إن مما تتطلبه الحياة الزوجية بعد الطاعة والاعتراف بالقوامة والانقياد للزوج : تصنُّع الإحسان إليه "بدوام الحياء منه، وقلة المماراة له، والسُّكوت عند كلامه، وإظهار القناعة، واستعمال الشفقة، وإكرام أهله وقرابته، ورؤية حاله بالفضل، وقبول فعله بالشكر، وإظهار الحب له عند القرب منه، وإظهار السرور عند رؤيته"، فلا يكفي الفتاة المسلمة قيامها بالفروض الزوجية فحسب، فإن الرفق في معاملة الزوج، والسعي في طلب مرضاته، وتكلُّف مداراته : من الأمور المطلوبة أيضاً، فهي تُضفي على العلاقة الزوجية بهجة، ومزيداً من السعادة، فالفتاة الصالحة المحبَّبة إلى زوجها : لا ترى أحداً من الرجال يساوي زوجها، فهي تُحبه المحبة الراشدة : محبة لذاته، وأخرى لحق الزوجية، بل وتتكلَّف محبَّته، حتى وإن لم تكن تُحبُّه على الحقيقة؛ وذلك لحق العشرة والإسلام، فليست كل البيوت تقوم على الحب الخالص، ولو كان الحب وحده شرطاً للإحسان بين الزوجين فإن " المرأة إذا فَرَكَت زوجها : مات ضعفها الأنثوي الذي يتم به جمالها والاستمتاع بها، وتعقَّد بذلك لينُها واسْتحْجر، فتكون مع الرجل بخلاف طبيعتها، فتنقلب أنوثتها الجميلة عربدة وخلافاً وشراً، فلا تستقيم حياتها إلا بالوفاق مع زوجها، إما بطريق الطبع فتألفُه ويألَفُها، وإما بطريق التكلُّف والمدارة، وبكليهما تستقيم الحياة الزوجية، وتستمر العشرة .
وإن كان الزوج صالحاً، قائماً بواجباته الشرعية فإن تصنُّع الإحسان إليه في هذه الحالة أبلغ وآكد، فهذه زوجة الإمام أحمد بن حنبل بعد أن دخل عليها بأيام قالت له: " هل تنكر مني شيئاً؟ قال: لا، إلا هذه النَّعل التي تلبسينها، ولم تكن على عهد رسول الله r، قال: فباعتها واشترت مقطوعاً فكانت تلبسه "، ومكثت عنده نحواً من عشرين سنة لم تختلف معه في كلمة واحدة. وكذلك الشيخ مظفر بن أبي بكر بن مظفر التركماني القاهري مكثت معه زوجته خمسين سنة لم تختلف معه في شيء، وتقول المرأة الصالحة العالمة بنت سعيد بن المسيب مُبيِّنة سلوك النساء الصالحات مع أزواجهن، ومبالغتهن في الإحسان إليهم: "ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم: أصلحك الله، عافاك الله". ويقول ابن الجوزي رحمه الله ناصحاً الزوجة المؤمنة إذا رُزقت رجلاً صالحاً: "وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجاً صالحاً يلائمها: أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته، أو تعرضت لما يكرهه: أوجب ملامته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها، أو آثر غيرها، فإنه قد يجد، وقد لا تجد هي، ومعلوم أن المَلَلَ للمُسْتحْسن قد يقع فكيف للمكروه".
وقد تستخدم الفتاة المتزوجة جمالها، وتمام جاذبيتها في كسب رضا زوجها متخفِّفة من أعباء مسلك المجاهدة الخلقية، وتصنُّع الإحسان، فإن هذا النهج يمكن أن يُثمرأحياناً إلا أنه محدود الأثر، وسرعان ما تزول عن الفتاة نضارة الشباب، وجمال المطلع، بل قد يكون جمال الفتاة - في حد ذاته - سبب تعاستها الزوجية، فإن كثيراً من الجميلات يخفقن في حياتهن الزوجية، ولعل ذلك لاختيالهن بجمالهن، وترك طريقة الإحسان في معاملة الزوج اعتماداً على تأثير الجمال وحده؛ ولهذا كثيراً ما ينهى الحكماء عن الاقتران بالمرأة البارعة الجمال، لاعتمادها على جمالها في استرضاء زوجها، ومن المعلوم أن الجاذبية الباطنة في طبع الزوجة، المتضمنة للمشاركة الوجدانية الرقيقة، وسرعة الاستجابة، والعاطفة الجياشة، وسرعة الفهم : أشد تأثيراً في الزوج من الجمال الظاهر، تقول هند بنت المهلَّب مشيرة إلى هذا المعنى : " رأيت صلاح الحرة إلفها، وفسادها بحدَّتها " .
ومن هنا تتيقن الفتاة المسلمة أن الإحسان من أعظم أبواب السعادة الزوجية، وأن مظاهره كثيرة، تتسع لكل مناشط الخير التي يمكن أن تتعامل بها الفتاة مع زوجها .
الكاتب: الدكتور عدنان باحارث
جميع الحقوق محفوظة لموقع د. أماني سعد - amanysaad.com 2008-2021 ©
عبدالعال السعوديMonday, August 29, 2022
رائع جزاكم الله خيرا