مقالات الوعىالصحة العقليةاضطرابات الأكل › إضطراب الإمتناع القسري عن الأكل

مقدمة:
اضطراب الإمتناع القسري عن الأكل، والمعروف اصطلاحا بانوريكسيا Anorexia ، هو اضطراب من اضطرابات الأكل مثل، اضطراب الشره المرضي بوليمياBulimia ، واضطراب البدانة Obesity ، واضطراب عيوب الشكل Body Dysmorphic Disorder ، واضطراب الأكل القهري Compulsive Overeating . تسيطر على المصاب بأنوريكسيا أفكار إستحواذية مقترنة بالخوف والقلق من ان يزيد وزنه وان لا يبدو رشيقا ، ويتحكم بصورة قسرية بتناول كمية قليلة جدا من الطعام، ويعاني من اضطرابات نفسية وبدنية وسلوكية مشابهة لعدد كبير من اعراض اضطراب الشره المرضي او شراهة الأكل، على الرغم من الإختلاف بينهما .

ماهو اضطراب الإمتناع القسري عن الأكل؟

تعني كلمة انوريكسيا حرفيا فقدان الشهية، غير ان هذا المعنى الحرفي مضلل لأن المصاب بأنوريكسيا يتجاهل الجوع عمدا ويتحكم برغبته في تناول الطعام قسرا، ويعاني من خوف شديد من ان يزيد وزنه، ويركز فكره بشكل غير طبيعي على قوامه ومظهره الخارجي ، ويقيد نفسه بصورة غير طبيعة الى نمط صارم وقاسي من التقشف في تناول الطعام، على الرغم من هزال جسمه . تتجاوز مشكلة المضطرب مسألة الإمتناع القسري عن الأكل الى إضطرابات نفسية حادة، ويطور انماط سلوكية غير طبيعية في اخضاع نفسه لنظام صارم للحمية، ومقاومة الحفاظ على الوزن، حتى وان كان وزنه اقل من الوزن الطبيعي الذي ينبغي ان يكون عليه، ويستمر في تخفيض وزنه بصورة غير عادية، الى ان يصل وزنه الى اقل من الوزن الطبيعي بنسبة 15- 25% او اكثر.
على الرغم من نحافة المصاب الواضحة، يقتنع تماما على انه بدين، ويجب عليه تخفيض وزنه ويستمرفي تخفيض الوزن الى الحد الذي يقارب الموت . لديه مخاوف كبير وشديدة من ان يصبح بدينا وتستحوذ هذه الفكرة عليه وتجعله عاجزا من التخلص منها ويستسلم اليها تماما الى درجة تعيقه من القيام بوظائفه الحياتية اليومية.
يعاني من خوف دائم من ان لا يسيطرعلى تناول كمية من الطعام تؤمن استمراريته في فقدان الوزن، لذلك تجده يحسب باستمرار السعرات الحرارية للمواد التي ينوي تناولها ويحددها بأقل من1000 سعرة يوميا، ويبتعد عن الأغذية الدسمة ويلغي تناول اللحم ويلجأ غالبا الى تناول الأغذية النباتية، ويطور انماطا من السلوك مثل، الصرامة والتقيد الشديد في الأكل، والتقيؤ المتعمد، وتناول اقراص الحمية ومواد مسهلة ومدررة للسيطرة على الوزن، ويقوم بتمارين رياضية إستحواذية مفرطة، ويرفض تناول الطعام امام الأخرين، ويجهز وجبة كبيرة للأخرين ولكن يرفض ان يتناول منها، يتظاهر بانه يتناول الطعام، وينكر الجوع، وغالبا يخفي الطعام ويرميه في علبة القمامة ويدعي انه تناوله، ويلجأ الى تناول السكريات، ويشرب كميات كبيرة من القهوة والشاي ويدخن كثيرا، وقد ينخرط في انشطة تركز على الرشاقة مثل الرقص والركض لمسافات طويلة.

انوريكسيا اضطراب شعوري معقد، واستحواذي خطير، و رد فعل لأزمات شعورية عميقة خارجية وداخلية للمضطرب مثل، ضغوط الحياة اليومية، وما ينجم عنها من ضغط نفسي، وقلق، وكآبة، وخوف، وحزن، وشعور بان الحياة خارج السيطرة، ويحرم المضطرب نفسه من المواقف التي تجلب له المتعة ومن ضمنها الأكل، ولايتعامل المضطرب بايجابية مع مشاعره.

ان معظم الذين يعانون من هذا الإضطراب هم من النساء والشابات وتشكل نسبتهم 90% -95% من المصابين بهذا الإضطراب ، ولكن يصيب الرجال والشباب، وقد يصيب الأطفال وكبار السن من النساء ايضا، ولا خصوصية لأية مجموعة بشرية او مستوى اقتصادي او اجتماعي او تعليمي .

ان مخاطر الإصابة بالإضطراب اكبر في الحالات الأتية :

1- بين المراهقات و الشابات مقارنة بالمراهقين و الشباب
2- عند بدأ مرحلة النضج.
3- عند الإصابة بالكآبة .
4- اذا كان الشخص يعاني من القلق الإستحواذي القهري،والرهاب او الفوبيا , يبدأ الإصابة بالقلق في الغالب قبل اضطراب انوريكسيا ويظهر بعد الإصابة به من خلال الطقوس واشكال السلوك القسرية والإلزامية التي يقوم به المصاب مثل تقطيع الطعام الى القطغ صغيرة.
5- ان كان الشخص قليل التحمل للضغط النفسي وضغوط الحياة اليومية.
6- ان كان ذو شخصية مغلقة ونرجسية، ويشعر بعدم الإنسجام مع الأخرين، ويجد صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية، عنده حساسية مفرطة تجاه الإنتقادات السلبية، وعلاقاته الشخصية غير مستقرة ، وتصوره سلبي عن نفسه بشكل مفرط، وسلوكه اندفاعي بإفراط .
7- ان كان من اسرة لا توفر له الأمان اللازم، ويكثر الوالدان في توجيه انتقادات شديدة اليه، اويتعرض الى سخرية واستهزاء افراد اسرته بسبب قوامه ومظهره .
8- ان كان يعمل في مجالات تتطلب الرشاقة والنحافة مثل التمثيل والرقص وعرض الأزياء ورياضة الجمباز والركض وركوب الخيل والعمل كمقدم برامج تلفزيونية وغيرها.
9- ان سبق وان تعرض الى إساءة جنسية او صدمة نقسية عنيفة .
10- ان كان يتبع نظام حمية .

اسباب الإصابة بالإضطراب

لا يوجد سبب منفردمعروف لهذا الإضطراب، وكما هو الحال في اضطرابات الأكل الاخرى تتعاضد مجموعة متنوعة من الأسباب في احداث الإضطراب وهي :
1- الأسباب الثقافية، تلجأ النساء تحت تأثير المفاهيم الحضارة الغربية الى تبني الإعتقاد الذي يرى ان الجمال يكمن في رشاقة المرأة ، وان قبولها الإجتماعي يعتمد على مدى رشاقتها، واستنادا اليها تكون المرأة، وخاصة الشابة، قناعتها بضرورة تقليل الوزن وقد يتطور هذا الإعتقاد الى هوس ينتج عنه الإضطراب. وليس الامر محصورا بالنساء فقط بل يتجاوز الى الرجال مثل الفنانين والرياضيين ومقدمي البرامج التلفزيونية اوغيرهم .
2- تعرّض الشخص الى احداث ضاغطة مثلا، صدمة نفسية عنيفة بسبب وفاة شخص عزيز ، او تعرضه الى اساءة جنسية قبل واثناء فترة النضج ، او حدث تغييرات كبيرة في نمط حياته .
3- بعض الخصائص الشخصية مثل، نزعة الشخص الى ان يكون مثاليا وكاملا Perfectionism ، والخوف من ان يكون منبوذا ومحتقرا، ورغبة جياشة في ان يكون محبوبا ويتصوره الأخرون كشخصية محبوبة وكاملة ، وعندما يعجز عن تحقيق ذلك ينمو عنده احساس بانه تافه لا يستحق ان يكون محبوبا من الأخرين، ويلجأ الى صوم قسري كسلوك انتقامي. ومن خصائص الشخصية الاخرى المسببة لأنوريكسيا، ان يكون تقديره لذاته متدنيا، وان يكون انعزاليا ومنغلقا على نفسه، كارها لذاته، يشعر دائما بخيبة الأمل، ويضع لنفسه توقعات يصعب منالها ، نزّاع الى الدقة في كل شئ .
4- قد تكون العائلة سببا في الإصابة باضطراب الأنوريكسيا ، يظهر اثر العائلة اما عن طريق العوامل الوراثية ، او بسب نزعة العائلة في تدعيم سلوك اعضائها في تقليل الوزن واتباع الحمية، او لوجود شخص في الأسرة مصاب بالإضطراب ويدعم السلوك المؤدي الى الإضطراب .
5- الأسباب البايولوجية، مثل الإختلال في مستوى الهورمونات وكيميائيات الدماغ .

اعراض الإضطراب

ان اعراض الأنوريكسيا عديدة ومتنوعة يعاني المضطرب من بعضها وكما يأتي :
1- الأعراض الجسمية:
- نحافة الجسم، لاينسجم وزن الجسم مع عمر وطول وبنية الشخص، ويقل وزنه عن الوزن الطبيعي بنسبة 15% او اكثر .
- عدم ظهور الطمث لثلاث مرات على الأقل .
- تساقط شعر الرأس اوضعفه .
- ينمو على جسمه ووجه شعر ناعم خفيف
- ضعف وسهولة تكسر الأظافر وهشاشة العظام .
- جفاف الجلد واصفراره .
- الإرهاق والدوار والإغماء .
- عدم انتظام ضربات القلب ،وهبوط ضغط الدم .
- قصور في التنفس
- الإمساك
- الشعور بالبرودة دائما .
2- الأعراض السلوكية :
- يلجأ الى الصوم القسري، او يتناول كمية قليلة جدا من الطعام .
- ينكر الجوع .
- يرفض تناول الطعام امام الأخرين .
- يقوم بتمارين رياضية مفرطة على الرغم من التعب الشديد .
- كثير الإعتذار عن الأكل ودائم التهرب منه .
- يتناول انواع محددة من الأطعمة وخاصة تلك التي تحتوي على سعرات قليلة .
- يمارس طقوس خاصة عند تناول الطعام كأن يقطع الطعام الى قطع صغيرة، اويقذف الأكل بعد مضغه، او يحسب كم ملعقة يأكل من الطعام، او يلهي نفسه بتدوير وتحريك الطعام في صحنه دون ان يتناول منه .
- يزن الطعام قبل الأكل .
- يخفي الطعام ويرميه .
- يتخلص المضطرب من الطعام اجباريا عن طريق التقيؤ المتعمد واستخدام أقراص مسهلة ومدررة .
- يطبخ انواع مختلفة من الطعام للأخرين ولكن يرفض ان يتناول منه .
- يوزن نفسه يوميا .
- يكثر من مشاهدة نفسه في المرآة لمعاينة عيوبه .
- كثير الشكوى من بدانته، ويرتدي دائما الملابس الفضفاضة والمنتفخة ليبدو بدنيا ويخفي نحافته .
- ينعزل عن افراد اسرته واصدقائه .
3- الأعراض النفسية :
ضحالة المزاج وخلو العواطف والإنفعالات ، وصعوبة التركيز، والكآبة ، والقلق الإستحواذي القهري، والرهاب الفوبيا, الخوف، تدني تقديره لذاته، وكراهيته لذاته, شعوره بخيبة الأمل .

علاج الإضطراب

ينبغي ان يتعرض المضطرب الى خطة علاجية متكاملة تستهدف الجوانب الجسمية والنفسية . تتضمن خطوات العلاج في الغالب ثلاثة مكونات :
1- اعادة وزن المضطرب الى وزنه الطبيعي .
2- التعامل مع المشكلات النفسية المرتبطة بالإضطراب .
3- الغاء او تقليل السلوك التي تقود الى الإضطراب او الإرتداد بعد العلاج.
يتلقى المضطرب علاجا بالأدوية وعلاجا نفسيا وارشادات عن التغذية.

ارشادات في مقاومة الإضطراب

1- عزز وادعم تقديرك لذاتك وانخرط في انشطة تستهويك وتستطيع ان تقيّم تقدمك فيها مثلا، تعلم مهارات جديدة، نمي هواياتك، اشترك في نشاطات اجتماعية في الجمعيات والفرق او اية مجموعات اخرى في محيطك الإجتماعي .
2- كن واقعيا ولا تتأثر كثيرا بما تذكره وسائل الإعلام عن الرشاقة والنحافة والوزن والقوام المثالي .
3- قاوم الرغبة الشديدة في الحمية والرغبة الشديدة في التخلص من الطعام الذي يفترض ان تتناوله، واعلم ان الحمية تسبب لك مشكلات صحية، ومصاعب في مواجهة الضغوط النفسية .
4- ذكر نفسك دائما ماهو الوزن الطبيعي الصحي الذي ينبغي ان تكون عليه وخاصة عندما تشاهد اي مادة اعلانية اوقوام يوقظ عندك الرغبة في الحمية والتخلص من الطعام .
5- حاول ان تشخص المواقف والأفكار والسلوكيات التي تدفعك الى تقليل وزنك والى الحمية، من اجل وضع خطة بمعاونة من يعالجك للتعامل معها.
6- لا تتردد على المواقع الألكترونية التي تمجد بالرشاقة والنحافة، لأنها تشجعك على ابقاء العادات الخطيرة في الأكل ويسبب لك الإرتداد الى الإضطراب اثناء اوبعد العلاج .
7- ابحث عن نماذج ايجابية وصحية للقوام لتتأثر بها، ولا تتأثر بكل ما يعرض من نماذج الرشاقة في وسائل الإعلان لأنها لا تمثل دائما النموذج الصحي للقوام .
8- اعترف مع نفسك بان حكمك عن عاداتك في الأكل وتصوراتك عن الوزن والقوام قد لا يكون الأفضل ، وعليه خذ بإرشادات معالجك .

الكاتب: أ.د.جمال الشمري

التعليقات على إضطراب الإمتناع القسري عن الأكل

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
12329

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري