مقالات الوعىأبحاث وآراءالتنويم الإيحائى › نَظَرات نقديّة للبرمجة اللغويّة العصبيّة NLP (2/2)

نقد الأساس الثقافي

نقد أهم الأسس الثقافية للبرمجة

فلاسفة البرمجة اللغوية العصبية يريدونها "أيدلوجية حياة

يعتقد البعض أن البرمجة مجرد حقل معرفي يعالج بعض الظواهر الإنسانيّة، وهو الأمر الذي كنت أعتقده في بداية اطلاعي على البرمجة – منذ ما يقارب العشر السنوات-، ولكنني بدأت أتلمس خيوطاً جعلتني أتشكك في هذا الفهم "المبدئي" وأتساءل عن سر هذه الفلسفة التي بدت وكأنها تحمل بين طياتها بُعداً أيدلوجياً عميقاً، وربما يكون مفيداً أن أشير إلى أنه ثمة مجموعة من الأسباب تفاعلت في ذهني بعد اقترابي من "الحدود الفلسفية" للبرمجة وجعلتني أخلص إلى نتيجة مغايرة، ومن هذه الأسباب:
* أن البرمجة تؤمن بتأثير الإطار القيمي والفلسفي وتأثير ذلك على السلوك الإنساني Value and Philosophy-laden Approach، ولذا فالبرمجة تؤكد على أهمية مراعاة ذلك في منهجها وتطبيقاتها، وهنا تساءلت عن الأطر القيمية الفلسفية للبرمجة:
هل هي الأطر العربية الإسلامية؟ بالـتأكيد لا!
هل هي الأطر الغربية؟ بالتأكيد نعم! إذاً تستحق هذه وقفة وتسجيل.
* إنها تزعم أنها تعالج كافة الظواهر الإنسانيّة حتى الروحية منها، وفي هذا المعنى يقول أصحاب الموسوعة (روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير): إن بحث واستكشاف بنية الخبرة الروحية قضية في غاية الأهمية بالنسبة للبرمجة اللغوية العصبية
(1).
* إنها تعرض نفسها كإطار ابستمولوجي (معرفي) شامل. والابستمولوجيا - كما أقرؤها في أدبيات الفكر الغربي– هي فلسفة من نوع "ثقيل"، أي أنها ذات طابع أيدلوجي. ومما يدلل على البعد الأيدلوجي -وبوضوح- أن الأطر الابستمولوجية للفلسفات الغربية تؤسس مناهج بحث ذات بعد أيدلوجي كالفلسفة الوضعية والفلسفة التركيبية وغيرها.
* ومما يؤكد على البعد الأيدلوجي للبرمجة أن منظري وفلاسفة وكتّاب البرمجة يعرضون مبادئها وافتراضاتها كعقيدة، وفي هذا المعنى يقول -مثلاً- اوكونور O'Connor عن تلك المبادئ والافتراضات: "إنها الفلسفة الموجهة للبرمجة، إنها عقيدة للبرمجة...إنها تشكل مجموعة من المبادئ أخلاقية للحياة". 'Its guiding philosophy, its beliefs…they form a set of ethical principles for life'
2.
ومن هنا خلصت إلى نتيجة خطيرة مفادها أن البرمجة تعدت كونها حقلاً معرفياً يعالج بعض الظواهر الإنسانيّة إلى الإدعاء بأنها فلسفة "حياة" شاملة، وهنا تتضح أبعاد الخطورة –إن سلم لي بهذا– وذلك بمزاحمة ومنافسة البرمجة للدين، المكون الأساسي في بنية حياة المسلم والمشكّل الرئيس لحضارته. وربما يتأكد هذا المنحى الخطير للبرمجة بالنظر إلى بعض التعريفات التي ساقها بعض منظري (أو فلاسفة!) البرمجة والتي تتسم -برأيي– بأنها ذات بعد أيدلوجي، كما أنها في بعضها قدراً كبيراً من العمومية والضبابية لغرض أو لآخر. ولإيضاح ذلك نورد بعض التعريفات التي انطوت على هاتين السمتين. وطلباً للاختصار أكتفي بثلاثة تعريفات:
- يعرف جون قريندر البرمجة بقوله: "البرمجة اللغوية العصبية هي الابستمولوجيا التي تعيدنا إلى الحالة التي افتقدناها – حالة الامتياز (!!)"
“NLP is the epistemology of returning to what we have lost- a state of grace”
3
- بينما يقول روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير في الموسوعة:
"إن البرمجة اللغوية العصبية علم سلوكي يقدم:
(1) ابستمولوجيا – نظام للمعرفة والقيم.
(2) منهجية – عمليات وإجراءات لتطبيق المعرفة والقيم.
(3) تقنية – مهارات للمساعدة في تطبيق المعرفة والقيم".
“NLP is a behavioral science that provides:
(1) an epistemology- a system of knowledge and values,
(2) a methodology- processes and procedures for applying knowledge and values,
(3) a technology- tools to aid in the application of knowledge and values”
4.
ويواصل روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير القول بأن "البرمجة اللغوية العصبية ليست فقط عن الكفاءة والتميز، ولكنها عن الحكمة (الفلسفة) والرؤية"
“NLP is not only about competence and excellence, it is about wisdom and vision”
5
وفي هذا السياق أشير إلى نتيجة أخرى هي أيضاً خطيرة بل هي أخطر من سابقتها وهي ضعف اهتمام جملة البرمجيين العرب والمسلمين بالبعد الابستمولوجي (أو ما نسميه بالمعرفيات) للحقول المعرفية، وبالذات الوافدة من خارج نطاق الفكر الإسلامي، وهم - أي جملة البرمجيين - أشتات يتفرقون في الأسباب التي أدت بهم إلى مثل هذا التجاهل الذي لا يُغتفر غير أنهم يجتمعون في تحمل "الوزر" الثقافي، كل بحسبه، فمنهم من لا يكترث أصلاً بالبعد الفلسفي مكتفياً "بعضلاته" لنقل الأفكار، أي أنه يتبنى "النقل الميكانيكي" للأفكار والفلسفات، وفي هذا المسلك سطحية وخطورة بالغة. ويدخل في هذه الفئة أولئك الذين أُصيبوا برهاب وإرهاب "الانغلاق الفكري" من جراء تعرضهم لنقد –مشروع وغير مشروع– بسبب تحجرهم الفكري وعدم تبنيهم للرأي الآخر، مما أحدث عندهم ردة فعل عنيفة، أضحوا معها مرحبين " بعضلاتهم" بكل وافد فكري. وطبقة أخرى من البرمجيين ربما يكونون من أولئك الذين لا يرون أصلاً أي اختلاف بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي في قضايا كهذه، ونحن بدورنا نطالب هولاء بالرد على أو أوردناه من إشكاليات ضخمة في الفضاءات الثقافية والمنهجية والنفسية وإيراد الأدلة والأمثلة.

البرمجة اللغوية العصبية تؤله الإنسان "السوبر" و تجففه إيمانياً "


تتميز البرمجة بأنها تعين الإنسان على التعرف على طاقاته المخزونة، كما ترشده إلى كيفيات (كيف؟) مقترحة تمكنه من تفجير هذه الطاقات، وللحق أقول: إن البرمجة نجحت في هذا المجال بشكل يستحق الإشادة والتنويه. كما تجدر الإشارة إلى التأكيد على أهمية هذا المنحى التعريفي التشجيعي في التعاطي مع طاقات الإنسان المسلم - وبالذات العربي – في زمن كالذي نحياه الآن، وذلك لتعرض المسلم - وتحديداً العربي - إلى ألوان من الإهانة "النفسية" بعضها مدروس ومبرمج ومؤدلج وبعضها الآخر عشوائي.
مثل تلك الإهانات تعمد إلى برمجة المزاج العربي والعقل العربي والنفسية العربية عبر تكريس "صور ذهنية مركزة" وعجنها نفسياً وذهنياً لتتحول إلى ما يشبه الحقائق عند بعض الشرائح Stereotype، هذا العجن يحدث من جراء متاريس ثقافية ضارة وربما معادية سواء كانت داخل الفضاء العربي وخارجه. هذه الإهانات المتكررة تحاول أن ترسخ سطحية العربي وجهله وكسله وخشونته الحضارية، وهذه الإهانات ترتدي أحياناً رداء البحث العلمي الجاد تحت شعارات متعددة منها تركيبة العقل العربي، سيكولوجية الرجل العربي، وبنية المجتمع العربي
(6).
إذاً نحن نقرّ بأهمية شحذ "البطارية" النفسية للإنسان العربي/ المسلم وتعريفة بطاقاته الكامنة وسبل تفجيرها، لاسيما إن كنا نقرّ بوجود شيء من الضغط النفسي والفكري على الإنسان العربي/ المسلم، كما أننا نقرّ ونؤكد على حقيقة امتلاك الإنسان لمخزون هائل من الطاقات الكامنة والتي تجعل منه – بشرط الاهتداء بالمنهج الرباني- خليفة تعمر الأرض وتشيد الحضارات الراشدة التي ينعم بها الإنسان، متلذذاً بلذائذه الفطرية والمكتسبة، محققاً بها ذاته، متمتعاً بحريته وانطلاقته في فضاءات الفكر والإنتاج والتفاعل مع بني البشر، ناشداً تحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين روحه وعقله وجسده، مُريداً بذلك كله تحقيق العبودية الخالصة لربه ومولاه تبارك وتعالى.
كما أننا نقرّ بإسهام البرمجة - وببراعة عملية - في تعريف الإنسان بطاقاته وتفجيرها، غير أننا نلحظ في الوقت ذاته مظهراً بل منهجاً وفلسفة تؤمن بها البرمجة وتبني عليها إطارها الفكري ومداخلها العملية في اتجاه تفعيل طاقات الإنسان، وهذه الفلسفة لها خطورتها البالغة على البعد الإيماني، مما يجعلنا ندرك أن إيجابيات البرمجة وإنجازاتها في هذا الاتجاه ربما تغوص وتنغمر في محيط متلاطم من السلبيات والثغرات الخطيرة التي تتجه بالإنسان إلى "الركون" و"الاغترار" بقدراته الذاتية، وقدراته فحسب، دون توكل قلبي وارتباط وجداني بالخالق العظيم المدبر المهيمن الرزاق الخافض الرافع، تبارك وتعالى.
إن البرمجة تقوم على فكرة تعريف الإنسان بطاقاته ومساعدته على تفجيرها، لكنها تبالغ في هذا الاتجاه لدرجة تأليه "قدرات" الإنسان، فهي المسؤولة عن نجاح الإنسان وفشله في مشروعاته وإدارته وقيادته وتأثيره وغنائه وسعادته، حيث يغيب البعد الإيماني بأن الإنسان مخلوق ضعيف حقير "عبد لله" يسير في الكون بفضل الله ورعايته وتوفيقه وإرادته وعطائه ومنعه، فمصدر قوة المؤمن الحقيقية هو ضعفه بجانب الله تعالى وافتقاره إليه والتسليم بعجزة المطلق على الفعل والعطاء دون إرادة الله وتوفيقه ورحمته.
وهنا يجب علينا الإشارة إلى أن محاولات البرمجيين العرب -المشكورة- الرامية إلى تطعيم البرمجة بـ "نصل إيماني" –عبر بث بعض الآيات والأحاديث والآثار والأشعار والقصص- قد أسهمت بترطيب يبوسة البرمجة نوعاً ما، إلا أن الناظر و المتدبر والمستمع للبرمجة يحس بخشونتها الإيمانية ويلمس نشافتها الروحية، وهنا يحق لنا أن نتساءل -متعجبين-:
لماذا لم تفلح محاولات البرمجيين العرب في الحد من غلواء وجفاف البرمجة في البعد الإيماني؟
لأنها محاولات ترقيعية تجزيئية، فسمة الجفاف الإيماني للبرمجة وتأليه قدرات الإنسان سمة طاغية على لونها ونفسها العام، متغلغلة -بخفاء- إلى أطيافها وتفاصيلها، مما جعل تلك المحاولات -في رأيي– تبوء بفشل عام، بحسب ما أراه في الكتب أو "النسخ" النظرية لأولئك البرمجيين وتطبيقاتهم العملية. ويمكن أن يعد هذا -إن تقرر وسلم به- مظهراً من مظاهر تأثير البيئة الأصلية والمناخ العقدي الفلسفي العام على نشأة العلوم والحقول، تأثيرها على بنيتها وإطارها ونفسها وتوجهها وغايتها وثمرتها.
إذاً نقول: إن البرمجة تتجه إلى تأليه الإنسان "السوبر" وتجفيفه إيمانياً، ولا نتوقع أن تفلح محاولات ترقيعية ضعيفة - كالتي أشرنا لها - في تحقيق أي تقدم يذكر على الأرضية الحالية للبرمجة، إنها تشبه من يجلب نخلة طيبة مثمرة، حاملاً إياها على كتفه، يروم أرضاً يباباً هناك، مع علمه بأنها ليست لها أرضاً ولا مناخاً ولا سقياً. نعم البرمجة - بوضعها الراهن - مستعصية على محاولات هزيلة كهذه.
إذاً نحتاج إلى نوع آخر من التفكير... مستوى أعلى من التفكير ... يمكننا من الغوص في إشكاليات وبنية الفلسفة التي تتأسس عليها البرمجة، مع أدوات منهجية استنباطية استقرائية تحليلية في مكونات الفكر الإسلامي ومنطلقاته. ولعلّي أعرض لاحقاً إلى بعض القضايا في هذا الاتجاه علها تصلح لتكون خطوطاً عريضةً للتعاطي مع هذه الإشكالية الكبيرة.

البرمجة اللغوية العصبية "فلسفة مغرورة" !


ربما يكون البعض قد لمس ما أرمي إليه في هذا العنوان من خلال تحليله لما تقدم. على كلٍ، برز مما تقدم أن البرمجة تحاول أن تقدم نفسها كحقل معرفي يتناول كافة الظواهر الإنسانيّة بالتحليل والعلاج، و لم تكتف بهذا، بل راحت تعد بتقديم أفضل الحلول وأسرعها، تهويلاً ومبالغةً، وقد انعكس هذا المسلك المشين بجلاء على جملة البرمجيين في كتابتهم وتطبيقاتهم، إذ جعلوا يحتقرون ويقللون من شأن بقية الحقول المعرفية وإسهاماتها الضخمة في التعاطي مع مختلف الظواهر الإنسانيّة.
وهذا ضرب وقح من الغرور، نعيبه على كافة طلاب العلم وباحثي المعرفة، حيث نعده مؤشراً جلياً لانعدام أو ضعف المصداقية العلمية والبحثية، وقلة التوفيق والقبول، نعيب هذا ونزدريه ونمقته في الأشخاص، فما بالكم بحقل معرفي كامل صبغ بالغرور والتهويل والمبالغة. أفلا نكون مضطرين حينذاك لسحب القاعدة نفسها على الحقل؟ أو نخطّأ في هذا؟
من المزايا الأساسية للعلم في الفكر الإسلامي، التواضع للحق، و التواضع للناس، تواضعاً قلبياً وجدانياً نفسياً؛ يجد الإنسان فيه نفسه ضعيفاً في فهمه، ضعيفاً في حصوله على المعلومات والمعارف، ضعيفاً في تحليله، ضعيفاً في استنباطه واستقرائه، ضعيفاً في تنظيره وتطبيقه... إذاً تواضع صادق يثمر سلوكاً عملياً حميداً...
كيف والحالة هذه نفسّر سرّ سقوط جملة البرمجيين العرب في فخ الغرور والتهويل والمبالغة؟
هل يعود السبب في ذلك إلى قناعات نظرية؟ أم أسباب برغماتية؟ أم خليط بين هذا وذاك؟
هل ثمة سبب آخر لا نعرف كنهه؟
لا أملك جواباً، غير أنه يسعني ويكفيني التساؤل...

في تفاصيل البرمجة مصادمة لبعض النصوص الشرعية

ربما يكون قد تبين من المحاور السابقة أن البرمجة تتوفر على ما يعارض روح الفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية، وهذا البحث الإجمالي وإن كان –في رأيي- يكفي لإصدار حكم عام على البرمجة، إلا أننا مطالبون بالقيام بأبحاث تفصيلية تستهدف نقد البرمجة –أدبيات وتطبيقات- في ضوء النصوص الشرعية، قرآناً وسنةً.
ومع أن هذا البحث لا يروم القيام بهذه المهمة العسيرة، أشير إلى قضية واحدة كمثال في هذا الاتجاه. مما أرى أن فيه مصادمة لما أفهمه من النصوص الشرعية ما يتعلق بالمبدأ أو الافتراض الذي تؤمن به البرمجة والذي يعتبر من أهم مبادئ وافتراضات البرمجة، هذا المبدأ أو الافتراض يقضي بـ: "أن وراء كل سلوك نية إيجابية" Every behaviour has a positive intention
7.
لا أرى أن هذا يتوافق مع مقتضى بعض النصوص الشرعية. فمثلاً يقفز إلى ذهني في هذا السياق بعض النصوص القرآنية الكريمة التي تحدثت عن الهوى باعتباره دافعاً ومحركاً للسلوك الإنساني، كقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثـية:23]، وقوله مخاطباً النبي الكريم داود -عليه الصلاة والسلام-: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) [ص: من الآية26]، وقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) [النازعـات:40]، وقوله: ( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى) [النساء: من الآية135].
هذه النصوص وأمثالها تشير إلى حقيقة الهوى، وتأثيره الهائل على السلوك الإنساني، لدرجة تحذير الأنبياء المعصومين من الوقوع في حبائله. إذاً يمكن لنا أن نقرر بعد هذا البيان القرآني الجلي أن أي محاولة -مباشرة أو غير مباشرة- للتقليل من أثر الهوى هي ذاتها أشد أنواع الهوى عمىً وتحيزاً. وهنا ندرك وبجلاء وجوه التعارض بين معالجة البرمجة للسلوك الإنساني على أنه نتيجة لنية طيبة وبين مدلولات الهوى في القرآن الكريم ومغزى التركيز القرآني عليه.
ولعله من السائغ وربما الواجب توجيه بعض الأسئلة للبرمجة إزاء الهوى، لنستكشف كنه الهوى وكيفية توصيفه في ضوء فلسفة البرمجة. من هذه الأسئلة ما يلي:
* ما الهوى؟ ما حقيقته؟ ما تأثيره؟
* ألا يرتكز الهوى في حقيقته على أسس غير موضوعية وغير مبررة؟
* هل يمكن اعتبار الهوى "نية إيجابية"؟ ومتى؟

نقد الأساس النفسي

نقد أهم الأسس النفسية للبرمجة

التجزيئية في الإطار النفسي

تتسم البرمجة اللغوية العصبية (كما ذكرنا سابقاً) بتجزيئية ضيقة في التعاطي مع الظاهرة العجيبة "الإنسان": روحاً وعقلاً وجسداً، إيماناً وكفراً، رشداً وضلالاً، اعتدالاً وتطرفاً، كسلاًَ ونشاطاً، إقداماً وإحجاماً، ارتفاعاً وانخفاضاً؛ نجاحاً وإخفاقاً؛ أملاً ويأساً، علماً وجهلاً؛ تجرداً وتحيزاً؛ أكثر ذكاءً وأقل ذكاءً، أكثر مهارة وأقل مهارة، منتمياً وغير منتمي. غنىً وفقراً، فردياً وجماعياً، رجلاً وامرأةً، طفلاً وشاباً ورجلاً وشيخاً وكهلاً؛ يمتلك هذه الخلطة من التفكير أو تلك...
وكل هذه الاشتباكات وأمثالها كثير تؤكد على تعقد الإنسان كظاهرة ونظام، لدرجة من التعقيد استحقت معها توجيهاً ربانياً كريماً لبني الإنسان بأن يتفكروا في أنفسهم، يقول الحق تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذريات:21]. ومع كل هذا التعقيد نجد أن البرمجة عالجت الإنسان كأجزاء متناثرة - كما سبق توضيحه وبيانه سابقاً-، وهو ما سنقيم عليه الدليل من خلال الأمثلة التي سنعرض لها لاحقاً.

البرمجة تكتشف "الإنسان الأزرار"!


وينضاف لهذا الخلل الكبير في التعاطي مع الإنسان خلل لا يقل سوءً وخطورةً وذلك أن البرمجة تتعامل مع الإنسان في بعض مناهجها وتطبيقاتها تعاملاً "ميكانيكياً"، وبعبارة أخرى يمكننا القول أن البرمجة اكتشفت "الإنسان الآلة" أو "الإنسان الأزرار" الذي يمكن تحريكه بأي اتجاه، كما يمكن تنمية إنتاجه وفعاليته وكفاءته من خلال لمسة سحرية لا تكلف أكثر من "ضغطة"، من خلال ما يسمى في البرمجة بـتقنية "الإرساء"
(8) Anchoring (هذه التقنية تعتمد بشكل ضمني على نظرية الارتباط الشرطي الشهيرة لبافلوف). أي إن البرمجة تزعم أنها تحيلنا إلى "إنسان متفوق" في مجال أو آخر عن طريق ممارسة وتطبيق تقنية الإرساء.
فمثلاً يمكنك استدعاء مشهد من خزان ذاكرتك، وليكن مشهداً كنت فيه متألقاً في خطابك وإلقائك مع ثقة كافية، هنا يأتي إليك البرمجي "ليبرمجك" على هذا الوضع من خلال تمرين تدريبي تكون فيه في حالة من "التطابق"
(9) مع صورة ذلك المشهد أو الحدث، تستصحب ذلك الاستغراق في هذا المشهد إلى لحظة زمنية معينة لتقوم بعدها بإرساء أو تثبيت هذا السلوك من خلال –على سبيل المثال– ضغطة على معصم يدك اليسرى. البرمجة تقول لك: إنها "تضمن" في حالة "نجاح" عملية الإرساء أنك قادر على الوصول إلى نفس الدرجة من التألق والتميز في الخطابة والإلقاء في مستقبل أيامك بمجرد لمسة أو ضغطة!!.
وربما يكون مفيداً إيراد مثال آخر على القدرة "الفائقة" للبرمجة في هذا المجال. للبرمجة دائرة يسمونها بـ "دائرة التميز"
(10) Circle of Excellence، وبطريقة مشابهة يمكنك أن تضمن تميزاً في بقية مشاهد عمرك وذلك فيما يتصل بالمهارة المتضمنة في الخبرة التي قمت بإرسائها عبر دخولك في دائرة تسميها بدائرة التميز!.
ومع أنني أؤمن بأن الإنسان أعقد من ذلك وأكرم وأجل، أتساءل:
* وما دليل البرمجة على هذا الزعم؟
* وهل الأثر دائم أم مؤقت؟
* ثم إنني أتساءل في اتجاه آخر لأقول:
* هل يمكن لك أن تأتي (كمبرمج!) لإنسان "محترم" وتقول له اضغط هنا أو هناك حتى تظفر بنتيجة أو أخرى؟
* ما نوعية البشر الذين يتقبلون مثل تلك المعاملة الميكانيكية؟
* بماذا تمتلئ قلوب أولئك البشر: بالتوكل الشرعيّ على الله تعالى بعد استفراغ الوسع، أم الافتقار إلى بعض الضغطات السحريّة؟
* هذا المدخل الميكانيكي هل يُعلي من شأن الإنسان المكرّم ويعمّق تفكيره وعمله وإيمانه؟ أم يُهينه ويسطّح تفكيره ويجفّف إيمانه؟

البرمجة تعبث بـ "الأسلاك الداخليّة" للإنسان!


ومظهر آخر خطير للبرمجة في السياق النفسي يتمثل في أنّ البرمجة تتعامل مع الظواهر الإنسانيّة من "الداخل العميق" من خلال ما يسمى بالبرمجة بـ "النميطات"
(11) Sub-modalities، أي بطريقة داخليّة مؤثرة، تقوم على بناء ثقة كبيرة بين البرمجي والعميل/المتدرب، في حين يصل البرمجي في بعض الأحايين إلى لمس وتحريك كوامن النفس وطاقاتها وانفعالاتها وأحاسيسها، خاصة تلك القابعة أو المدفونة في اللاشعور، وهذا اللمس والتحريك يتجه أحيانًا لأصغر مكوّن نفسيّ أو ما يمكننا تسميته بـ "النّفيس" باعتباره أصغر وحدة قياس نفسيّة، وبعبارة أخرى نقول: إنّ البرمجة تقوم بما يمكننا تشبيهه بـتحريك "الأسلاك الداخليّة" للنفس البشريّة.
والحقيقة تحتّم علينا الإشارة إلى أنّ هذه القدرة الفائقة للبرمجة في لمس الأسلاك الداخليّة تعد ميزة حققتها هذه البرمجة على نحو مميز، غير أنّ الخطورة تكتنف هذه القدرة وتحفّها من أكثر من جهة وزاوية، لاسيّما إذا أخذنا في الاعتبار بعض الأمور المصاحبة لهذا العمل، والتي منها ما يلي:
(1) عدم اعتراف البرمجة بخطورة وحساسيّة لمس الأسلاك الداخليّة، ومن ثم ضعف أو انعدام استعدادها الفكريّ والتطبيقيّ لآثار ومقتضيات هذا الفعل
(12) .
(2) ضعف استيعاب البرمجي للحالة النفسيّة والاجتماعيّة "النفسجتماعيّة" للعميل/المتدرب، وعدم مراعاة ميوله وقدراته وأوجه قوته وضعفه وما إلى ذلك
(13).
(3) ضعف تأهيل بعض البرمجيين أو عدم مناسبة المخزون الفكري لديهم أيدلوجيًّا أو منهجيًّا للتعاطي مع هذه القضية الخطيرة
(14).
(4) إنّ لمس بعض الأسلاك الداخليّة "قد" يؤثر على البعض الآخر و"ربّما" بشكل سلبيّ مع عدم أخذه في الحسبان، وهذا الأثر يمكن أنْ يحدث ولو بعد حين، غير أنّ البرمجيين لا يبدون أيّ اهتمام البتة لمثل هذه الآثار، إذ المهم عندهم "فقط" "تعمل" تطبيقاتهم، وهذا يكشف مظهراً خطيراً آخر للمعالجة التجزيئيّة للظواهر الإنسانيّة التي تتبناها البرمجة، كما يبرز بعض معالم ضعف المسؤوليّة الفكريّة والاجتماعيّة والنفسيّة للبرمجة كبعد أخلاقيّ.
(5) البرمجة والبرمجيون لا يتورّعون عن معالجة الكثير من الظواهر الإنسانيّة وعلى نحو جازم وبنفسيّة وثوقيّة حادة.
قد يقال هنا إنّ ما قررته سابقًا يفتقر لمزيد من الأدلة المقنعة، أو أنّه غير مقنع على الإطلاق، فأقول حسنًا، هذا مطلب مشروع ومناقشة منهجيّة سائغة بل وواجبة، ولكنّني أقول بدوري في السياق ذاته متسائلاً:
* ألا يدل هذا على حاجتنا إلى تبني المنهج العلمي في التعاطي مع هذه الظواهر الإنسانيّة المعقدة بدلاً من منهج "إنّه يعمل ويؤثر!"، لبحث مثل تلك القضايا المعقّدة!.
* هل يتوفر المنهج النّفعيّ على القابليّة للنظر في هذا القضايا ومناقشتها؟
* أم أنّها خارج نطاق قدراته واهتماماته أصلاً؟
أسئلة جديرة بالطرح، ويجب على من يتبنى المنهج النّفعيّ التصدي لها، ونحن بذلك ندعو فلاسفة البرمجة ومنظّريها كما ندعو البرمجيين العرب إلى التعاطي مع هذه الإشكاليات والجدليّات وعدم تجاهلها، حيث إنّ تجاهلها لا يغيّر من الحقائق شيئًا، كما أنّه لا يزيل الآثار الخطيرة التي قد تترتّب على تبني المنهج النّفعيّ بهذا الشكل الخطير.
ربّما يكون من المناسب الاكتفاء بهذا القدر في نقد الأسس الفلسفية والمنهجية والثقافية والنفسية لحقل البرمجة اللغوية العصبية، ليتبقى لنا جولة واحدة نقف فيها مع البرمجيين العرب بعض الوقفات الثقافية، لنخلص في نهاية البحث إلى نتيجة محددة، وما توفيقنا إلا بالله.

وقفات مع البرمجيين العرب وخلاصات

وقفات ثقافية مع البرمجيين العرب

البرمجيون: لماذا لا يبرمجون تفكيرهم ويوجهونه نحو الإبداع الفكري في حقلهم؟

كما سبق بيانه في الحلقات السابقة، تزعم البرمجة أنها قادرة على نمذجة السلوك، ومن ذلك نمذجة السلوك الإبداعي للمتميزين من أجل إكسابه الآخرين، ومن تلك النماذج ما يعرف بـ "استراتيجية ديزني للإبداع" Disney Creativity Strategy. وإمكانية مثل هذه النمذجة والإكساب محل تسليم لدي؛ ولكن بشروط وبيئة ومعايير ومقادير محددة (15)، لم تنل من البرمجة أي اهتمام يذكر، ولم تدخل نسيجها الفلسفي وأطرها الفكرية، بعكس الحال في الحقول المعرفية ذات الصلة بأدبيات الإبداع والتي راعت بمنهجية علمية تلك العوامل المحددة والمؤثرة في الإبداع إيجابًا وسلبًا.
أعود لزعم البرمجة في هذا المجال وأقول: دعونا نسلم جدلاً بصحة هذا الزعم؛ لأتساءل عن مدى إمكانية أن يقوم البرمجيون العرب والمسلمون ببرمجة تفكيرهم وتوجيه بوصلتهم الفكرية نحو الإبداع في حقل البرمجة، وذلك ببلورة وتطوير وإنضاج فلسفات فكرية وتقنيات عملية تتناغم مع منظومتهم الثقافية وإطارهم الحضاري. لماذا لا يتبنون أي استراتيجية - يرونها مناسبة – في الإبداع ليخرجوا من حيز التطبيق الميكانيكي لتطبيقات باندلر، وقريندر، ودليتس، و ديلوزير وأضرابهم إلى فضاءات الأصالة والطلاقة والمرونة التي تقود إلى إبداع أصيل فكرًا وروحًا وتطبيقًا، لاسيما في القضايا ذات الصبغة الأيدلوجية، والتي منها على سبيل المثال ما يسمى بـ "البرامج العليا" Meta Programmes، ذلك أنها تنطلق وتتأثر بعقيدة الإنسان، والتي تحدد له هدفه الرئيس في الحياة لتضبط بعد ذلك بوصلة تفكيره ومتاريس سلوكه صوب ما يحقق ذلك الهدف. وهنا نتساءل:
* هل البرامج العليا كلها بالضرورة تخضع لاعتبارات إنسانية مشتركة؟
* ألا توجد برامج عليا مميزة لنا؟ أليس ثمة شيء يميزنا عن غيرنا؟
* ألا يفترق المؤمن بالله تعالى ربًا وخالقًا ومدبرًا ورازقًا وإلهًا عن ذلك الملحد المعاند أو اللأدري
(16) غير المبالي؟
* أمَا يتميّز ذلك الرجل وتلك المرأة اللذان يعيشان همّ نهضة أمتهما وسيادتها وارتفاع لواء حضارتها عن أولئك الرّعاع الذين لا همّ لهم سوى أكلهم وشهواتهم؟
* ألا يتوفر العالِم بمقاصد الشريعة الربانيّة على برامج عُليا تميّزه عمن سواه؟
* هل يستوي من يُغلّب الخوف على الرجاء بشكل مرضي أو العكس مع من يتسم بالوسطيّة في ذلك؟
وقضية الوسطيّة هذه تجرني إلى الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن البرامج العليا الخاصة بنا يجب أن ينظر لها في إطار فلسفة "الوسطيّة" أي أننا ننظر إلى طرفين ووسط في معالجتنا للظواهر الإنسانيّة. ولكي أزيد الأمر وضوحًا أقول: إنّ أهمّ سِمة – في نظري – تميّز الإسلام شريعةً وفكرًا وممارسةً ما يتصل بقضيّة وخصلة "الوسطيّة"، والتي تدفع إلى التحلي بأكبر قدر ممكن من التوازن بين ثنائيات متعارضة، أو متضادة، أو متقابلة، أو المتنافسة في بعض الأنساق الفلسفيّة ومنها الفلسفة الغربيّة كـ الآخرة والدنيا، والعلم والإيمان، والعقل والنّص، والقدر والجبر، والرجل والمرأة، وما إلى ذلك.
وفي المقابل، أرى أن أبرز ميزة للفلسفة الغربية - القديمة والحديثة - هي خلوها من الوسطيّة وميلها الكبير صوب التطرف في هذا الجانب أو ذاك، لدرجة أضحى الفكر الغربي معها يتسم بطابع ثنائي اختزالي دوغمائي متطرف Dogmatic Thinking وهنا نجد انعكاسًا واضحًا لهذه الثنائية في موجات الفلسفات المتعارضة والحروب الفلسفية
(17) Paradigm Wars ، تلك الحروب الشعواء التي دارت وما تزال تضطرم أُوارها بين كبار منظّري وفلاسفة الفكر الغربيّ في مسائل فلسفية كثيرة، جعلت كثيرين منهم يؤمنون بأنه لا مجال للجمع بين فلسفتين أو منهجين (كالمنهج الكمي والكيفي مثلاً) في بحث واحد لتعارض منطلقاتهم الإبستمولوجية وهي ما يسمى في أدبياتهم بفكرة التعارض والتضاد(18) Incommensuarbility or Incompatibility Thesis.
هل تنقصنا "الأنفة الثقافية" (19)!
هل يظن البرمجيون العرب والمسلمون أنه يكفي إيراد بعض آيات القرآن الكريم ونصوص السنة المطهرة وأبيات من شعرنا العربي الأصيل للقيام بالواجب المتحتم عليهم صوب الإنتاج الأصيل في كل شعب البرمجة ذات الصبغة الأيدلوجية؟ وقفت على بعض النماذج فوجدتها شبيهة بعمليات القص واللزق، فتشابه المعنى الوارد في تطبيقات البرمجة مع أي من هذه النصوص يجعل البرمجي يقدم على عملية "حشرها"، وليته لم يفعل، حيث إن بعض ذلك يحتوي على تكلف بين، كما أن العملية برمتها تمارس نوعًا من الخداع والتزييف، خداعًا للذات وتزييفًا للوعي بشروط النهضة ومعاييرها، شعر البرمجيون بذلك أم لم يشعروا! بل دعوني أتجرأ وأسال والمرارة تحشرج في حلقي والحرقة تأكل فؤادي:
هل ينتظر البرمجيون العرب والمسلمون باندلر و"جماعته" أن يتفضلوا علينا بما عساه يسعفنا في التعرف على خصوصيتنا الفكريّة وإطارنا الحضاري؟
حقاً إنّه عار ثقافي مخزٍ، العار في أنْ لا نتوفر على قدر كافٍ من "الأنفة الثقافيّة" حيث إنّ انعدامها أو ضعفها يجعلنا نستمر في فضاء الفكر والتحضر (وهمًا) متسلحين بعضلات التفكير الميكانيكي، الذي ينقل لنا الأفكار ولا يصنعها!
إنْ كان ثمة من ينتظر أو يتردد، فإنني أقول لهم بأن جملة متزايدة من الباحثين الغربيين بدؤوا يرفعون شعارات بشكل مباشر أو غير مباشر مثل: "هذه الفكرة قد لا تناسبكم" هذه الفلسفة ليست لكم"، "انتبهوا لخصوصيتكم الثقافيّة". وفي هذا الصدد أشير على عجل إلى بعض مقولات بعض الباحثين الغربيّين. يقول شيريف، و ليفي (2001) Shiraev & Levy : إنّ السلوك الإنساني ونماذج التفكير تتشكل وتتطور في بيئات مختلفة مما يجعلها تختلف من مجموعة ثقافيّة إلى مجموعة أخرى. ويشاطرهم الرأي في هذا جمع كبير من الباحثين، من هم على سبيل المثال: Triandis (1996)
(20) , Hofstede (1980)(21)بل ذهب تريندز Triandis (1996)(22) إلى اختراع مصطلح "الأعراض الثقافيّة أو المتلازمات الثقافية" Cultural Syndromes، حيث يقصد به الأنماط المشتركة من الاتجاهات، والمعتقدات، والتفضيلات، والعادات، والقيم التي تنتظم في إطار يؤمن به مجموعة من الناس؛ يتكلمون لغة واحدة ويعيشون في بقعة محددة. وطالب تريندز بوجوب مراعاة التباين في الأنماط الثقافيّة والحضاريّة.
كما أنّ ثمّة محاولات بحثية أدّت إلى نشوء حركة بحثيّة تؤمن بمبدأ "التنوع الثقافيّ الحضاريّ"
(23) Multiculturalism، ويلمس القارئ لأدبيّات هذه الحركة الوليدة أنّ لها بعدًا سياسيًا(24) واضحًا حيث تطالب بمبدأ المساواة بين الحضارات، ووجوب الإقرار أنْ لا فضل لثقافة أو لحضارة على أخرى بناء على معايير مسبقة (أو ما يسميها البعض حتى من مثقفينا بالمعايير العالميّة)، وإنّما هناك تلوّن ثقافيّ وتنوع حضاريّ.
بل تعدى الاهتمام بهذه القضية مجرد بحوث تنشر في الدوريات العلميّة، إلى بلورة حقول معرفيّة متكاملة لها فلسفتها وأهدافها، وهي حقول تعنى بقضايا تأثير الثقافة والحضارة على السلوك الإنسانيّ، وتفكيره وإدراكه، ودوافعه ومشاعره، وآلية التطوير الذاتي والتفاعل الاجتماعي. ومن أبرز هذه الحقول حقل "علم النفس الثقافي المقارن"
(25) Cross-Cultural Psychology.
ولكن وعلى الرغم من تلك البحوث الجادة، نشير إلى حتمية تلبسنا بقناعة بل إيمان أكيد بخصوصيتنا الثقافية والحضارية في إطار الانفتاح الواعي على دوائر الحكمة الإنسانيّة المشتركة. كما أنني أعتقد أنه آن الأوان لكي نجلي ونحدد أبعاد ومجالات وشروط تبني مبدأ "البعد الإنساني المشترك" في فضاء التثاقف مع الآخر. هذا المبدأ الذي تضخم في عقول ووجدان بعض المثقفين العرب وتماهى مع دوائر الخصوصيّة، لدرجة أنّ بعضهم ينفي وبطرق مختلفة حتميّة الخصوصيّة ويعدّها وصمة عار وتخلّف.
ونحن بدورنا هنا نتساءل عن قدر الانفتاح التثاقفي للحضارة الغربيّة، ثقافة الرجل الأبيض! بمعنى آخر نتساءل:
* هل تتوفر الحضارة الغربيّة على درجة من الانفتاح الثقافيّ مع ما تسميه بـ "العالم الثالث"
(26)؟
* ما هي الثقافيّة العالميّة، أدبًا، وفنًا، وفكرًا؟
* أليست الثقافة العالميّة دائمًا هي ثقافة الرجل الأبيض (عدا في حالات ترويجيّة رخيصة!)؟
ولذا نقول لتلك الفئة من المثقفين العرب: أرونا الفلسفة ذات الطابع العربيّ والإسلاميّ التي التصقت برحم الفلسفة الغربيّة الحديثة التي خالطت ثقافتنا العربيّة الإسلاميّة لعدة قرون!
أين هي في مختلف مجالات الفلسفة؟ أين هي في الانتولوجيا؟ أين هي في الابستمولوجيا؟ أين هي في الميثدولوجيا؟
إنّ الثقافة والحضارة الغربيّة في توجهها العام تنطلق من نظرات استعلائية تجاه "اللأبيض" تجاه "اللاغربي"، وهذا – في تقديري – منحهم قدرًا كبيرًا من "اللاموضوعية"، وصبغ كثيرًا من أساليب تفكيرهم وتحليلهم بالتحيز الفلسفي والمنهجي، مما يوصلهم - بالضرورة - إلى نتائج متحيزة.
قد يقول البعض: إنّ هذا مجرد زعم وتهويل! فأقول: وليكن. أين دليلكم وبرهانكم على دحض ما ترونه زعمًا؟!

ثمرة النقد: هل نستمر في التعاطي مع البرمجة؟


عطفًا على كل ما سبق، تبرز الحاجة إلى بلورة إجابة علميّة جادة على بضعة أسئلة منها:
هل نوصي الناس في العالم العربيّ والإسلاميّ بالتعاطي مع البرمجة؟
هل نوصيهم بالاستمرار بأخذ دورات تدريبيّة في البرمجة؟
ماذا يجب علينا عمله تجاه البرمجة؟
هنا أجدني مضطرًا لإعادة التذكير بأنني مدرك لبعض جوانب التفوق والتميز في حقل البرمجة، وقد ذكرت بعض الشواهد على ذلك، كما اذكر أيضاً بنقدي للبرمجيين العرب والمسلمين لضعف إسهامهم في توجيه بوصلة هذا الحقل بما يتناغم مع مركّبهم الحضاري. إذا اعتبرنا هذه الأمور بجانب مقتضيات ونتائج العمل النقدي الذي مارسته في هذا البحث والذي بين جانبًا من الآثار السلبيّة والخطيرة لتبني الفلسفة المؤطرة لحقل البرمجة في الفضاءات الدينيّة والثقافيّة والفلسفيّة والمنهجيّة والنفسيّة، فإنني أقرر ميلي وبقوة ووضوح إلى التوصية بعدم التعاطي مع البرمجة، ويشمل ذلك التوصية بعدم الانخراط في الدورات التدريبيّة لهذا الحقل، وتتأكد هذه التوصية لغير الباحثين والمتخصصين، حيث إنّهم – غالبًا - لا يملكون إطارًا ومنهجًا نظريًا يمكّنهم من ممارسة نقدية واعية، تعين على التقليل من تلك الآثار السلبيّة. وماذا بعد؟ دعونا نتساءل:

هل ُينسف حقل البرمجة وُيدفن؟

أصدقكم القول: إنّني - ومع ولعي واحترامي وإجلالي لكافة الحقول المعرفيّة - أرى - وبكل حسرة – نسف هذا الحقل بوضعه الراهن، حيث إنّه جدير بذلك ومستحق له، هذا الحكم مترتب في حالة استمرار الحقل على نهجه وفلسفته التي أبنت عن شيء من عللها ومخاطرها وآثارها. ودعوتي هذه لا ُيفهم منها البتّة الدعوة إلى عدم التعاطي والإفادة من النماذج والتقنيات والاقتراحات التي جاء بها هذا الحقل أو طوّرها، كلا، بل نحن مطالبون معاشر المتخصصين في كافة العلوم الاجتماعيّة أن نفيد من هذه التركة، في محيط يضبط بالمنهج العلميّ معاييرَ وشروطًا وصفاتٍ، ذلك أنّ الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ بها.
ألمحت في معرض المحاولة للإجابة عن التساؤل السابق إلى أنّ التوصية التي أراها - والله تعالى أعلم وأحكم - هي عدم التعاطي مع البرمجة في حالة استمراره على نهجه وفلسفته، أي أنني ألمح إلى إمكانيّة بلورة حركة تصحيحيّة في أروقة البرمجة، وفي السياق يتعين علينا الإجابة عن بعض التساؤلات:
* ما طبيعة هذه الحركة؟ وما فلسفتها؟ وما برنامجها؟
* وكيف نوفر بيئة لنجاحها؟ وما مدى إمكانيّة نجاحها؟
في العنوان التالي أحاول أن أستفرغ وُسعي للإجابة باختصار عن هذا التساؤل الكبير.

نحو حركة تصحيحيّة داخل البرمجة

ثمّة تفاؤل كبير لديّ بأنّه يمكن لمجموعة من البرمجيين العرب والمسلمين وجملة من الباحثين في العلوم الاجتماعيّة أن يبلوروا مشروعًا يؤذن بحدوث حركة تصحيحيّة واعية ناضجة، تفلح في توجيه بوصلة البرمجة وفق محددات خريطتهم الثقافيّة، بمنطلقاتها ومسلماتها ومنهجها ونفسها.
نعم يمكننا ذلك، بشرط توفّر القناعة الأكيدة بأهمّية وحتميّة ووجوب القيام بمثل هذه الحركة التصحيحيّة داخل البرمجة، مع بذل جهد علمي بحثي مقنن وفق خطوات منهجيّة محكمة، وخُطّة عمليّة مدروسة وممرحلة. وهنا يمكنني تسجيل بعض الاقتراحات العمليّة للبدء بمثل هذا المشروع الكبير عبر النقاط التالية:
(1) تبني المنهج العلمي في حقل البرمجة ورفض المنهج البراغماتي كأساس منهجيّ، والعمل على تأسيس منهجيّة علميّة في القياس والتجربة والتقييم وما إلى ذلك.
(2) دعوة أبرز البرمجيين العرب والمسلمين مع جملة من المتخصصين والمهتمين في بعض الفروع المعرفيّة (ومنهم المتخصصون في العلوم الشرعيّة، وعلوم النفس، والاجتماع، والتربية، والفلسفة)، لندوة تستهدف أساسًا:
* بلورة مشروع حركة التصحيح. ويمكن أنْ يُطلب من البعض المشاركة في كتابة أوراق بحثيّة، تكون معينًا على استفزاز إبداع المتواجدين في الندوة، وحافزًا لهم على إنضاج الرّؤى والأفكار وتطويرها.
* الإعلان عن تأسيس حركة التصحيح من خلال مؤسّسة يُتّفق على بنيتها وأهدافها وبرامجها.
* تعليق برامج التدريب ريثما يتم الانتهاء من الإطار المنهجيّ والفكريّ للحركة التصحيحيّة للبرمجة بناءً على خطة علميّة وبرنامج زمنيّ محدد.
(3) توضيح كيفية الانتساب والاشتراك والعضويّة بحركة التصحيح بالنسبة للبرمجيين العرب والمسلمين من المدربين والأكاديميّين والباحثين والكتّاب وغيرهم.
(4) الاستمرار في عقد الندوات البحثيّة ووضع خطة عمليّة لإنتاج مواد وحقائب تدريبيّة جديدة تتناغم مع فلسفة الحركة التصحيحيّة.
(5) بحث الأمور المتعلقة بالارتباطات الرسميّة مع المنظّمات والمؤسّسات المهتمة بالبرمجة داخل الوطن العربيّ وخارجه.
وأخيراً أرجو أن أكون قد وُفّقت في محاولتي المتواضعة هذه لنقد البرمجة اللغويّة العصبيّة، كما آمل أن تسهم هذه المحاولة في التنبيه إلى أهميّة تدعيم حركة النقد الثقافيّ الحضاريّ، التي نؤمن أنّها وسيلة - ضمن وسائل أخرى - تمكّن من بلورة ليس فقط الحقول المعرفيّة، بل ومفردات التحضر في بوتقة المركّب الحضاري الإسلامي
(27) المنبثق أساسًا من القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهّرة.
والأمل معقود في أن ُتقرأ هذه المحاولة من كافة المهتمين بحقل البرمجة بكل تجردٍ وإنصافٍ وموضوعيةٍ، وأنْ يكون رائدنا جميعًا الحقّ، والحقّ وحده، مبتعدين جميعًاعن التشبث بالرأي دون دليل وبينة، متلبّسين بالشجاعة العلميّة والفكريّة، وذلك بالرجوع إلى الحقّ وبدء حركة التصحيح وفق إطارنا الثقافيّ، والله تعالى أعلم وأحكم.


د. عبدالله البريدي كاتب وأكاديمي سعودي
(1) Dilts, R. and Delozier, J., Encyclopedia of systemic NLP and NLP new coding, available in the internet at: www.nlpuniversirypress.com. (see the section of the letter S).
(2) O’Conner, J. (2001), NLP workbook, London: Element, p
(3) Ibid., p.2.
(4) Dilts, R. and Delozier, op. cit., (see the section of the letter S).
(5) Dilts, R. and Delozier, op. cit., (see the section of the letter S).
(6) ثمّة مشاريع فكريّة أصيلة وناضجة تناولت ظواهر تندرج تحت هذه الشعارات وأمثالها، وهذه المشاريع تحتاج إلى حركة نقديّة نشطة وواعية.
(7) O’Conner, J., op. cit., p.5.
(8) See for example:
- Dilts, R. and Delozier, J., Encyclopedia of systemic NLP and NLP new coding, available in the internet at: www.nlpuniversirypress.com. (see the section of the letter A).
- O’Conner, J. (2001), NLP workbook, London: Element.
(9) تسمى هذه الحالة في البرمجة بحالة "الاتحاد" Association والتي تقابل حالة "الانفصال" Dissociation، ويعنون بحالة الاتحاد تلك الحالة التي تكون فيها مندمجاً في الحدث الذي تفكر فيه أي أنك تتصور نفسك وكأنك تعيش ذلك الحدث، تراه، وتسمعه، وتشمه، وتحسه. في حين تعني حالة الانفصال تلك الحالة التي ترى فيها الحدث من الخارج، أي بدون معايشة له. وهذا توصيف جيد، وهو معمول به في بعض الحقول النفسيّة. لمزيد من المعلومات يمكنك الرجوع إلى المراجع السابقة.
(10) تقنية "دائرة الامتياز"، مضحكة حقاً، وفيها استخفاف كبير للإنسان، وقد لاحظت أنّ بعض المدربين يقولون: إنّ هذه التقنية تناسب الأطفال فقط، وبعضهم يعممها على الكبار. لمزيد من المعومات انظر المراجع السابقة.
(11) تتعمق البرمجة في مسألة ما تسميه بـ النميطات اعتماداً على ثلاثة أنماط هي النمط الصوري و النمط السمعي و النمط الحسي، حيث يتم التركيز على الصفات التفصيلية (المنيطات) لكل نمط من تلك الأنماط الثلاثة. واستخدام البرمجة للنميطات يتركز بشكل مكثف في حل المشاكل النفسية كالفوبيا وغير ذلك. لمزيد من المعلومات يمكنك الرجوع إلى المراجع السابقة.
(12) لم أقف في المراجع الرئيسية التي وقف عليها على أي تحفظ، بل ثمة إقدام مفرط على اقتحام باحة النفس الإنسانية والعبث بأسلاكها، وليتهم على الأقل أوقفوا هذه المهمة على أكثرهم تأهيلاً، إن كان ثمة ضبط أصلاً لمسألة التأهيل لديهم!!
(13) انظر التعليق السابق.
(14) انظر التعليق السابق.
(15) من أهم عوامل تنمية الإبداع وتشجيعه الدافعية الداخلية والاستعداد الفكري والنفسي، ومنها الاهتمام أو ما يسميه المفكر السعودي اللامع الأستاذ إبراهيم البليهي بـ "عبقرية الاهتمام" وهو مصطلح في غاية العمق، وثمة جملة من العوامل الأخرى المؤثرة في الإبداع في المحيط النفسي والعقلي والاجتماعي يدركها المتخصصون في حقل الإبداع.
(16) الإنسان اللأدري Agonistic هو من لا يثبت ولا ينفي وجود الرب إما لعدم اكتراثه أصلاً وهم الأغلب حسب رأيي وخبرتي المحدودة مع الغربيين أو لعدم الإيمان أصلاً بإمكانية إقامة دليل على الإثبات أو النفي كما يزعم.
(17) أنظر مثلاً:
- Curd, M. and Cover, J. (1998), Philosophy of science - the central issues, NY: W. W. Norton Company.
- Klee , R. (ed.) (1999), Scientific inquiry, NY, Oxford: Oxford University Press.
(18) انظر المراجع السابقة.
(19) هذا العنوان مقتبس من كتاب تحت الإعداد للباحث.
(20) Triandis, H. (1996), The psychological measurement of cultural syndromes, American Psychologist, vol. 51 (4), pp. 407-415.
(21) Hof ede, G. (1980), Culture's consequences: international differences st in work-related values, Beverly Hills, CA: Sage.
(22) Triandis, op., cit.
(23) لمزيد من القراءة عن مبدأ التنوع الثقافي والحضاري، انظر مثلاً:
- Fowers, B. and Richardson, F. (1996), Why is multiculturalism good?, American Psychologist, vol. 51, pp. 609-621.
- Sears, D (1996), Presidential address: reflections on the politics of multiculturalism in American society, Political Psychology, vol. 17(3), pp. 409-420.
(24)Sears, op., cit.
(25) انظر مثلاً:
- Berry, J., Segall, M. and Kagitcibasi, C. (eds.), Handbook of cross-cultural psychology: social behaviour and applications, Needham Heights, MA: Allyn and Bacon.
- Shiraev, E. and Levy, D. (2001), Introduction to cross-cultural psychology, Boston: Allyn and Bacon.
(26) مصطلح مهين، ويكشف عن جانب من الوقاحة والاستعلائية "الحضارية" لثقافة الرجل الأبيض! الرجل الأبيض الذي لا يكاد يرى أي حسنات أو إيجابيات في ما يسميه بالعالم الثالث!
(27) المقصود بالمركّب الحضاري هو ذلك المركّب الذي ينتظم المفردات العقديّة والقيميّة والأخلاقيّة والفكريّة والتاريخيّة مع خليط ناضج من الأفكار والفلسفات المستقاة من مركب الحضارات الأخرى ... ذلك المركّب الذي يترسب في العقل المسلم عبر دوائر التعليم والتربية والاحتكاك والتفاعلات البحثية والتأملات الفلسفية. انظر:
- د. عبدالله البريدي (2000)، في إطار دعوة للانبثاق من مركّبنا الحضاري : المسألة الحضارية:المسار والمشروع - نمذجة وبلورة، بحث مقدم للمنتدى الحضاري، اللقاء الأول، المملكة المتحدة. (هذا البحث مع أبحاث أخرى تحت الطباعة في كتاب بعنوان: قضايا في المسألة الحضارية، من مطبوعات المنتدى الحضاري).

الكاتب: د. عبدالله البريدي

التعليقات على نَظَرات نقديّة للبرمجة اللغويّة العصبيّة NLP (2/2)

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
6925

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري