التنمية بمعناها الواسع هي الزيادة في حصاد الإنسان من الحياة، وبالتالي هي زيادة في حصاد المجتمع بحيث يكون هذا الحصاد صالحاً للمجتمع وأفراه، وهذه الزيادة يعبر عنها بالنمو، وخطواتها تسمى تنمية، لأن حدوثها يتطلب توفر عناصر معينة مثل نمو النبات وتنمية النبات، يتطلب توافر وتداخل عوامل الإنتاج، وأهمها:

1/ الإنسان ومعرفته أو تعرّفه (التنمية البشرية): وهي العنصر الفاعل والمحرك للموارد الطبيعية والصناعية.

2/ الموارد الطبيعية والصناعية المتاحة

3/ رؤوس الأموال

4/ الإشراف والإدارة مالياً وفنياً

وهنا تبرز أهمية الإنسان بصفته المحرك والمستغل والمستفيد من الموارد الطبيعية من حوله، والموارد الصناعية التي صنعها وطرها لصالحه، وصالح المجتمع والإنسانية.

وقد تطورت دراسات متخصصة في الجانب الإنساني أطلق عليها التنمية البشرية، ومن أهم واجباتها تطوير المعرفة والعلوم الإنسانية، وتوجيه الإنسان وتدريبه وتثقيفه ليحسن استغلال الموارد المتاحة وينمي قدرته الإنتاجية، ومحاولة تحسين أدائه، ومن ثم تحسين دخله وأحواله المعيشية، فيصبح فرداً منتجاً في المجتمع.

وقد ينظر الإنسان للموارد الطبيعية التي حوله، وتظل معطلة، ولا فائدة منها له، لأنه يجهل الكيفية التي يستخدمها بها، وذلك شبيه بالسيارة التي تعطلت محركاتها وفي جوفها الوقود والزيوت والبطارية فارغة.

إن الإنسان طاقة عقلية وجسمية ونفسية، والأشياء التي حوله سخرت لخدمته ومطاوعته، ولا شيء يستعصي عليه في هذا الكوكب وهو مأمور بعمارة الكون، ومن ذلك نخلص إلى أن الإنسان هو المخلوق الأكرم في الأرض، (قال تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)، صدق الله العظيم.

وتكريم الإنسان يحمل معاني كثيرة فاضلة ومنها أن يكرم الإنسان أخاه الإنسان ويفضله، على غيره من الكائنات، ومنها أن يتعاون الناس في حياتهم حتى يتنقلوا براً وبحراً في أمن وسلام.

وهذا الكون خلقه الله على التوازن الدقيق في كل شيء يقول تعالى:(وكل شيء خلقناه بقدر) وهذا التوازن يتطلب العدل، ويتفقان في الموازين، يقول تعالى (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)، ويقول تعالى ( ولا تخسروا الميزان) وخسران الميزان معناه اختلال التوازن، وبالتالي اختلال العدل.

وللإنسان في حياته مطلبان؛ أحدهما جسدي، والآخر روحي، أما الجسدي فيمثل المأكل المشرب والملبس والمسكن، والعمل وغيره من الحاجات المادية والعلمية والعلاجية، وذلك وفق الامكانيات المتاحة، ودون ترف أو بذخ، يقول الله تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، ويأمرنا بالتوازن في ذلك في قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً).

أما الجانب الورحيفي الإنسان فله مطالب لا تقل عن مطالب الجسد فكما يتغذى الجسد فإن الروح والنفس تحتاج إلى الغذاء وهو مطبوخ ولذيذ الطعم، وقد دعت إليه الأديان، وجاءت به الرسل، وهذا الغذاء الروحي وضعت بذرته عندما نفخت الروح في الإنسان وخرج إلى الوجود وصارت مسؤوليته أن يرعى هذه البذرة ويغذيها حتى تورق و تزهر وتحمل الثمار.

والإنسان فرد يتأثر بالبيئة المحيطة جسداً وروحاً، وما يتناوله من غذاء جسدي وروحي يتوقف على نوع وكمية الغذاء الذي يختاره يومياً، أو يجبر عليه. وينشأ عن اختلال التوازن كما ذكرنا اختلال في حياة الفرد وحياة المجتمع، واختلال في البيئة والموارد المادية والروحية المتاحة.

وبالعودة إلى نمط الحياة السائد اليوم، وتطور الماديات مع ازدياد التطور العلمي والتكنولوجي، وا أسفا لم يصاحب هذا التطور نمو وتطور في الحياة الروحية والاجتماعية والأخلاقية، وقد أهمل الناس تغذية أرواحهم واهتموا بنمو أجسامهم وصحتها، ونسوا الغذاء الروحي ومنبعه الأديان والرسل والصالحين من الأولياء والعلماء، وكل الذين يهدفون إلى خير البشر وصلاحهم، وإصلاحهم، وطغى التطور المادي وسيطر على روح الإنسان وتغلبت مادياته على روحه، وران على القلوب الكسب المادي، وطغت كفّته.

وهذا الميزان الطاغي مادياً تسبب في ظلم الإنسان لنفسه، وصار ميزان العدل مختلاً، وانحرف الإنسان عن الطريق المستقيم والسلوك القويم، بحثاً عن الماديات والملذات والشهوات ولو على حساب الآخر، وساد منطق القوة والعنف والظلم الفردي والدولي، وصار القوي يأكل الضعيف، ولم يسلم القوي ولم ينجو الضعيف، رغم التطور العلمي والتكنولوجي، وطغى عصر العولمة الذي استخدم العلم من أجل التطور المادي وزيادة القوى المادية والهيمنة على الضعفاء أفراداً وجماعات ودول، وضاق كوكب الأرض بما حمل، وأصبح الإنسان فيه غير آمن أو مأمون، وانتشر الخوف والهلع في كل مكان، وصار الناس كأنهم في غابة فيها الوحوش والغزلان، والذئاب والغنم، ولا جامع بينهم سوى المصالح المادية وموازينها المختلة، وتبعاً لذلك، اختلت موازين العدل والأخلاق، وتنوعت أسلحة الدمار الروحي والجسدي.

ونؤكد هنا أن عالمنا اليوم، وفي عصر العلومة التكنولوجية والمادية صار بعيداً عن العولمة الروحية، وذلك يعني ضعف الروح الإنسانية والروح الإنسانية هي التي تميز الإنسان عن الحيوان.

وإشباع متطلبات الروح لازم حتى يسمو الإنسان ويرقى ويحتل مكانه الإنساني في الكون، ويؤدي رسالته الربانية الكونية المكلف بها دون غيره من الكائنات والمخلوقات، حيث قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، وهذه الخلافة تحمل رسالة ربانية روحية أولاً، ورسالة مادية ثانياً، وقد أراد الله التوازن بين الرسالتين، وكل رسالة من هاتين جاءت بمقوماتها وقواعدها وأسسها نظمها، والاهتمام بجانب دون الآخر يؤدي إلى اختلال التوازن، والجانب الروحي هو الذي يحمي ويصون الجانب المادي من الانحراف، وبنموه تنمو القدرات المادية في الإنسان، ويتوفر له الأمن والأمان في كل جوانب حياته، ويسود العدل، وتنمو المحبة والوئام، وتسعد البشرية.

والعالم اليوم يأكل بعضه بعضاً، رغم وفرة الماديات، وذلك تسبب في اختلال التوازن المادي؛ حيث يظلم القوي الضعيف دون وازع أخلاقي، ودون حساب للقيم الإنسانية والدينية والاجتماعية، وقد أهملت الضوابط الروحية والتشريعات الربانية والإنسانية، وأدى هذا الإهمال إلى ضياع حقوق الإنسنان في كل مكان، وتعرضت الأمم والشعوب للجوع والفقر والمرض الروحي، وأدى ذلك إلى الجوع والفقر والمرض الجسدي، وهما صنوان يسيران جنباً إلى جنب في الإنسان الحي، وحينما يموت فإن علامة موته خروج روحه وتوقف قلبه وموضع عقله (المخ)، ويبقى هامداً لا حركة فيه ولا قيمة له ويعود ترابا. فهل نظر الإنسان إلى هذه الحكمة الربانية البالغة!!.

والعلم بالروح سر لا يعلمه إلا الله، يقول تعالى: (يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، وعليه فإن للروح مغذيات أولها تعاليم الأديان ورسالات الرسل وأصحها، وأفضلها للإنسانية ماجاء في الإسلام، وما ورد في القرآن الكريم ذلك الكتاب الذي نزل به الوحي، وختمت به الرسالات، وقد دعي إلى الإيمانبالكتب والرسالات السماوية السابقة، متى ما اتحدت معه في القول والفعل، إلا أن جميع الرسالات السماوية تتفق قيمتها الغذائية للروح، رغم اختلاف الكمية والنوعية.

ويضاف إلى ذلك الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية وآراء العلماء المخلصين والاختصاصيين في مجال الدراسات الإنسانية والقانونية.

ونحن ندعو من خلال ما ورد إلى الاهتمام بالعلاقات الاجتماع وآراء العلماء المخلصين والاختصاصين في مجال الدراسات الإنسانية والقانونية.

ونحن ندعو من خلال ما ورد إلى الاهتمام بما أطلقنا عليه العولمة الروحية، وتطوير وتأسيس العلاقات الإنسانية بما يحقق التوازن والعدل، وذلك يحفظ حقوق الإنسان وواجباته وصيانة القيم الإنسانية والمادية حتى يعيش الإنسان في أمن وأمان.

وأذكّر بضرورة العولمة التكنولوجية والروحية وأهميتها حتى نصل إلى مرحلة التوازن الروحي والجسدي، وسط البشرية، وتنعم روحياً ومادياً.

الكاتب: المصدر شبكة المشكاة الإسلامية

التعليقات على التنمية الروحية والمادية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
77711

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري