إنَّ الإنْسَانَ [ السَمْعيّ ] :
هُـوَ الذي يَعْتَمِدُ عَلى حَاسّةِ السَمْعِ في فَهْمِ المَعْلومَاتِ التي يَتَلَقَّاهَا أَثْناءَ عَمَلِهِ .
أمّا الإنْسَانُ [ البَصَريّ ] :
فَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلى حَاسَّةِ البَصَرِ في تَلقّي المَعْلُومَاتِ ، مِثْلَمَا يَحْدُثُ في الوَقْتِ الحَاضِرِ حَيْثُ عَصْرُ التَلْفَزَةِ وَ الأفْلامِ وَ الألْعَابِ الإلِكِتْرونِيَّةِ ، خَاصَّةً بِالنِسْبَةِ لِلأطْفَالِ الذيْنَ هُمْ الجِيْلُ القَـادِمُ .
وَ السَمْعُ يُعْطي الإنْسَانَ رِقَّةَ المَشَـاعِرِ وَ الأحَاسِيْسِ : ( وَ إِذَا - سَـمِـعُـوا - مَـا أُنْزِلَ إلـى الـرَسُـولِ تَرى أَعْـيُنَهُـمْ تَفِيْضُ مِـنَ الـدَمْـعِ )[ المائدة 83 ] ، وَ يَكُونُ الإنْسَانُ [ السَمْعي ] إنْسَانَاً مُتَوازِنَاً في حَرَكَاتِهِ وَ تَصَرُّفَاتِهِ ، مُتَواضِعَاً مُنْخَفِضَ الصَوْتِ ، وَ كَلِمَاتُهُ مَليئَةٌ بِالأحَاسِيْسِ ، وَ يَتَصَرَّفُ [ بِحِكْمَةٍ ] مَعَ الآخَريْنَ .
وَ الحِكْمَةُ : هِيَ عَطَـاءٌ إلَهيٌّ مُتَمَيِّزٌ : ( وَ مَـنْ يُؤْتَ - الـحِـكْـمَـةَ - فَقَـدْ أُوتِيَ خَـيْراً كَـثِيْراً )[ البقرة 269 ] .
وَ [ السَمْعُ ] هُوَ الأَدَاةُ لِفَهْمِ المَعْلُومَاتِ ، وَ هُوَ أسَاسُ التَعْليْمِ وَ حَتّى هو أساس الإيْمَان : ( وَ تَعِـيْهَـا - أُذُنٌ وَاعِـيَةٌ - )[ الحاقّة 12 ] ، ( إنَّ في ذَلِـكَ لآيَاتٍ لِـقَـوْمٍ - يَسْـمَـعُـون - )[ الروم 23 ] ، وَ كَانَ إيْمَانُ الجِنِّ عَنْ طَرِيْقِ السَمْعِ : ( وَ أنّا لَـمّـا - سَـمِـعْـنَا - الـهُـدى آمَـنّا بِهِ )[ الجن 13 ] .
أمّا [ البَصَرُ ] فَهوَ حَاسَّـةُ الخِيَانَةِ وَ الغَدْرِ : ( يَعْـلَـمُ - خَـائِـنَةَ - الأعْـيُنِ )[ غافر 19 ] ، ( وَإنْ يَكَـادُ الـذيْنَ كَـفَـروا لَـيَزْلِـقُونَكَ بِأبْصَـارِهِـمْ )[ القلم 51 ] ، وَ الإنْسَانُ [ البَصَريّ ] يَتَكَلّمُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَ حَادّ ، وَ أعْصَابُهُ دَوْمَـاً مُتَشَـنِّجَة ، وَ حَرَكَاتُ يَدَيْهِ مُرْتَفِعَة ، وَ يُحَاوِلُ أَنْ يَفْتَعِلَ المَشَاكِلَ ، وَ حتّى مُزَاحَه ثَقِيْلٌ ، و همّه فقط انتقاد الآخرين بغير منطق أو علْم .
وَ مَا يَهمُّنَـا في الوَقْتِ الحَاضِرِ ، أَنَّ الإنْسَان قَدْ رَكَّزَ بِشَكْلٍ أَسَاسيٍّ عَلى البَصَـرِ في عَصْرِ التَلْفَزَةِ وَ الأفْلاَمِ وَ [ الكومبيوتر ] ، وَ الألْعَابِ الإلِكِتْرونِيَّةِ التي تُعَلِّمُ الأطْفَالَ العُنْفَ ، فَنُلاَحِظُ مَيْلَ الأطْفَالِ للعُنْفِ وَ الحَرَكَاتِ العَنيْفَةِ .
_ وَ الحَلُّ المَطْلُوبُ وَ السَرِيْعُ هُوَ أَنْ [ يَرْتَـعَ ] الأَطْفَالُ في الحدائق أثْنَاءَ اللّعِبِ : ( أَرْسِـلْـهُ مَـعَـنَا غَـداً - يَرْتَعْ - وَ يَلْـعَـبْ )[ يوسف 12 ] ، وَ المُلاَحَظُ أَنَّ آيَاتِ القُرْآنِ الكَريْمِ قَدْ قَدَّمَتْ السَمْعَ عَلى البَصَرِ : ( جَـعَـلَ لَـكُـمُ الـسَـمْـعَ وَ الأبْصَـارَ )[ السجدة 9 ] ( إنَّ اللّـهَ كَـانَ سَـمِـيْعَـاً بَصِـيْراً )[ النساء 58 ] ، ( إنَّني مَـعَـكُـمَـا أَسْـمَـعُ وَ أَرى )[ طه 46 ] ، فَعَلَيْنا وَ قَبْلَ فَوَاتِ الأوانِ أَنْ نَنْتَبِهَ لِلجِيْلِ الجَديْدِ ، كَيْ لاَ يكُونَ جِيْلاً [ بَصَرِيّاً ] وَ يَحِلَّ [ ذَكَاءُ الشَطَارَةِ ] بَدَلَ [ تَوَهُّجِ العَبْقَرِيَّةِ ] .
.
وَ لَوْ أخَذْنا مِثالاً مِنْ عَـالَمِ المَخْلوقَاتِ الأُخْرى : نَجِـدُ في عَالَمِ الطُيورِ مَثَلاً ، أنَّ الطُيُورَ التي تَمْلِكُ بَصَراً حَادّاً وَ قَويّاً ، تَكُونُ جَميعُهَا عُدْوانيّةً وَ شَرِسَةً وَ آكِلَةَ لُحُومٍ مِثْلَ النَسْـرِ وَ الصَقْرِ وَ البومِ ، وَ تَعيشُ بِشَكْلٍ إفراديٍّ أوْ جَمَاعاتٍ صَغيرَةٍ ، لِذَلِكَ قَدّمَ البَصَرَ عَلى السَمْعِ يَوْمَ القيامَةِ ، حَيْثُ كُلُّ فَرْدٍ لِوَحْدِهِ وَ يَمْتَلِكُ بَصَراً حَادّاً جِدّاً : ( فَـكَـشَـفْـنَا عَـنْكَ غِـطَـاءَكَ فَـبَصَـرُكَ الـيَوْمَ حَـديدٌ )[ ق 22 ] .
بَيْنَمَا الطُيورُ المُـرْهَفَةُ السَمْعِ ، تَكونُ مُسَالِمَةً وَ تَعيشُ في مَجْموعَاتٍ كَبيرَةٍ مثْلَ العَصَافيرِ وَ الحَمَامِ ، [ رَمْزُ السَلامِ هُوَ حَمامَةٌ ] ، وَ كانَ الـهُـدْهُدُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ عليه السَلام رَسُولَ سَـلاَمٍ إلى مَلِكَةِ سَـبَأ : ( وَ تَفَـقَّـدَ الـطَـيْرَ فَقَـالَ مَـالـيَ لاَ أرى الـهُـدْهُـدَ 000 اِذْهَـبْ بِـكِـتَابي هَـذا فَـألْـقِهِ إلَـيْـهِـمْ )[ النمل 20 / 28 ] ، وَ هَكَذا في عَالَمِ الأسْـماكِ أيْضَاً ، حَيْثُ نَجِدُ [ القِـرْشَ ] الحَادَّ البَصَـرِ شَرِسَاً وَ عُدْوانيّاً ، عَكْسَ [ الدولفينِ ] المُرْهَفِ السَمْعِ فَهُوَ مُسَالِمٌ وَ هَادِىءٌ ، وَ [ الذِئبُ ] الحَادُّ البَصَرِ حَيوانٌ مُفْتَرِسٌ : ( فَأكَـلَـهُ الـذِئْـبُ )[ يوسف 17 ] ، وَ هُوَ عَكْسُ [ الأرْنَبِ وَ الخَروفِ ] ، وَ غَيْرِهَا مِنْ آكِلاتِ العُشْبِ المُسَالِمَةِ ، و خلاصة القول :
.
الإنْسَـانُ السَـمْعيُّ :
هُـوَ إنْسَـانٌ مُتَوازِنٌ في الحَـرَكاتِ ، وَ صَـوْتُهُ مُنْخَفِضٌ وَ يُظْهِرُ عُمْقَـاً في تَفَهُّـمِ الكَلاَمِ ، مُنْخَفِضَ الرَأسِ ، حَرَكاتُ يَـدَيْهِ مُنْخَفِضَةٌ ، وَ كَلِمَاتُهُ مَليئَةٌ بالأحَاسِيسِ ، وَ هَذِهِ التَصَرُّفَاتُ هِيَ [ الحِكْمَـةُ ] :
فالحِكْمَـةُ هيَ : حُسْنُ التَصَرُّفِ مَعَ الآخَرينَ ، أمَّـا مُجْمَلُ الحِكْمَةِ فَقَـدْ أعْطَاهُ المَوْلى تَعالى إلى رَسُولِـهِ الكِريمِ صلى الله عليه و سلم : ( ذَلِـكَ مِـمَّـا أَوْحَـى إلَـيْكَ رَبُّكَ مِـنَ الـحِـكْـمَـةِ )[ الإسراء 39 ] ، فَكانَ بِحَـقّ وَ بِإطْلاَقٍ ذو الخُـلُقِ العَظيمِ : ( وَ إنَّكَ لَـعَـلـى خُـلُـقٍ عَـظِـيمٍ )[ القلم 4 ] ، صلى الله عليه و على آله و أصحابه أجمعين .
.
كل هـذا و اللـه أعلم .
الكاتب: الباحث م. علي منصور كيالي
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!