مقالات الوعىأبحاث وآراءالتنويم الإيحائى › البرمجة اللغوية العصبية . هل هي ذات جدوى؟

اشتدت المواجهة وحمي الوطيس حول البرمجة العصبية NLP وهذا بلا شك نذير خير. فالمراجعة ونقد الذات خاصيتان من خصائص المجتمع الناضج الواعي. فإني لا أشك بأن كلا الطرفين، المحذرين والمؤيدين للبرمجة اللغوية، همهم الأكبر صلاح الأمة وإرضاء الله، هذا ولا نزكي على الله أحداً.
فهذه المقالة هي جهد متواضع أعرض فيه خلاصة ما استطعت أن أجمعه من الجدوى العلمية للبرمجة اللغوية. أما عن الناحية الشرعية لهذا الفن فإني – للأسف- لا أملك التأهيل العلمي اللازم لسير أغوار شرعية هذه الممارسات.
المرجع الرئيس لهذه المقالة هو البحث الذي أعده مركز أبحاث الجيش الأمريكي في عام 1988م لمعرفة جدوى بعض ممارسات تحسين الأداء البشري Human Performance Enhancing وكان من ضمن المهارات تحت اختبار البرمجة اللغوية العصبية. إن صفحات البحث تربو على الستمائة فلا يجدر بنا أن نبتر النتائج دون الخوض في آلية هذا البحث.
وللعلم فإن هذه الدراسة للجيش الأمريكي أتت في ذروة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. حيث انتقد كاتبان في جريدة " الواشنطن بوست" في مقالة بتاريخ 17 يوليو 1985م الجيش الأمريكي بأنه قد خسر المعركة العقلية “Mind Race” مع الاتحاد السوفيتي. فيذكر الكاتبان أن جهاز المخابرات المركزية CIA أعد دراسة بقيمة مئة ألف دولار عام 1978م توصل فيها إلى أن الاتحاد السوفيتي قد طور واختبر أسلحة نفسية Psychic Weapons متقدمة، وأن عليهم أن يقيموا الطرق المعمول بها لتطوير الأداء البشري.

خلص الباحثون في الجيش الأمريكي إلى أنه " لا يوجد دليل علمي لدعم الادعاء بأن البرمجة اللغوية العصبية استراتيجية ذات جدوى في التأثير ( ص 21). لكن إذا أرجعنا البصر كرتين قد تنقلب نظرتنا إلى هذا التقرير . فالباحثون احتاروا في المعايير Criteria التي عليهم أن يوظفوها لاختبار هذه الفنون ( ص 3). خاصة قول التقرير بأن بعض جوانب الـ NPL يوجد عليها دليل ( ص 8).

فيذكر تقرير الجيش أن الممارسين لهذه المهارات ( NPL وغيرها) يركزون على نجاح التجارب الشخصية ويجعلونها معايير للحكم على هذه المهارات. ويقول التقرير كذلك إن البعض يرى أن العلماء والباحثين الذين يستقصون الأدلة والإثباتات العلمية لا يأبهون بنتائج التجارب الشخصية Testimonial Evidence وشهادات بعض الحاصلين على دورات في البرمجة اللغوية أو غيرها. والنتيجة كما يقول البحث " فجوة في الاتصال بين ثقافتين: العلماء الباحثين عن الأدلة، والممارسين الذين يبحثون عن الفعالية والعلاج " ص 12. ويقر التقرير بأن القليل من الممارسين للبرمجة وغيرها مؤهلون لعمل بحوث علمية (ص 11) . من هنا يتضح لنا لماذا توصل الباحثون إلى دحض البرمجة اللغوية؛ لأنهم لم يعترفوا بنتائج التجارب الشخصية التي يدلي بها المشاركون في هذه الدورات خوفاً من أن " تستخدم التجارب الشخصية كدليل رئيس لمهارات تحسين الأداء البشري" وكذلك فإن الاعتماد على التجارب الشخصية يهمل في كثير من الأحيان العوامل الأخرى المصاحبة للتأثير ( ص 17).

إذاً هل يمكننا أن نرمي بالبرمجة اللغوية عرض الحائط لأنه لا يوجد لها إثبات علمي نظري، أو نأخذ بمقولة رئيس جامعة هارفرد، لورنس سمرز، " مثال واحد جيد خير من ألف نظرية"؟ وهل الصراع سرمدي بين التنظيريين Theorists والعمليين Pragmatists ؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عنها في هذا المقال المتواضع.

مما أثار انتباهي أيضاً هو أن الجيش الأمريكي خلص في تقريره لعام 2003 بأن الدليل العلمي على اختيار كشف الكذب Polygraph test ضعيف وغير دقيق". ولكن من المعلوم بأن الـ Polygraph testيستخدم بكثرة في أجهزة المخابرات CIA والمباحث الفدرالية FBI لمعرفة صدق الأشخاص المحقق معهم؛ وإن كانت لا يمكن اعتمادها كدليل رئيس في المحكمة. وأي شخص يرغب في العمل مع المخابرات أو المباحث الفدرالية يجب أن يجتاز اختبار كشف الكذب. إذاً هل القياس بين الـ NLP و Polygraph test قياس سليم؟.

أعتقد بأن المسألة من ناحية عملية لن تحل بسهولة لأن كلا الثقافتين حاضرتان في الساحة.ثقافة الدليل وثقافة النتائج . فأي نقاش عن البرمجة اللغوية – في رأيي- سيخرج ليكون حواراً عن جدوى اعتماد التجارب الإحصائية والشخصية كدليل. وأنا أشبه الفريقين بفقيهين يناقشان مسألة ما، وما لبثا حتى انقلب الحوار بينهما إلى مدى صحة حديث أو أثر استشهد به أحد الطرفين.

ولكن الشيء الذي يمكن أن أجزم به هو أنه لا ينبغي لنا على الإطلاق أن نستشهد في أية حال من الأحوال ببعض ممارسات البرمجة اللغوية كدليل لإعجاز الدين، أو أن الإسلام قد أتى بهذه الممارسة أو تلك من قبل. فهنا يجب التحري لأن إقحام القرآن أو السنة يحتاج إلى دليل علمي قوي لا يرى فيه عوج ولا أمت.

مرة أخرى هذه المقالة مجرد جمع لشتات بعض البحوث اعتمدت بشكل رئيس على بحث الجيش الأمريكي لمعرفة جدوى البرمجة اللغوية من الناحية العلمية. أما من الناحية الشرعية ومدى ارتباط البرمجة اللغوية بالعقائد الأخرى فهنا أترك المجال لأهل الاختصاص من العلماء والدعاة لكي ينيروا لنا الطريق.

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، و " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت".

الكاتب: إحسان الرفاعي

التعليقات على البرمجة اللغوية العصبية . هل هي ذات جدوى؟

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
9865

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري