مقالات الوعىالصحة العقليةالتوازن فى الحياة › الإسلام ومقاييس التصرف المعتدل

الملخص :-

موضوع قياس التصرف المعتدل محل اختلاف في العالم الغربي المعاصر، علماء النفس والاجتماع الغربيون لم يأتوا بعد بتعريف متفق عليه للاعتدال، فمن ناحية فإن السلوك يعتمد على الحضارة ومن ناحية أخرى فليس هناك مقياس أو معيار واحد في أي حضارة. علم النفس الغربي يأخذ في الاعتبار الخبرة الفردية والمحدودة كأساس لقياس التصرف، والسؤال هو من له السلطة وعنده الحكمة ليعرف ويحدد معايير السلوك الإنساني المعتدل تعريفا وتحديدا علميا؟ هذا المقال يبحث هذا الموضوع ويصل إلى أن خالق الإنسان هو السلطة النهائية لتحديد مقاييس التصرف الإنساني. القرآن والحديث يقدمان وجهة النظر الإسلامية لمعايير السلوك الإنساني من حيث الخطأ والصواب .

كما أن هذا المقال استمرار للبحث ودراسة القرآن والحديث لاكتشاف هذا المعيار وبهذا يمكن تقديم مقياس عملي ومنقول عن الاعتبارات الفردية . علماء النفس والاجتماع المسلمون يواجهون هذا التحدي في عالم اليوم العلمي .

تفصيل :-

في العالم الغربي وخصوصا العالم الغربي المعاصر موضوع التصرف المعتدل محل اختلاف حاد ، فمع أن علماء النفس والسلوك درسوا حالات كثيرة للسلوك غير المنحرف، إلا أنهم قد أتوا بتعاريف للسلوك المعتدل تختلف وتتعدد مثل عدد الدراسات نفسها، لم يحل أحد هذه المشكلة بعد، سواء من الناحية الطبية أو الفلسفية. طرق معالجة هذه المشكلة تتعلق في الغالب بمنهاج علمي معين أو نظام نظري أو طريقة عملية. العالمان أفروسابشين يعتقدان أنه بالنظر إلى درجة المعرفة في الوقت الحالي فإن التفرقة بين التصرف المعتدل وغير المعتدل مؤسسة على افتراضات بدلا من براهين وتجارب مثبتة .

هذا المقال يناقش الموضوع من ناحية السلطة النهائية والحكمة العليا التي تحدد وتعرف معايير السلوك الإنساني المعتدل .

في ضوء القرآن الكريم والحديث الشريف نجد أن دراسة السلوك الإنساني في حد ذاته وفي تطبيقاته من أجل نمو وتقدم المجتمع هو الهدف الرئيس للإرشاد الإلهي .

الدين الإسلامي وإرشادات الرسول المصطفى ترينا بوضوح التجاه السليم للدراسة والبحث في مجال السلوك الإنساني ، سواء الفردي أو الجماعي . قصص القرآن الكريم تقدم لنا أمثلة ونماذج لكل من التصرف المعتدل والتصرف المنحرف ، وبهذا فإن القرآن والحديث معا يضيئان لنا طريق البحث المستمر في دراسة علم النفس كعلم وكفن أيضا .

وربما يكون من الحكمة أن نستعرض المرحلة الحالية من فهم السلوك المعتدل والتخبط الموجود في النشرات العلمية المتعلقة بهذا في الغرب . يقول فرانز الكسندر : " أول ما يجب علينا أن نتذكر أن كلا من الاعتدال والانحراف السلوكي هما من نوع واحد وإنما الفرق بينهما هو في مجرد الكمية " . ويقول ولترأي بارتون : " ظاهرة وجود حالة مثلى للصحة ات العقلية السليمة فوق مجرد تغيب الانحراف والمرض النفسي لم تثبت علميا بعد . معرفتنا بها لا تزيد كثيرا عن انطباعات وقتية محدودة أو مشاعر انفعالية تجاه هذا الموضوع . " وقد درس إيسلر بإيجاز مكانة كلمة " الاعتدال " في أعمال فرويد يستخدم كأداة عملية لبحث بعض مظاهر الاضطرابات العقلية بوسيلة المضادة ، وليس كأداة لقياس التقدم العلاجي . وتضفي نشرات علم النفس التحليلي عدة معان للاعتدال . في معناها الوصفي ، كلمة الاعتدال تعتبر شعورا معتمدا وليس مستقلا ومطلقا ، وفي معناها التنظيمي تصبح اعتدالا نفسيا مطلقا . وهناك آثار فرويد السؤال عما إذا كان يمكن أن تؤدي عملية تحليل نفسي إلى ظرف تكون فيه جميع إحباطات المريض قد رقعت وجميع فجوات الذاكرة ملئت . ليس هناك إجابة مرضية لهذا السؤال . وفي المعنى الاقتصادي تصبح اعتدالا وهميا للايجو (ego) وفي معناها التحركي تعتر الانسجام النفسي الذي هو حالة اتزان مؤقته بين الايجو (ego) والإد (id) وفي معناها الاجتماعي تصبح تخطيطا ، وعلى هذا فمعايير الاعتدال تعتمد على المجتمعع وعلى أهداف معينة كغياب الصراع والتناقض في شخصية الفرد . هذه التعاريف ليس لها قيمة طبية وتبدوا اختيارية من وجهة النظر العلمية .

وفي مجال مناقشة الصحة العقلية الإيجابية والاعتدال تقول ماري جاهودا " الاعتدال من وجهة نظري ليس ألا كلمة أخرى للصحة العقلية ، ومن وجهة نظر أخرى قد وجدت هذه الكلمة عير محددة وخالية من الكيان النفسي . كثير من حالات الوجود السليم ثبت أنها غير مناسبة لأنها ليست فقط تعبيرا عن سلوك فردي وإنما أيضا تعبير عن ظروف خارجية . " وفي مجال مناقشة الشخصية والاعتدال يركز رالف لنتون على اعتبارات تتعلق بالمجتمع ويعرف الاعتدال بتجاوب الشخص مع الاعتبارات الثقافية بدرجة اقتراب تكوين الشخصية من شخصية مجتمعة الأساسية . وتبعا للنتون فإن اختبار شخص بالنسبة للاعتدال المطلق يعتبر قدرة الفرد على تفهم الحقيقة كما هي مفهومة من وجهة نظر المجتمع وأن يتصرف تبعا لهذا الفهم ، وأن يكون مصوغا في قالب مجتمعه في خلال فترته التكوينية .

ولقد عالج أبراهام ماسلو مسألة الاعتدال . هذه المعايير ليست إلا عواطف محدودة لا يمكن تعميمها على مجموعة من الناس ولو كانت هذه المجموعة صغيرة .

وبالإضافة إلى هذا فإن الموقف النسبي يؤدي إلى تعريف نسبي للاعتدال وتبعا لهذا فإن الشخص المعتدل هو الشخص المتسق مع المجتمع الذي يعيش فيه . يقول موني تيرل " إن تعريف الاعتدال تعريفا لغويا يناسب الاعتبارات العلاجية ويكون مطلقا ومستقلا عن أي مجتمع من الصعوبة الوصول غليه " وفي معالجته للاعتدال يرجع كارل روجرز إلى شخص افتراضي . هذا الشخص تبعا لروجرز يعتبر رمز لـ " الهدف من التطور الاجتماعي " ن و " نهاية مطاف العلاج النفسي الأمثل " ، و " تحقيق … إلخ .

وهناك اعتبار آخر بدراسة الاعتدال وهو تنوع هذه الدراسة وتغيرها لكل وحدة أو عنصر في الكون ، لكل عضو أو شريحة من الإنسان ، وباعتبار كل من تكوينه ودالته . هناك درجة اختلاف طبيعية في أية مجموعة تحت الدراسة في حدود هذا الاختلاف فإن السلوك الكفء والتوافق مع الضغوط العامة يمكن إدراكه , وعموما فإن علم النفس الغربي لا يقدم تعريفا محددا وعاما للاعتدال والصحة العقلية لا من وجهة النظر الإحصائية ولا الطبية . توماس زاز مشهور بآرائه المتطرفة عن الصحة العقلية والعلاج النفسي وهو يطرح أسئلة مهمة . " من الذي يعرف الاعتدال ، وبالتبعية الإتراف ؟ " .

وتعرضا لتاثير علم النفس الغربي يقول إقبال : " من المؤسف أن الاتجاهات المعاصرة في علم النفس الغربي تتاعر لدرجة كبيرة مع المثل الإسلامية . علماء النفس المسلمون الذين درسوا في الغرب أحضروا معهم مؤثرات هدامة وتعاليم مريضة " . ويقول بدري " لقد سادت النظريات والتعاليم التي هي من إنتاج الحضارة الغربية المسيحية اليهودية مجال العلوم الاجتماعية في الجامعات والصحافة في البلدان الإسلامية ، ساعد الراديو والتلفزيون على إرساء هذه الدعائم الاجتماعية بين الجماهير المسلمة " كما أن صادق وإقبال قد بحثا الفروق النفسية المتعلقة بالحضارة بين الطلبة الباكستانيين والطلبة الأمريكيين . هذا البحث قد تبين أن وسائل البحث النفسي الغربية الحالية لا تناسب المسلمين والسبب في هذا هو أن تعريف الاعتدال نفسه وقياس سلوك الإنسان غير واضح للغرب ، كما أن بعض أسس الاختبار النفسي تعارض التعاليم الإسلامية ولهذا فقراءة نتائجها قد تكون مضللة .

من الحقائق العلمية المتفق عليها أنه بمجرد النظر إلى منتج أو آلة لا يستطيع الناظر أن يدرك كفائتها وقواعد تشغيلها . للوصول إلى هذه المعلومات يجب على الفرد أن يقرأ كتيب التعليمات الخاص بها ويدرس خصائصها ومواصفتها التي كتبها مصممها . هذه الفكرة نفسها يجب أن تطبق على دراسة وفهم السلوك الإنسان . ولهذا فلكي نفهم السلوك الإنسان فهما مطلقا ينبغي أن نرى كيف ينظر خالق الإنسان إلى الهدف من هذا الخلق . فهو وحده أفضل من يحدد معايير السلوك البشري . هذا التوجيه نجده ملخصا في الإرشاد الإلهي الذي يجب فهمه على أساس علمي وعملي . وفي هذا الخصوص يقول القرآن الكريم : ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) .

وبهذا نرى أن الله تعالى قد وضح للإنسان مقومات السلوك وأن هناك مقاييس له . وبالإضافة إلى هذا فإنه هو وحده القادر على تحديد هذه المعايير وهو الذي يهدي الإنسان للتفرقة بين الخطأ والصواب .

الإسلام هو دين طبيعي وهو الدين الوسط ، وروح الدين هي فهم السلوك البشري وتكوين النفس الإنسانية . يقول بروهي : " معنى الدين من وجهة النظر الإسلامية هو طريقة ومنهاج لإرشاد الناس للنجاح في حياتهم الدنيا والفوز الأبدي في الآخرة . وطريقة الإسلام للحصول إلى هذا هي تقديم فهم عام من خلاله يدرك الفرد مكانه في الكون والهدف الذي من أله وجد على هذه الأرض . الإسلام يدعو الناس إلى فهم دورهم ويرشدهم لتحقيق القانون الإلهي الذي وجدوا في ظله لعلهم يجنوا الحصاد الوفير في الآخرة . "

الإسلام ـ كطريقة للحياة ـ يركز على تكوين شخصية سليمة ويقدم معايير مطلقة لسلوك إنساني سليم وعالمي ولحياة اجتماعية متزنة ، وهذا التركيز على نمو الفرد يؤدي إلى حياة اجتماعية متسقة على الأرض ، وفي نفس الوقت يؤهل هؤلاء الأفراد أنفسهم للحياة الآخرة .

على مدى الألف عام الأخيرة أهمل المسلمون هذه التعاليم الإسلامية واتبعوا الغرب اتباعا أعمى . اتباع المسلمين للإسلام اتباع هوائي وليس علميا . علم النفس والسلوك في الغرب لم يبدأ إلا منذ مائتي عام على الأكثر . الكتابات الغربية عن الصحة العقلية والاعتدال والانحراف مليئة بدراسة الأرواح لا غير . علوم النفس المعاصرة تهتم بالتشريح أكثر من دراسة النفس , ومواد دراستهم أجساد وليست أشخاصا .

لقد رأينا الطريقة الغربية لتعريف معايير لسلوك الإنسان تفشل فشلا ذريعا . وفي مقابل هذا نرى القرآن الكريم واضحا تجاه هذا الموضوع كما يتبين من هذه الآيات : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) . كما يقول الله في القرآن الكريم : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) . وهذه الآيات : ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ) . وفي آية أخرى يقول الله فى القرآن الكريم : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبد ليكون للعالمين نذيرا ) .

يصور القرآن صورة كاملة للسلوك الإنسان والقوانين المتعلقة به ، ولهذا يمكن القول بأن القرآن يعرف معايير الأخلاق فوق تعريف قواعد السلوك . سواء المعتدل أو غير المعتدل . هناك أمثلة يقدمها القرآن يمكن أن تكون أساسا لمزيد من البحث . كما أن المعلومات التي يقدمها القرآن يمكن أن تساعدنا على فهم السلوك الإنساني وطبيعته وأيضا طبيعة النمو والتطور . وبالإضافة إلى القرآن نجد حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يمكن أن يطبق في حياتنا اليومية ، هذه الإرشادات المقدسة تنتظر أن تستخلص وتقدم في صورة عملية وتطبيقية . القرآن يقدم إرشادات في جميع مراحل الحياة وكل مجالات التصرف وهذا يشمل علم النفس العلاجي الصحة العقلية والجسدية ، الحياة الاجتماعية والبحث في الفضاء وفي وجوب الأرض وهذه المعرفة تؤدي بنا لمعرفة الله تعالى .

وفي النهاية يمكننا القول بأن مهمة عالم النفس والاجتماع المسلم هي تجميع المعرفة الإلهية وفي اضطراد البحث ودراسة القرآن والحديث هذا ضروري لاستكشاف وتعريف معايير السلوك الإنساني ، ولإدراك ما أراد الله من حد الحدود للتفريق بين الخطأ والصواب ، ولمعرفة مقاييس هذه الأمور . هذا التجميع والبحث يكون عالميا وليس تحت تأثير أية حضارة أو مجتمع . ويعتبر تكوين علم نفس إسلامي للتطبيق العالمي في حد ذاته " اجتهادا " .

المصدر-موقع -اسلام سيت

الكاتب: الدكتور شيخ محمد إقبال

التعليقات على الإسلام ومقاييس التصرف المعتدل

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
31163

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري