مقالات الوعىأسلوب الحياةالإحسان › الإحسان إلى الوالدين

يقول الحق سبحانه وتعالى: “وَقَضَى رَبكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِياهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِما يَبْلُغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لهُمَا أف وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحْمَةِ وَقُل رب ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبيَانِي صَغِيراً”.

بعد أن ذكر سبحانه الأساس في قبول الأعمال وهو إخلاص العبادة له عز وجل وحده، أتبع ذلك بتأكيد هذا الأساس بما هو من شرائط الإيمان الحق وشعائره فقال تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”.
والقضاء بمعنى الإرادة كقوله تعالى: “وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون”.

والمعنى: لقد نهى ربك عن الإشراك به نهيا قاطعا، وأمر أمرا محكما لا يحتمل النسخ، بألا تعبدوا أحدا سواه، إذ هو الخالق لكل شيء، والقادر على كل شيء، وغيره مخلوق وعاجز عن فعل شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
فالجملة الكريمة أمر لازم لإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى بعد النهي عن الإشراك به في قوله تعالى: “لا تجعل مع الله إلهاً آخر”. وقد جاء هذا الأمر بلفظ “قضى” زيادة في التأكيد لأن هذا اللفظ يفيد الوجوب القطعي الذي لا رجعة فيه.

ثم اتبع سبحانه الأمر بوحدانيته، بالأمر بالإحسان إلى الوالدين فقال: “وبالوالدين إحسانا”.
أي: وقضى أيضا بأن تحسنوا أيها المخاطبون إلى الوالدين إحسانا كاملا لا يشوبه سوء أو مكروه.

مظاهر الإحسان

وقد جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين عقب الأمر بوجوب إخلاص العبادة لله، في آيات كثيرة منها قوله تعالى: “قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرمَ رَبكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” ولعل السر في ذلك هو الإشعار للمخاطبين بأهمية هذا الأمر المقتضي لوجوب الإحسان إلى الوالدين، حيث إنهما هما السبب المباشر لوجود الإنسان في هذه الحياة، وهما اللذان لقيا ما لقيا من متاعب من أجل راحة أولادهما، فيجب أن يقابل ما فعلاه بالشكر والاعتراف بالجميل.

ثم فصل سبحانه مظاهر هذا الإحسان فقال: “إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما”.

والمعنى: كن أيها المخاطب محسنا إحسانا تاما بأبويك. فإذا ما بلغ أحدهما أو كلاهما سن الكبر والضعف فلا تقل لهما أف، أي لا تقل قولا يدل على التضجر منهما والاستثقال لأي تصرف من تصرفاتهما.

وقوله: “ولا تنهرهما” أي ولا تزجرهما عما يتعاطيانه من الأفعال التي لا تعجبك، فالمراد من النهي الأول المنع من إظهار التضجر منهما مطلقاً، والمراد من النهي الثاني المنع من إظهار المخالفة لهما على سبيل الرد والتكذيب والتغليظ في القول.

والتعبير بقوله: “عندك” يشير إلى أن الوالدين قد صارا في كنف الابن وتحت رعايته، بعد أن أصبح مسؤولا عنهما، بعد أن كانا هما مسؤولين عنه.

الكلام الطيب

وقوله سبحانه “وقل لهما قولا كريما” أمر بالكلام الطيب معهما بعد النهي عن الكلام الذي يدل على الضجر والقلق من فعلهما.

أي: وقل لهما بدل التأفف والزجر، قولا كريما حسنا يقتضيه حسن الأدب معهما، والاحترام لهما والعطف عليهما.

وقوله: “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة” زيادة في تبجيلهما والتلطف معهما في القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها.

أي: وبجانب القول الكريم الذي يجب أن تقوله لهما، عليك أن تكون متواضعا معهما متلطفا في معاشرتهما لا ترفع فيهما عينا، ولا ترفض لهما قولا، مع الرحمة التامة بهما والشفقة التي لا نهاية لها عليهما.

وقوله: “وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” تذكير للإنسان بحال ضعفه وطفولته وحاجته إلى الرعاية والحنان.

أي: وقل في الدعاء لهما: يا رب ارحمهما برحمتك الواسعة، واشملهما بمغفرتك الغامرة، جزاء ما بذلا من رعاية لي في صغري، فأنت القادر على مثوبتهما ومكافأتهما.

وأخيراً لا بد من الإشارة الى أن الآية الكريمة أمرت بالإحسان الى الوالدين بأسلوب يستجيش عواطف البر والرحمة في قلوب الأبناء ويحثهم على احترامهما ورعايتهما والتواضع لهما.

منقول من جريدة الخليج
الإمارات
10-3-2006

الكاتب: المصدر جريدة الخليج - الامارات

التعليقات على الإحسان إلى الوالدين

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
31619

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري