مقالات الوعىالصحةطول العمر والشيخوخة › ينبوع الشباب (1) - إنزيم يوقف زحف الشيخوخة

حلم قديم راود البشر.. عاش في أحلامهم عبر العصور.. وأصبح محور عديد من الأساطير.. من منا ينسى أسطورة "هي أو عائشة" الحسناء الخالدة التي عاشت آلاف السنين في شباب دائم وجمال بديع تغري به عشاقها في كل جيل.. وكان سر شبابها الأبدي هو عثورها على ينبوع سحري ترتشف منه بين الآونة والأخرى فيمنحها الشباب والصحة والجمال والسحر والرونق والبهاء والجاذبية والحب.. وحسبها ذلك عطية أثمن من المال والشهرة وامتلاك العالم بأسره.

 مرت عصور تداوى فيها البشر بالأعشاب واللمسة والكلمة والرقية، ولم يصل أحد الى هذا الينبوع العجيب الذي بحث عنه الجميع في كل مكان دون جدوى.. الا المكان الوحيد الذي لم يبحث فيه أحد حيث يوجد بالفعل.. فقد احتاج ذلك الينبوع الى أقصي درجات التكنولوجيا والعلوم المتطورة للوصول اليه.. وكان مكانه غير المتوقع هو.. الخلية الانسانية..

في عام 1998حبس العالم أنفاسه وهو يرقب علماء من جامعة تكساس يحملقون في ميكروسكوباتهم الالكترونية بفرح شديد ثم يتبادلون عبارات التهاني والاعجاب المتبادل، فقد اكتشفوا للتو كيف يحعلون الخلية تعيش طويلا بدون شيخوخة أو تلف. وقد لا يجعل ذلك الاكتشاف الناس أصغر سنا أو يعمرون للأبد، ولكنه بلا شك يجعلهم يعيشون طويلا في صحة جيدة.               

في ذلك الاكتشاف المذهل استطاع العلماء أن يجعلوا الخلايا تعيش لفترة أطول في حالة شباب وصحة عن طريق إغلاق عمليتا الشيخوخة والموت اللتان تتمان بطريقة طبيعية في الخلايا . وعن طريق الابقاء على الخلايا حية وقابلة للانقسام يمكن للعلماء أن يسيطروا على المشاكل المرتبطة بالتقدم في العمر مثل تجعد الجلد وتدهور البصر في العيون والإصابة بأمراض القلب. كما يمكن أن يقود الكشف الى انتاج عقاقير يمكنها وقاية الخلايا من الموت والحفاظ على وظائف أجزاء الخلايا التي تتدهور عادة مع التقدم في السن.    

في العادة يكون للخلية الانسانية عمر محدد، فتنقسم عدة مرات معروفة قبل أن تموت وينتهي أمرها، ولكن الباحثين وجدوا أنه باضافة انزيم معين يدعى "تيلوميريز Telomerase" الى كروموسومات الخلايا فان الخلايا تستمر في الانقسام دون أن تظهر أي علامات على الشيخوخة أو الموت. وهكذا يوضح هذا البحث امكانية أخذ خلايا انسان ما لكي تعالج لمقاومة الشيخوخة ثم اعادتها الى صاحبها لكي تعالجه بشبابها من أمراضه المختلفة. وأمكن انتاج انزيم توليميريز من الخلايا القابلة للانقسام مثل الموجودة في البيض والخلايا المنوية ، بعد ذلك يتم حقنها في كروموسومات الخلايا. وهذا الانزيم يؤثر في الجزء النهائي من الكروموسوم ويدعى "التوليمر Tolemer" وهو الذي يقوم بالحماية، كما يحمل أيضا الجينات التي تنقل الصفات  الوراثية. ومن المعروف أنه في كل مرة تنقسم الخلية تفقد جزء من التوليمر وهكذا يقصر طوله فيفقد قدرته على حماية الكروموسوم، كما تفقد الخلية قدرتها على الانقسام فتموت. اذن فالتوليمر يعمل مثل الساعة البيولوجية التي توقف انقسام الخلية وتسبب الشيخوخة. ولكن انزيم التوليميريز يحافظ على التوليمر فلا يفقد جزء من طوله، وبالتالي فان الخلية لا تشيخ ولا تموت.

وفي الطبيعة لا يمكن للخلية العادية أن تنتج انزيم التوليميريز، ولكن الخلايا الجنسية الانجابية يمكنها ذلك، كما يمكن ذلك للخلايا السرطانية، وهو مايجعلها تنمو بلا ضابط وبلا توقف.

وقد تمكن فريق العلماء من نقل الجين الذي يصنع انزيم التوليميريز الى الخلايا الانسانية في المعمل، ثم تركت الخلايا لكي تنقسم، ووجد العلماء أن الانزيم ساعد التوليمر الموجود بالكروموسوم على النمو مرة أخرى، وازادت فرصة اطالة عمر الخلية بالتالي. ويقول العلماء أن الخلايا تتوقف عن الانقسام بعد 70 جيلا، ولكي الخلايا التي تلقت الجين في المعمل قد انقسمت أكثر من مائة جيل ولم تظهر هذه الخلايا أية دلالات على بطء معدل انقسامها. واطمأن العلماء أن الخلايا المنقسمة لم تظهر أية علامات على اصابتها بالسرطان مما أراح بال المتشككين. وكان العلماء قد استخدموا خلايا من جلد الانسان، وأيضا خلايا مأخوذة من شبكية العين وأخرى مأخوذة من داخل الشرايين، وكل هذه الأنواع من الخلايا أظهرت قدرة على تنمية التوليمر في الكروموسوم وبالتالي حفاظها على قدرتها على الانقسام والعمر الطويل.

أهم تطبيقات هذا الاكتشاف المذهل هو العلاج السريع لتآكل جزء من شبكية العين الذي يعتبر سبب هام للاصاب بفقدان البصر، وأيضا في علاج تدمير الجلد الناتج عن الحروق، وكذلك في علاج تصلب الشرايين الذي يسبب أمراض القلب. ويتم هذا العلاج الموعود عن طريق معالجة خلايا المريض حتى تعود لشبابها ثم اعادة حقنها مرة أخرى (يتبع).

الكاتب : دكتور عماد صبحي - استشارى فى علاج السمنة والنحافة والآلام بالأنظمة الغذائية والليزر والأبر الصينية

الكاتب: دكتور عماد صبحي

التعليقات على ينبوع الشباب (1) - إنزيم يوقف زحف الشيخوخة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
60736

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري