مقالات الوعىتنمية المرأةتنمية المراهقة › صديقتي بكيتك كثيراً. ونسيتك أخيراً

صديقتي بكيتك كثيراً. ونسيتك أخيراً

تحكي وهي تبكي: تخرجنا من المرحلة الثانوية، وكان يوم وداعناأسطورة متكاملة من الدموع والشجن، تعاهدنا على التواصل والوفاء.

كتبت لي على حافة دفتر ذكرياتي (لن أنساك أبداً)، وطبعت نفس العبارة بمزيل الحبر الأبيض على مريلتي الرمادية التي مازلت أحتفظ بها حتى اليوم. مرت الأشهر، والتحقت كل منا بكليتها.. جمعتني بِها مكالمات هاتفية حميمة بعد تخرجنا، تحولت إلى خاطفة في المناسبات والأعياد... فمتلاشية تماماً؛ إذ انقطعت فجأة!

أتصل بها.. مشغولة! أرسل رسالة.. لا ترد!.. أبحث عنها في الماسنجر، ولا أجدها، لأكتشف في نهاية المطاف أني بتّ محذوفة من قائمة أصدقائها! التقيت بها بعد ثلاث سنوات مصادفة في إحدى المدن الترفيهية، وقد تغيرت كثيراً..  بادرت بالسلام.. لم تعرفني! أو لربما عرفتني. ولكن تجاهلتني!

حكاية ليست هي الأولى، ولعلها لن تكون الأخيرة، فتيات ينخرطن معنا في خضم صداقات طويلة طيلة سنوات المصلحة المشتركة من دراسة وعمل، وما أن تنتهي حتى يستقبلن يوم الوداع العالمي بترقرق الدموع وانسيابها.. والاحتضان حد الالتصاق.. وملامسة الشعر وتهييج المشاعر غير المندرجة تحت قانون حفظ الطاقة.. ونصب المواثيق المحنوثة سلفاً بالبقاء على العهد والاتصال... ثم .. ثم.. مصادرة كل شيء.. بتناسي كل شيء!!

هنا حكايات وآراء .. مواقف وقطرات من هذه الدموع، والصنف من صداقات حميمة تحولت بفعل عوامل التعرية إلى علاقات منسيّة.. رحلة التقينا بها وسمعنا فيها... فكوني معنا.

تماماً نفس الدموع

في البداية تستفتح "ملكة" بهيبتها حكايتها عن صداقة قديمة: في آخر يوم كانت دمعات لو رأيتهـا لكنت صدقتِ دون تفكير أنهـا ستفتقدك.. كانت مدة صداقتنـا منذ الطفولة حتى الصف الخامس الابتدائي، ولكن بعد مرور أشهر انقطعت هذه العلاقة دون أية أسباب مقنعة، مع أني كنت أتصل بِها وقت العطل والإجازات، وهي ولا تتذكر، والحمد لله أن عوضني الآن بصديقة مثلها وأفضل مِنها.

وعن أسباب هذا الانشغال تروي "رجاء" حكايتها: نبرة صوتهن والكلام البارد والحجج الواهية بالمشاغل والظروف، مع العلم أنني بشر مثلي مثلهم، ولديّ ما يشغلني، فلماذا لم أنسهم ؟! -والشيء اللي يقهر- أنني أعرف تماماً بأن لديهم أرقامي ولم يتكلفوا بالاتصال، وحتى إن التقيت بهم في مكان عام كأني أراهم لأول مرة.. أين ذهبت الدموع والوعود بالتواصل أيام الدراسة؟.. هذا الزمن أصبح زمن الصداقات النادرة، ومن تحصل على صديقة مخلصة ينبغي أن تتمسك بها بيديها وأسنانها.

عداوة من بعد صداقة

أما "ومضة أمل" التي وصفت تجربتها بالأسطورة، فتحكي عن جرح الصداقة قائلة: الأشد من التجاهل أن تصبح الصديقة عدوة لك تحاول تشويه سمعتك، فبعد عشر سنوات جمعتنا خلالها أمور كثيرة، حتى عندما انتقلت للعمل في مكان آخر، واحتجت هذا المكان لموظفة تذكرتها فوراً، ولكن للأسف هذه الأخت خذلتني حين اتهمتني أني أحضرتها لأذلها، ويشهد الله أني لم أفكر في أن أفعل ذلك، ثم حاولت مع مديرة العمل أن توهمها بأني أحاول التجسس عليها وعلى المعلمات لغرض ما، وعندما واجهتها بالأمر أجابت: الله يسامحك على كل "اللي عملتيه فيّا"، وأخذت تبكي بكاء التماسيح ليرى الجميع أنها المظلومة، وحين أخبرت أمها أجابت ابتعدي عن ابنتي؛ فهي لا تريد لك خيراً، كما أخبرتني أختها أنها كانت تكرهني بشكل كبير، وإلى الآن لا أعلم ما السبب؟!

بعد التخرج Sorry !

أما بنت شمر فتقول: أختي كانت تدرس في الجامعة، وكان لديها أربع صديقات أحداهن تكبرهن بسنة واحدة، وقد أمضت معهن ثلاث سنوات في نفس السكن، وبعد أن تخرجت وتزوجت أحبت الصديقات السؤال عنها، فاتصلن على جوّالها، وفتحن (Speaker )، سلمت عليها المتصلة ردت من معي قالت: أنا فلانة!! قالت لها: فلانة مين؟ ذكرتها بأيام السكن والجامعة قالت (Sorry ) أنا مسحت كل أرقامكن بعد تخرجي وزواجي، انصدمن وأقفلن الجوال، وبعد تخرجهن التقين بها في الديوان، وقد جاءت تقدم أوراقها فجئن يسلمن عليها تنقبت ومشت وكأنها لا تعرفهن!

وتواصل متحدثة عن قصة أخرى: كان لدى أبي صديق أسدى له والدي معروفاً؛ فقد احتواه هو وأبناءه حين طرده أبوه، وقد نشأت علاقة صداقة بين إخوتي وأبنائه واليوم يمرون بِهم، ولا يعرفونهم، حتى السلام لا يردونه.

"بنت شمر" أثارت نقطة هامة حين تحدثت عن وجود هذا النوع من الصداقة في مجتمع الشباب، وقد اتفقت معها في ذلك "أمنيات" قائلة: الوفيّ وفيّ سواء كان بنتاً أم شاباً، ومن هذه الناحية أرى أن كليهما متعادلان. أما "بسمة" فكان لها رأي مغاير: الاختلاف فقط في كثرة فرص التواصل لدى الشباب، ومع ذلك تنتشر لديهم صداقة المصلحة بشكل أكبر.

وفي المقابل "رسمة خيال" كان لها موقف مختلف؛ فقد رسمت ابتسامة واثقة وقالت: لا يا عمري!! البنات أصدق وأوفى أكثر من الأولاد!!

الرجل عقلاني

"ومضة" لها رؤية توضيحية حول هذه النقطة؛ إذ أشارت إلى أن: الرجل عادة ما يكون أكثر منطقية وعقلانية في علاقاتِه؛ فهو يبنيها على أساسات عملية غير عاطفية لا يقطعها طول انقطاع أو عدم سؤال، وهو إن كان متزوجاً لا يفكر إلاّ بنفسه، وما يريده هو، على العكس من المرأة التي ينبغي عليها أن تستأذن زوجها في كافة أمورها بحكم ما يقتضيه ديننا الإسلامي. أما بالنسبة للأهل فأعتقد أن الطرفين على دراية بأن طبيعتهم قد لا تساعد على التواصل إلاّ بقدر المسموح، وبالمقابل سيكون هناك مراعاة لذلك من كلا الطرفين، هذا إن كانت العلاقة حميمة منذ البداية.

"أثير" تحدثت بشيء من الحياد: عادةً ما ترتبط العلاقات في مجال الدراسة و العمل بالبيئة التي تنشأ فيها، وفي حال تغيرها وعدم وجود سبب قوي لاستمراريتها فإنها تكون عرضة للضعف والتلاشي، وأرى أنه من الطبيعي أن يميل الإنسان إلى أن يقيم علاقات جيدة مع الأشخاص الذين يشاركونه نفس الخلفية والاهتمامات.

وتشاركها "ومضة" الرأي: لكل مرحلة لها لوازمها النفسية فلا يمكن أن نحكم بزيف المشاعر تماماً لدى الفتاة في مراحل الدراسة، خاصة وأن الفتاة في فترة المراهقة تتحكم فيها العواطف وتظهر بشكل كبير، وثمة أسباب يدركها العقل مثل طبيعة الشخصية، الظروف المحيطة، عدم التفاهم بين الطرفين، الملل من اللوم والعتاب المستفز، أما في حال الحديث عن العاطفة فلا يوجد مبرر للعواطف الصادرة على صورة تمساحية؛ فهي لا تتقبل ولا تحتمل ذلك.

الفهم أولاً

الناشطة الاجتماعية "ريم أبو عيد" لها إضافة في هذه النقطة: يمكن تصنيف هذه العلاقات على أنها زمالة، ومعرفة فرضتها ظروف الدراسة أو العمل، فهي تعارف إنساني قد يحتمه التواجد في مجال مشترك من مجالات الحياة، وعلى ذلك من الضروري أن يدرك الشخص طبيعة علاقاته بالآخرين وما هو هدفه من تلك العلاقات، خاصة وأن هناك شخصيات ذات طبيعة نفعية لا تقيم أي نوع من العلاقات الإنسانية إلاّ لتحقيق نفع من ورائها، قد يأتي على صورة مصلحة مادية، بمعنى استفادة فتاة من أخرى في مجال الدراسة مثل عمل الأبحاث أو في العمل بهدف الترقية مثلاً.

أما في حال الحديث عن الحاجة المعنوية فهي لا تدخل تحت إطار تحقيق المصالح والمنافع؛ لأنها حاجة فطرية في الإنسان، وأعتقد أنها من الأسس التي تقوم عليها الصداقة الحقيقية. فالإنسان لن ينشئ علاقة صداقة مع شخص إلاّ إذا كان بالفعل يشعر بارتياح في الحديث إليه، وهذا بدوره يقوي أواصر تلك الصداقة ويوطدها.. والعلاقة التي تقوم على التفاهم والثقة لا أتصور أنها تفتر بمرور الوقت بل على العكس قد تقوى بمرور الزمن طالما أن أطرافها يتسمون بالصدق في التعامل.

ماذا تقول المتهمات؟

اتجهنا للفريق المقابل.. فتيات تركن صديقاتهن بعد علاقة دامت شهوراً، ولربما سنوات، وسألنهن عن السبب. تبدأ أم يوسف حديثها بالدفاع عن نفسها: إحدى صديقاتي امتهنت حرفة اللوم، ففي كل مكالمة وكل مناسبة وكل لقاء تشتكي: لماذا لم تتصلِ بي..؟! أنا من تسأل فقط؟ لتتحول جلساتنا إلى تحقيق تبحث فيه تلك الصديقة عن حقوق اهتمامي بِها، ولا تقدر انشغالي، فاخترت الراحة وأقفلت بابي عليّ!!

من جانبها تتساءل "منال": هل من المفروض أن أمضي في علاقة صداقة مع فتاة كانت تريدني مسيرة لرغباتها؟ الأخت كانت تود أن تفرض قراراتها عليّ، وعندما رفضت هاجمتني بأمور أظهرت غيرتها المكبوتة مني؛ فابتعدت عنها غير آسفة عليها.

بدورها تقول "بثينة": صديقتي التوأم التي كنت أعتبرها بمثابة أختي.. تزوجت أخا وزير، وانقلبت رأساً على عقب .. كانت كلما رأتني تقول: فلان يقول لي: ادفعي لي طلب لأخي من أجل الوظيفة!! يا إلهي هل تظن أني سأطمع فيها!! إضافة إلى حديثها بالأنا والكبر الذي ظهر عليها، بما لا يسمح لي باستمرارية العلاقة معها، ومن يومها قررت أن أضع حداً لتلك العلاقة، لأصبح صديقة للجميع، أتحدث مع الكل، وأضحك معهم، وما لا ينبغي التحدث به أحتفظ بِه لنفسي، أو ألجأ لوالدتي؛ فهي أمي وصديقتي وأختي التي لن تغدر بِي أبداً.

شمّاعة المجتمع

تعزو الأستاذة والأختصاصية الاجتماعية (جيهان حسان) المحاضرة في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أسباب شيوع هذا النوع من العلاقات إلى الضعف بكافة أشكاله، وتقول:  ينبع مثل هذا النوع من الظواهر في أوساط الفتيات في حالات ضعف الوازع الديني والأخلاقي، وضعف قيمة العلاقات الاجتماعية، إضافة إلى هيمنة التكنولوجية الحديثة، والتي ساعدت بدورها على تغييب المشاعر.

ولعل أبرز الأسباب  تتجلى من وجهة نظري في انتشار قيم الذاتية والأنانية، والتي تتعزز في حالات نقص النضوج الفكري والاجتماعي لدى الفتاة، بما لا يمكن تقييده بمرحلة عمرية معينة أو تبريره، كذلك لمن تتخذ من بعض عادات المجتمع وتحفظاته  كشمّاعة تعلق عليها هفواتها وأخطاءها.

وحول كيفية اختيار الأصدقاء تشدّد "جيهان حسان" على جعل المعيار الديني والأخلاقي في المقدمة، متمثلاً في تقوى الله والانضباط الشرعي، يليه تحري التقارب العمري والفكري، إضافة إلى وجود عدد من المعايير الشخصية التي تضعها الفتاة بما يتفق  مع ميولها واهتماماتها.

حوار- ثقة

وعن دور الأسرة في تعزيز بروز هذا النوع من الصداقات تتحدث إلينا المشرفة التربوية والمستشارة الأسرية الدكتورة سلمى سيبية قائلة: غياب الحوار الأسري ساهم في تكوين تصوّر خاطئ لدى الشباب عن معنى الصداقة، وحصرها في إطار العلاقات الوقتية المنفعية التي تكرس مفهوم نظرية المؤامرة من قبل الآخر، وتروّج لحصر الصداقة في إطار العائلة والأقارب، كما ساهم شيوع مفهوم الصداقة الإلكترونية عبر المنتديات أو غرف الدردشة ونحوه في وجود كثير من أفراد المجتمع الذين يعانون من الوحدة والكآبة كنتيجة طبيعية لغياب التوافق الفكري والوجداني، ولذلك فهناك حاجة إلى مزيد من الوعي، ونشر ثقافة الحوار الأسري، وإعطاء الفتاة المزيد من الثقة لاتخاذ قراراتها، مع إسداء النصيحة لها إن لزم الأمر.

وعن فتور علاقات الصداقة بعد الزواج تجيب: غالباًَ ما تقع الفتاة تحت وطأة هذا الفتور حين تتخذ الصداقة كحل وقتي للهروب من مشاكلها باعتقادها أن الزواج هو الحل الأمثل لكل ذلك، ومتى ما اكتشفت عدم صحة هذا الاعتقاد عاودت للبحث عن صديقاتها من جديد؛ فهي في الحقيقة لا تعرف ماذا تريد، ولا تحدد ما تريد.

احذري الابتعاد

إحدى الدراسات التي أوردها الدكتور أسامة سعد أبو سريع في كتابه "الصداقة من منظور علم النفس" أظهرت نتائجها أن الأشخاص الذين يفتقدون الأصدقاء يكونون أكثر استهدافاً للإصابة باضطرابات نفسية كالقلق، والاكتئاب، والخجل الشديد، والعجز عن التصرف الكفء عندما تضطرهم الظروف إلى التفاعل مع الآخرين، وفيما يتصل بالصحة الجسمية فقد لاحظ الأطباء كذلك ضعف مقاومتهم للأمراض الجسمية وتأخرهم في الشفاء منها، بل وتزيد بينهم معدلات الوفاة بعد الإصابة بتلك الأمراض، بالمقارنة مع الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية طيبة.

من جانبه يقدم الدكتور عمرو أبو خليل  أختصاصي الطب النفسي والمستشار بموقع (إسلام أون لاين) إضاءة على بعض قواعد الصداقة ويقول: من الأمور التي تجعل الصداقة تسير في مسار طبيعي دون أزمات أو اختناقات هو علم أطرافها بقابلية انقضائها في أي وقت.. لأن هذه طبيعة الأشياء؛ فالخلود هو صفة الرحمن الخالق فقط.. وسيدنا جبريل قال لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم: يا محمد، أحبب من شئت فإنك مفارقه..!! فراق بسبب ظروف الحياة.. اختلاف الدراسة.. اختلاف العمل.. الانتقال لمكان جديد.. الزواج.. الموت.. لذا فإن التعدد وباقة الزهور تحلان المشكلة.. لأن الصداقة الأحادية تجعل الإنسان في حالة قلق مستمر من فقدان الصديق، في حين أنه في حالة وجود بدائل وأصدقاء عديدين يصبح الأمر عادياً.

الكاتب: غادة نافع / الرياض

التعليقات على صديقتي بكيتك كثيراً. ونسيتك أخيراً

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
80657

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري