُ إما طرد الولد من البيت، وفيه فصمٌ لعرى الأسرة، أو أن يتعدى الولد على أبيه، فيعيش الوالد أو الوالدة مقهورين في البيت ذليلين لا يستطيعان مواجهة الناس، ولا ممارسة الحياة بشكلٍ صحيحٍ من الظلم الذي يقع عليهما من الولد، وهذا كثير. شقاء في الأسر، ونكد وتعاسة بسبب عقوق الوالدين، الذي يؤدي إما إلى طرد الولد وأحياناً يؤدي إلى طرد الوالدين. هذه قصةٌ واقعية عن ولدٍ طرد أمهُ وأباه من البيت الذي يملكانه، ولكن الله يمهل ولا يهمل، فأرسل إليه بناتٍ على كبره وابتلاه بشرب الخمر فصرن يضربنه وهو مخذولٌ مما يريد التعرض به لهنّ. وهذه بنتُ تمردت على أمها وتقذرت من خدمتها وتكبرت بشبابها وجمالها، رغم أن جلد الأم قد تجعد من القيام على البنت، وأفنت شبابها فيها، فابتلى الله هذه البنت بولدٍ في المستقبل فعل بها -بأمه العاقة- أكثر مما فعلت هي بأمها، وزاد عليها أن ضربها. هذا قصاصٌ طبيعيٌ يحدث في المجتمع مما يكون من آثار العقوق!


سوء الخلق


ومن أسباب انهيار الأسر: سوء الخلق: سوء الخلق الذي يولد الفحش والبذاءة، والاعتداء والضرب والتوحش. فهذا رجلٌ يضرب زوجته وأمه، ويدعو على ابنته بالسرطان والشلل، ولا يصلي ولا يصوم، يدخل البيت في سباب وشتائم، ويخرج من البيت في سباب وشتائم، ويقول لزوجته التي أنجبت بنتاً: ليس لك قيمةٌ في المجتمع، لأنك أنجبت بنتاً وهكذا. والتوحش المتولد من سوء الخلق يؤدي إلى أمورٍ عجيبة في العمر؛ حتى ربما كان هذا الفاجر يعري سلك الكهرباء ويضرب به ابنته وهو مشبوكٌ طرفه بالتيار الكهربائي. هذه قصصٌ واقعية، لم نختلقها ولم نكذب فيها، وإنما هي مما أفرزه المجتمع عند ابتعاده عن شريعة الله، وآثار الضرب لا زالت في ظهر البنت ما بعد الزواج، والبنت الأخرى قد أصيبت بنوبة صرعٍ مع آثار ٍواضحة في الرأس من أثر الضرب، وتلك أخذ مهرها، ولا ينفق على بناته، وهذه نتيجةٌ طبيعية للابتعاد عن شرع الله، والتجاوز لحدود الله، وعدم التخلق بأخلاق الإسلام، إن النفس إذا نزع منها الدين، تحولت إلى وحشٍ كاسر، لأن الدين يهذب النفوس، ويخلِّقها بالأخلاق الحسنة.


المعاصي بأنواعها

 

ومن أسباب انهيار الأسر وتمزقها: ارتكاب المعاصي والفسوق بأنواعها، والجرائم التي حرمتها الشريعة؛ فهذا إنسانٌ يلعب القمار، ويسافر ليلعب القمار، وإذا أخذ راتبه في آخر الشهر، فلا يمضي عليه عشرة أيام إلا وينتهي الراتب بسبب اللعب بالقمار، وزوجته وأولاده ليس عندهم ما يحتاجون إليه. ثم إن هذه المعاصي تفشت، ومنها السكر والمخدرات، وقد بينا طرفاً من ذلك، لكن بتتبع كثيرٍ من المشكلات البيتية، وجد أن سببها الخمر والمخدرات، والعربدة، والإدمان والمخدرات من الأشياء التي أطاشت العقول، وخربت البيوت. هذا ولدٌ عاطلٌ عن العمل: يتعاطى المخدرات، كل يوم في سجن، أو مستشفى، أو عيادةٌ نفسية، وكذلك الفسق والدياثة الذي يتضمن أموراً كثيرةً من إقرار الخبث والسوء في الزوجة والأولاد، وهذه صورة بسيطة جداً لما يمكن أن يقع من ذلك. هذا رجلٌ زار صاحباً له، رب أسرة، فأراد صاحب البيت أن يكرمه ويقدم له هدية، فماذا قدم له، صورته مع زوجته، صورة الزوج مع زوجته قدمها هدية لهذا الرجل الذي جاء إلى بيته زائراً، لتكون هدية تذكارية لا يغار عليها أن يراها الأجنبي، وهكذا من أنواع فقدان الغيرة الموجودة عند بعض الناس. ثم إننا نتعرض لهزاتٍ قوية في الأسر بسبب الاختلاف على القضايا المادية، واللهث وراء المادة والتعلق بالفلوس؛ ذلك التعلق المشين الذي يفضي إلى الطمع وحرمان الآخرين، والأنانية ولا ندري هل سيأتي علينا يومٌ يكون الطمع فيه بالمال مؤدياً لنا بما أدى إليه أحوال الكفرة في عالمهم؟ نشرت إحدى الصحف: أن زوجة وزوجها في بلاد الغرب قد اختارا، أو اضطرا للاختيار بين طفلتيهما المولودة حديثاً، وبين السيارة التي يدفعان أقساطها، لأنهما لا يستطيعان الجمع بين نفقة البنت وأقساط السيارة، فكان لا بد من الاختيار، فاختارا السيارة، وسلما البنت لملجأ من الملاجئ، وذكر الأب أنه ترك ابنته في المستشفى للتبني، وقال: الطفلة قد تجد عند من يتبناها أحسن مما تجد عندنا، وأكدت الأم أن ما حصل هو الصواب، ويقوم عددٌ من الناس في بلاد الغرب، ببيع أطفالهم بآلاف الجنيهات، فأي رابطةٍ هي موجودة؟ وأي عطفٍ وأي رحمة؟ وأي حنانٍ في ذلك المكان؟


الاقتتال على المادة


 

أيها الإخوة: إن الاقتتال على المادة، وطمع الناس في المادة يؤثر على الأسرة، ولذلك تجد هذا الرجل يريد أخذ راتب زوجته بالقوة ولا يترك شيئاً، وهذا الأب يحرم ابنته من الزواج، لأنها موظفة ويريد استمرارية المصدر والاستيلاء على راتب البنت، وهؤلاء أخوة يتحايلون على أختهم ويستلفون منها الأموال، وهم لا يريدون ردها وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن من الكبائر استدانة الرجل وهو لا يريد الوفاء، وهكذا تكون المادة نهب الطامعين، وهي مدار العمل واتجاه النيات؛ فتفسد النفوس وتأسن ويكون فيها خراب البيوت. اللهم إنّ نسألك أن تطهر بيوتنا، اللهم إنّ نسألك تطهر قلوبنا، اللهم إن نسألك أن تجعلنا ممن يقيمون حدودك في بيوتهم، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والستر، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

جزء من محاضرة : (الانهيار الأُسري [2])  للشيخ : (محمد المنجد)
المصدر: islamweb.net

الكاتب: الشيخ محمد المنجد

التعليقات على أسباب التمزق الأسري

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
18388

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري